الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

رسالة السنوات السابعة

مازن ح. عبّود
رسالة السنوات السابعة
رسالة السنوات السابعة
A+ A-

مازلت أتذكر يوم السابع عشر من كانون الأول من العام 2012. وقد كان يوماً بارداً حتى العظم، لكن مشمساً. وقفنا جميعاً خارج دير سيدة البلمند ننتظر قرع الأجراس وإعلان اسم البطريرك الجديد الذي سيتولى قيادة أنطاكية، لمرحلة ستكون صعبة للغاية. وذلك بما توفر من وسائل وإمكانيات وصلاحيات شحيحة. كنا نصلي وكانت الدنيا معنا تصلي إلى أن قرع قندلفت جرس الكنيسة القديمة زافاً إلى العالم ولادة بطريرك وتجدد الكنيسة في أنطاكية.

ما كان أحد يتوقع انتخابكم أبداً. إلا أنه حين يشاء هو تتبدل الخيارات والمقاييس والمعايير. سبع سنوات على انتخابكم كأنها البارحة. ومازلنا ننتظر كما في كل عام المولود. الطقس والبرد ما زالا على حالهما. كأنّ ما حصل حصل اليوم. وذلك بالرغم من أن الكثير قد تغيّر. ثمة أشياء كبيرة وصغيرة ومبادرات قمتم بها، بعضها أثمر وبعضها تحوّل إلى تينة. لكن ما سطرته الأوضاع والظروف والكوارث والنكبات والأيام كان كبيراً للغاية، أكبر منا جميعاً. روسيا عادت إلى السباق. والحرب الباردة استعادت برودتها الحامية. فكان أن صار العالم الأرثوذكسي عالمين. وسوريا التي تكاد تخرج من أتونها توضع اليوم في ثلاجة بانتظار ترجمة اتفاق الامم. وها أن لبنان بدأ يدخل في أزمة وجودية صعبة. لم تسلم ساحتنا الكنسية من الساحات والتباينات. رسالة من هنا وواقعة من هناك لا تنفك تذكرنا بأننا لسنا جزيرة. ما حدث ويحدث كبير، أكبر من أن يستطيع بشري مهما كان أن يواجهه وحيداً ويتفاعل معه. ونحن مازلنا نواجه تداعيات ووسائل وطغمة الثورة الرقمية بأدوات الثورة الزراعية وبالفردية. فنحن مازلنا لا نعرف كيف نتحاور ونتفاعل ونعمل.

ومازلنا نجتمع دون أن نلتقي. نتكلم دون أن ننصت. نصلي علّ الموت والزمن يحلّان مشكلاتنا التي تكبر فتصير أزمات. لقد أضحى لكلّ منا اتجاه وخارطة وأجندة. وبدأ يقل ما يجمعنا. وما يفرقنا يتعاظم. ففي كل يوم تتظهر مواقف جديدة عالية النبرة من هنا أو من هناك تتولد عن أزمات جديدة. أزمات تتفكك على حوائطها المبادرات ومشروعات الحلول. فكأنه قد كتب علينا أن لا نتشاور ونتحاور ونعمل معاً.

المطران بولس ذهب بحثاً عن أرضه وما عاد. والكثير من الآباء ذهبوا بحثاً عن مسيحهم. ومن بقي من الرعيل القديم بيننا أقعدته السنون. فارتاح بانتظار أن يذوق الملكوت.

لقد تغيّرت الخارطة كثيراً وتبدّلت. وجوه انطوت، وذاب ترابها في التراب، ونورها لاقى إله الأنوار. تتبدل الوجوه وتبقى الأيقونات لا بل الأيقونة.

سبع سنوات كانت كفيلة أن تمحو خرائط المجمع بغالبيتها. نظام حوكمة قديم لمؤسسة كنسية زال ونظام جديد لم يبن بعد بكليته. وجوه واعدة بدأت تبان من دون أن تتظهر بعد بالكلية.

لا ألوم أحداً على المرارة، بل ألوم نفسي والأيام. أكتب إليكم لأنكم رمز. نتوجه إلى الرموز لأنها في يقيننا تملك ولو أنها في الواقع لا تملك، بل لها وكالة لصيانة الكرمة. وهي لا تحكم لأنها لا تتسلط إلا بقوة الخدمة والمحبة. هي تلام وذلك بالرغم من أنها لا تمتلك إلا رحمة ربها الذي إن شاءت والتجأت إليه يعمل في ضعفها، ووسائلها من صلاة ودموع وسماع وبساطة وتواضع. فهي أوجدت كي تتلقى وتصون بالشورى. اعلم أنّ ما يجري كبير، وأنّ كل منّا لا يستطيع أن يتغيّر ويتخطى محدودية جبلته. إلا أني أصلي كي تتمكنوا فتقودون بالمثال.

ما يؤلمني أيها السيّد هو أننا نستميت للعب أدوار منفردة للبطولة. نخشى أن تذيبنا الجماعة. ونتسابق لسرقة الأضواء، فكأنّ لا أضواء تكفي لنا جميعاً. ونتجاهل أن النور مادة ممن لا ينبض. نثبت ذكوريتنا ومرجعيتنا وأهميتنا عند كل مطب. نلتقط نبض الشارع، فتنقسم حولنا الشوارع. نسعى أن نبقى مادة الناس فنشعر بوجودنا. وتغرقنا الشوارع وتحملنا الفيضانات إلى جهات نجهلها. نخال أننا الحلقة الأقوى وننسى أننا الأضعف التي يجعلها هو الأقوى. نقوى بالحق طبعاً وبالشهادة لما نعتبره حقاً إذا ما توفرت لنا كل المعطيات.

لا أعلم لماذا نعتبر بغالبيتنا الشورى ضعفاً والعمل المجمعي إلغاء؟

نغرد منفردين. كنعانيون نحن. وبلاد كنعان لا تؤمن جماعاتها كثيراً بالتواصل والتفاعل. نعشق أن نكون أبطالاً أو ضحايا!

جعلنا معادلة الغالب والمغلوب قاموسنا. وتجاهلنا أنّ إلهنا وفق نواميسنا كان مغلوباً. وأنّ ما من أحد غلب، إلا هو لأنه بطبيعته البشرية تألم وصلب وقام من بين الأموات.

لا أعرف كيف ما زلنا نسير أيها السيّد. أم أقول لكم إني أعرف ذلك جيداً. فمن أوجدنا ما زال يمسك بأمورنا ويمسك بنا. وها نحن نؤدب بعضنا البعض. وأنا على ثقة بأنّ من يتعهدنا لن يسلمنا إلى الموت.

أكتب اليكم وأنا أعلم أنّ العناوين تسطرها مضامين النصوص. وجميعنا نصوص هذه المرحلة. أكتب إليكم وأصلي معكم ومن أجلنا جميعاً في هذه الذكرى قائلاً:

"ربي لا تحرمنا مجيئك، فما زالت على الأرض ركب لا تسجد للبعل. ربي لا تحرمنا مجيئك فشرقك ما تصحّر بعد من القديسين. في الجبال رعاة ينتظرون في صمت الليل قدومك كي يأتون ويسجدون لك. ومازال على هذا الكوكب عذراء تحملك في أحشائها. ويوسف العفيف خطيبها يهيئ الحمار لاصطحابها إلى بيت لحم. في السماء كوكب يتطلع إليه مجوس. وسيتمكن يوسف الشيخ من اجتياز الحواجز والحدود والدول للوصول. وسيجد حتماً مغارة ومِذود يولد فيه الطفل الحامل للفرح والسلام والرجاء".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم