السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

في كتابه "القذافي... الواقع والأسطورة": البطران ينادي بحكومة تكنوقراط

مارلين سعاده
في كتابه "القذافي... الواقع والأسطورة": البطران ينادي بحكومة تكنوقراط
في كتابه "القذافي... الواقع والأسطورة": البطران ينادي بحكومة تكنوقراط
A+ A-

"القذافي... الواقع والأسطورة" للكاتب المصري حمدي البطران، كتاب مؤلّف من 296 صفحة، تتضمن خمسة عشر فصلًا. صدرت طبعته الأولى حديثًا، كانون الأول 2019، عن دار غراب للنشر والتوزيع.

شخصيّة القذّافي

في مقدّمته يلخّص البطران الصورة التي خرج بها من خلال متابعته لسيرة الرجل الذي شغل العالم بغرابة حياته وموته. هو العقيد معمّر القذّافي الذي حكم ليبيا طيلة 42 سنة. القذّافي الذي -وفق تعبير البطران- "قفز على القرن العشرين من القرون الوسطى فجأة"، والذي تميّز "بالتقلُّب المتسارع والغرابة المدهشة"، والذي "دمّر بلاده بالمعنى الحرفيّ للكلمة في حياته وبعد مماته، بمشروعات وهميّة، ومقترحات غريبة..." (ص 7).

كما يُظهر لنا، على مدى الكتاب، جنون العظمة لدى الرجل، وساديّته، وميله لسفك الدماء! حتى أنّ الرائد عبد السلام جلّود، الرجل الثاني بعد القذافي، قال عنه: "دمّر ليبيا، ودمّر الشعب الليبيّ أخلاقيًّا ونفسيًّا ومعنويًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، ودمّر الروح الوطنيّة والنسيج الاجتماعي، وفرض على الليبيّين القمع." (ص 9) مشيرًا إلى "جنوح أسطوري" لديه إذ "يعتبر نفسه كلّ شيء في البلاد، وزير الداخليّة، ووزير الدفاع، ومسؤول الحدائق، ومسؤول إشارات المرور، ومدير الجمارك، والرياضيّ الأوّل".

أيضًا توقّف البطران عند وصف دقيق لملامح وجه القذّافي، و"أزيائه الفولكلوريّة المُزَركَشة بألوانها الصارخة... وقبّعات رأسه الفريدة". (المقدّمة ص 10) وفي موضع آخر من الكتاب ذكر هواياته، وأهمّها الصيد وركوب الخيل، كما "يهوى رقص الفلامينكو بشكل جنوني". من ناحية أخرى ذكر أنّه كان "يعتمد بشكل كبير في كلّ رحلاته وتحركاته الداخليّة والخارجيّة على ممرضته الأوكرانيّة الشقراء "غالينا كولوتنياستكا"." (ص 178).

أسلوب البطران السرديّ

لعلّ ما يميّز سرد البطران لسِيَر الشخصيّات البارزة، هو إحاطته بحياتهم الخاصّة كما العامّة، وتوقّفه عند تفاصيل تتعلّق بحياتهم الشخصيّة، ما يضفي على كتابه شيئًا من الطراوة التي تخفّف من حدّة وجفاف الأحداث السياسيّة، وتُشبع نهَم الراغبين في معرفة المزيد عن الحياة الخاصّة لأولئك القادة، في محاولة لفهم دوافعهم وما ميّزهم عن غيرهم من المسؤولين، ومنَحَهم بالتالي هذه الشهرة الواسعة، وترك لدى الناس الدهشة والكثير من التساؤلات حول أسباب هذه السلطة، وهالة الرعب التي لازمت أسماءهم على مدى سنوات حكمهم.

ينطلق البطران في كتابه من قاعدة ثابتة، إذ يتوقف بداية في الفصل الأول المعنون "ليبيا" (ص13)، عند موقع ليبيا الجغرافي، وتاريخها، وواقع شعبها... تمهيدًا لعرض أسباب وصول القذافي إلى مركز السلطة، وتبوّئه منصب الحاكم الليبيّ من دون منازع. بالرغم من أنّه أشار في الفصل الثاني، المعنون "ثورة الفاتح من سبتمبر"، إلى "أنّ مصادر تصف ثورة القذّافي بالانقلاب" والاستيلاء على الحكم، فعارضتها؛ وقامت ثورات مضادّة لها كان مصيرها الفشل، ومصير قادتها السجن أو النفي أو الموت (ص 32-33). كما توقّف عند الانقلاب الذي قام به ابن القذافي البكر وفشله، وإبعاده لمدة من الزمن، ثمّ عودته، وتسليمه مركزًا قياديًّا، ليُقتل في النهاية إلى جانب والده في 17 فبراير 2011 (ص 37).

علاقة القذّافي بالرؤساء المصريّين والعرب

وكما في كتابه حول صدّام حسين [1]، حيث سرد الأحداث والوقائع المرتبطة بمصر والتي تشكّل نقطة التقاء أو حتى اختلاف، مشيرًا إلى دور مصر المهمّ في كلّ ما يجري في الدول العربيّة المحيطة بها، صرّح البطران في مقدّمته قائلا: "لقد حاولنا في كتابنا هذا أن نوضّحَ علاقته (علاقة القذّافي) بعبد الناصر ومن بعده السادات" (ص11). مخصّصًا فصلا كاملا للرئيس عبدالناصر (ص39)، منوّهًا بالأثر الكبير الذي تركه لقاء القذّافي بعبدالناصر في نفس القذّافي، ما انعكس لاحقًا -في رأي البطران- على حياته ومواقفه، ولكن -على ما يبدو- بشكل سلبيّ...

وهذا ما يُظهره أيضًا استشهاده برأي رجل المخابرات فتحي الديب، الذي قابل القذّافي مباشرة بعد الثورة، واكتشف "جوانب متناقضة من شخصيّته وأهمّها عدم الالتزام والخلل النفسي"! (ص 65) إضافة الى إضاءته على العديد من الحوارات المسجّلة أو المنقولة عن شهود عيان لهم مكانتهم في المجال السياسي، والتي تؤكّد مدى الخلل في شخصيّة القذّافي.

في الفصل الثامن من الكتاب، كتب نقلا عن وكالة "ويكيليكس" التي نشرت تقريرًا للسفير الأميركي في طرابلس "رجين كرتيز"، حول شخصيّة القذّافي "بطل القمم العربية"، قال: "العقيد الليبي معمّر القذّافي شخصيّة متقلّبة وغرائبيّة، فهو غريب الأطوار وغير مستقرّ نفسيًّا... ذو شخصيّة معقّدة ومزاجيّة... يعاني اهتزازًا نفسيًّا ورهابًا شديدًا وخوفًا من الصعود للطوابق العليا." (ص 177-178).

لقد كان القذّافي في مواقفه مبالغًا في الغرابة، حدّ التطرّف، ووُثّقَت تصرّفاته اللامألوفة والخارجة عن البروتوكول المتّبع بين رؤساء الدول، بالأخصّ خلال مشاركته في مؤتمرات القمّة العربيّة، كما حصل في قمّة الربّاط 1969، التي سجَّلَت مشاركته الأولى في قمّة عربيّة، حيث اعترض على تقبيل رئيس الديوان الملكي المغربي يد الملك الحسن، واعتبرها عودة إلى عصر العبوديّة؛ وبعدها بساعة تشاجر مع الملك فيصل آل سعود، "ووضع مسدّسه على الطاولة..." مستخدمًا "لغة السلاح" وفق تعبير الملك فيصل (ص250).

كما قام في قمّة الجزائر 1988، بتغطية "وجهه كاملا بمنديل أبيض في إشارة إلى عدم رغبته في سماع الخطاب"! (ص 257) غير آبه باللياقات، مستخفًّا برؤساء القمّة. وهذا ما تظهره أيضًا صورة التُقطت له خلال انعقاد القمّة العربيّة العاشرة في ليبيا -وهي آخر قمّة شارك فيها- حيث ظهر متّكئًا على كتف الرئيس حسني مبارك من جهة، والرئيس علي عبدالله صالح من الجهة المقابلة. (ص 266)

الواقع العسكري والسياسي بين القذّافي ومصر

خصّص البطران حيّزًا كبيرًا من الكتاب للحديث عن واقع العلاقة بين مصر وليبيا، ووقوف ليبيا مع القضيّة الفلسطينيّة ضدّ إسرائيل؛ مشيرًا إلى الدعم الذي قدّمته مصر للقذّافي إذ أرسلت طيّارين مصريّين مكان الطيّارين الليبيّين الذين يفتقرون للخبرة. فسافروا إلى فرنسا وشاركوا في التدريبات على طيارات الميراج التي وافقت فرنسا أن تبيعها للقذّافي (118-119)... وقاموا بالتدريبات اللازمة لمواجهة الإسرائيليّين. وفاجأوا مدرّبيهم لما أظهروه من خبرة في هذا المجال.

ويخلص إلى القول: "في تقديرنا أنّ عبد الناصر والسادات من بعده، كانا يستخفّان بالقادة الليبيّين، وأفكارهم السطحيّة، ولكنّهم كانوا يقرّبوهم (كذا) من بلاطهما باعتبار أنّ أموال النفط تحيط بخصورهم، وتملأ جيوبهم، لأجل هذا لم تجد أقوالهم ولا اقتراحاتهم قبولا لدى القادة المصريّين." (ص 126)

أيضًا يتوقّف عند الخلاف الكبير الذي وقع بين البلدين، وتوتُّر العلاقات بين مصر وليبيا، ومنع القذّافي من دخول غرفة العمليّات خلال الحرب مع إسرائيل، ما اعتبره القذّافي إهانة له. ثم تصاعد الخلاف بعد حرب 1973 وبعد الصلح المصري-الإسرائيلي، ما دفع القذّافي سنة 1977 الى "طرد نحو 225.000 مصري يعملون في ليبيا من أعمالهم، بل أمرهم بمغادرة البلاد، وإلّا واجهوا الاعتقال" (ص 133).

ثمّ قام آلاف المتظاهرين الليبيّين بإيعاز من القذّافي بمسيرة نحو القاهرة. فوقعت معارك بين الطرفين على الحدود الليبية المصرية، كان فيها النصر حليف المصريّين. إلّا أنّ الطرفين تكبّدا خسائر كبيرة، ذكرها البطران مفصّلة في الفصل السادس الذي يدور حول "الحرب بين ليبيا ومصر".

يسرد البطران الكثير من الوقائع التاريخيّة المهمّة والبارزة، المتّصلة بتاريخ الأحداث، والتي تكشف كيفيّة تأزّم الوضع بين البلدين، مستعينًا بالعديد من المواقع الإلكترونية المعروفة، ووسائل التواصل الحديثة. لذا تلفتنا في الكتاب الهوامش الكثيرة، والمسهِبَة في الشرح. علمًا أن هذه المواقع الإلكترونية قد تتداول أحيانا الخبر نفسه، فلا يمكنك أن تعرف مصدره الأساسي، أو مدى مصداقيّته. إلّا أنّها -في الوقت نفسه- تزوّدنا بالصور والتسجيلات والأفلام التي توثّق الحدث.

من المحطّات المهمّة في تاريخ القذّافي، قضيّة طائرة "لوكربي" التي اتُّهم القذّافي بالتخطيط لتفجيرها، فسقطت فوق اسكوتلندا، وذهب ضحيّتها 259 شخصًا كانوا على متنها، إضافة الى 11 شخصًا من أبناء القرية حيث سقطت. توقّف البطران عند تفاصيل الحادث التفجيري، وأسبابه، والمحاكمات التي جرت بعده، وصولا إلى تغريم القذّافي، ثمّ موافقته على دفع تعويضات لأهالي الضحايا. ولم يفته التوقف عند الأبعاد السياسيّة لخضوع القذّافي، والاتفاقات التي قد تكون تمّت سرًّا، والتي تخدم بالدرجة الأولى مصالح الدول الكبرى.

تُذهلنا في كتاب البطران إحاطته الواسعة بكلّ ما يدور حول تاريخ القذّافي وحياته السياسيّة والخاصّة، وكلّ ما جرى من أحداث كانت على صلة به. إلّا أنّنا نراه أحيانًا يعود إلى نشر الخبر نفسه في موضع آخر من الكتاب، ولكن من مصدر مختلف، نقلا عن تصريح لشخصيّة معروفة عايشت الحدث، ونقلت وجهة نظرها.

موقف القذّافي من المرأة

يرى البطران أنّ القذّافي تعامل مع المرأة بطريقة تخالف ما أعلنه حين قال: إنّ "مكان النساء في البيوت لأنّ تكليفهن بوظائف الرجال يُفقدهنّ أنوثتهنّ وجمالهنّ" (ص 200). فقد كان لديه حارسات شخصيّات، خضعن لتدريبات عسكريّة كالرجال تمامًا. وقد أطلق عليهنّ جميعًا اسم "عائشة"، تيمّنًا باسم ابنته بالتبنّي؛ كان يميّز الواحدة عن الأخرى بالرقم الذي يضيفه إلى اسمها؛ وقد أطلق عليهنّ لقب "راهبات الثورة". كما كافأهنّ بـ"منحهنّ رواتب خياليّة، وإرسالهنّ للتسوّق في إيطاليا..." (ص 202) إلّا أنّه يذكر في مكان متقدّم أنّ ثقته بهنّ تراجعت، إذ جرّدهن من السلاح.

أيضًا كان للقذافي عدد من الممرّضات الأوكرانيّات اللواتي أشرفن على وضعه الصحيّ. وقد برزت بينهنّ الأوكرانيّة كولوتنياستكا -السابقة الذكر- بشكل كبير، إذ كان يختارها قبل غيرها، لمرافقته خلال سفره.

هذا في مجال العمل. أمّا حول كيفيّة تعامله مع المرأة بشكل عام، ولكن غير معلَن، أشار البطران إلى كتاب بعنوان "الفرائس.. في حريم القذّافي" للفرنسية أنيك كوجان، التي أجرت مقابلات مع فتيات ونساء تعرّضن للاعتداء على يد القذّافي. تقول فيه: "إنّ الزعيم الليبي معمّر القذّافي كان يخطف فتيات المدارس لاستعبادهنّ واغتصابهنّ وضربهنّ وإهانتهنّ بمختلف الطرق..." (ص 200).

القذّافي والثقافة

من خلال عناوين الفصول ندرك مدى سيطرة الرئيس الليبي على كلّ القطاعات، وحضوره في مختلف الميادين. ففي الفصل 11 المعنوَن "القذّافي والثقافة" (ص 211) يشير البطران إلى الكتب التي أصدرها القذّافي، وعلى رأسها "الكتاب الأخضر" الذي أراده أن يكون دستور البلاد، وطلب أن يصل إلى أيدي كلّ الليبيّين لقراءته ومعرفة مضمونه. كما يذكر أنّه كان مولعًا بالشعر العبّاسي، بالأخص شعر أبي تمام والبحتري...

إلا أنّ ما سرده عن القمع الذي مارسه على الشباب المثقّف، وما قدّمه من جوائز دفاعًا عن الإنسانيّة، يوقعنا في حيرة كبيرة، ويترك لدينا علامات استفهام عدة حول شخصيّة القذّافي ونزاهته ورجاحة عقله. فكيف للرجل الذي لم يتورّع عن سَجن "خرّيجي الجامعات والكتاب والمفكّرين والمثقّفين، لمجرّد مناهضتهم لأطروحات القذّافي" (ص 226)، والذي أمر بحرق الكتب الأجنبيّة والآلات الموسيقيّة في ساحات المدن الليبيّة، وأمر بإلغاء مهنة المحاماة (ص 270)... أن يمنح جوائز كبيرة، وبالعملة الصعبة، إلى رؤساء دول، منهم نيلسون ماندبلا وفيدل كاسترو، وشخصيّات بارزة ومرموقة، تحت عنوان "جوائز القذّافي الدولية لحقوق الإنسان"؟! القذّافي الذي عذّب المثقّفين ونكّل بهم؟!

أيضًا أصدر القذّافي "جائزة القذّافي العالميّة للكتاب"، التي وُزّعت على العديد من الكتّاب المرموقين؛ إلّا أنّ الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو رفض استلامها -مع أنّها تبلغ 150.000 أورو- وذلك تضامنًا مع كلّ إنسان مارس عليه القذّافي سلطته القمعيّة، أو أنهى وجوده، ثمّ ادّعى الدفاع عن الإنسان وحقوقه.

وهنا يطرح البطران تساؤلا غير بريء، حول فوز كاتب ليبيّ بجائزة مصريّة في الوقت نفسه الذي فاز فيه ناقد مصري بجائزة ليبيّة من القذّافي! (ص 238)

خيمة القذّافي

لم يترك البطران جانبًا من حياة القذّافي إلا وأضاء عليه، أكان في حديثه عن نشاطه السياسي، وحلمه بامتلاك القنبلة النوويّة -هذا الحلم الذي اعتبره البطران مبكّرًا وجاء قبل أوانه- أو أحلامه في نشر فكره وكتاباته وتحويلها إلى ناموس تخضع له الشعوب... وصولا إلى عروضه الفولكلوريّة التي لم تقتصر على الملبس وردّات الفعل الصبيانيّة البعيدة عن اللياقة والذوق، وإنّما تخطّتها إلى أسلوب عيشه حياتَه السياسيّة، وكيفيّة استقباله للوفود والشخصيّات؛ إذ خصّص خيمة لهذا الغرض، كان ينقلها معه أينما حلّ في العالم، أكان في أوروبا أو في أميركا.

وقد كشف الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب أنّه جنى ثروة طائلة حين زار القذّافي أميركا، وحاول مستميتًا إيجاد بقعة في نيويورك يقيم عليها خيمته. وحين سُدّت السبل في وجهه، كان خلاصه على يد ترامب الذي أجّره أرضًا في إحدى ضواحي نيويورك. إلا أنّ القذّافي لم يستخدم الخيمة التي أزيلت بعد اعتراض سكان المنطقة، ثمّ أعيد بناؤها.

وقد تكون صورة القذّافي الآنف ذكرها، حيث سند يديه على كتفَي الرئيسين مبارك وعبدالله صالح أمام الخيمة التي أقامها للمؤتمر العاشر، هي أفصح دليل على غرابة هذا الرجل بل جنونه.

البطران ينادي بحكومة تكنوقراط!

في المحصّلة يتبيّن لنا بما لا يقبل الشك، عدم التوازن والخلل في شخصيّة القذّافي، وتملّك جنون العظمة منه. القذّافي الذي ترك أثرًا بالغًا في حياة الشعب الليبي، وجعله يدفع مقابله أثمانًا باهظة: ماديّة، من خلال العقوبات المفروضة عليه والمتعلّقة بملف لوكربي؛ ومعنويًّة، من خلال القمع والاضطهاد والتسلّط والتعدي الفاضح على الحرمات.

يكشف البطران في الخاتمة أنّ نهايات الطغاة تؤثّر فيه وتدفعه للكتابة عنهم، وعن لحظاتهم الأخيرة، وعمّا أحدثوه في شعوبهم" (ص 293) ويخلص إلى أنّ الشعب كان السبب في طغيان الحكّام واستبدادهم به، فدفعوا فاتورة ظلم الحكّام كلّها..." (ص 294).

ختامًا، يعتبر البطران أنّ ما قام به القذّافي "هو نفس ما صنعه جمال عبد الناصر والسادات ومبارك ومرسي: تغليب فكرة الولاء على فكرة الكفاءة." ويتابع: "إنّنا لا نعرف حكومات التكنوقراط التي تدير البلاد طبقًا لخطط ممنهَجَة لا علاقة لها بالسياسة"! (ص 296) ما يؤكّد أنّ مشكلتنا في هذا المحيط العربي واحدة: الولاء على حساب الكفاءة.

في سرده لحياة القذّافي وتاريخه، أظهرَ البطران أنّ القذّافي شخصيّة تاريخيّة أسطوريّة، تندرج تفاصيل حياته ضمن اللامألوف، لحاكم يفرض على الشعب الولاء له كأنّه إله! ما يجعله يبدو شخصيّة خياليّة في نظر الأجيال القادمة، مع أنّه كان جزءًا من واقع الشعب الليبي الذي خضع لسلّطه على مدى 42 سنة.

________________________________________

[1] - حمدي البطران، صدام حسين أفراح ونكبات، صادر عن دار غراب للنشر، ط 1 2019.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم