الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ماذا يعني أن يكون الحبّ أو المحبّة على جدول الإنتفاضة اللبنانية؟

غسان صليبي
ماذا يعني أن يكون الحبّ أو المحبّة على جدول الإنتفاضة اللبنانية؟
ماذا يعني أن يكون الحبّ أو المحبّة على جدول الإنتفاضة اللبنانية؟
A+ A-

ليس الحب او المحبة على جدول أعمال الإنتفاضة اللبنانية ولم يكن على جدول أعمال الإنتفاضات العربية، ولا أعتقد أن إحدى الإنتفاضات في العالم قد وضعته في صلب برنامجها .

مناسبة الكلام عن المحبة هنا، هو بسبب تحوّلها الى موضوع تهكّم على أيدي بعض المنتفضين وغير المنتفضين الذين علّقوا على بعض التحركات الأخيرة التي رفعت لواء المحبة والسلام بين الأهل والمناطق أو التي تنظّم من اجل تأمين مساعدات للأفراد أو للعائلات الذين يعانون صعوبات معيشية حادة.

خلفية "التهكّم" المباشرة ان الإنتفاضة بغنى اليوم عن هذه "العواطف"، فهي أحوج الى ما "يقوي قلبها" ويسمح لها بمواجهة الخصوم الذين لا قلب لهم. لكن هذه الخلفية المباشرة تخفي وراءها موقفًا أكثر تجذّرًا يفصل عادةً بين المحبة والصراعات الإجتماعيّة السياسيّة.

عندما كنت شابًّا مثل معظم المنتفضين اليوم، وكنت على عتبة اختيار موضوع أطروحتي في العلوم الإجتماعيّة، تجاذبي اتجاهان قويان: اتجاه يريدني ان أبحث في الحب بشكل عام، واتجاه يريدني ان أبحث في نزاعات العمل والعمل النقابي.

الجامع بين الإثنين انني كنت أفتّش كشابّ مثالي حالم، عن الطريق الذي يوصل الى "إنقاذ البشريّة" من مصائبها: فهل هو الحب أو الصراع الإجتماعي السياسي؟

بدأتُ فعليًّا بدراسة الحب، لكن الحياة المهنية أبعدتني عن الموضوع بعدما جرى إختياري كباحث إجتماعي في مكتب دراسات الإتحاد العمالي العام الذي أنشئ سنة 1983 لمواجهة الصعوبات الكثيرة التي كانت تواجه الحركة النقابيّة اللبنانيّة أبان الحرب.

لم أعد أبحث في الحب لكني بقيت أبحث عنه على الدوام. وأعتقد انني ترجمت عمليًّا هذا البحث الدائم، حين حاولت في عملي النقابي ان امزج بين البحث والتدريب. فالتدريب عملية تواصل مع الآخرين تمرّ حكما بقبول الآخر والتعاطف معه. والتدريب لا يطال فقط المعارف والمهارات بل عليه ان يتوجّه الى الأحاسيس والمواقف فهي التي تساعد أو تعوق تنمية المعارف والمهارات. وحيث ان أساس العمل النقابي هو التضامن العمالي، لا يمكن تصوّر هذا التضامن من دون شدّ أواصر اللحمة بين العمال غبر تحسين العلاقات بينهم.

العلاقة بين الحب والنضال الإجتماعي السياسي، لم تكن دائمًا علاقة حب بل كانت أقرب الى العداوة في بدايات الثورات ذات النزعة الماركسيّة. من الأمثلة الفاقعة في هذا الموضوع، اضطهاد الحزب الشيوعي الألماني لعالم النفس الالماني الماركسي ويلهام رايش، لترويجه لأهمية الحب والعلاقات الجنسية في عملية تحرر العمال ونضالهم ضد النظام الرأسمالي. وقد وصفت افكار رايش بكونها تعبيرًا عن نزعة بورجوازية. كذلك كانت المواقف تجاه الشعر والغزل اللذين اعتبرا في حينه أيضًا تعبيرات بورجوازية.

في كتابه "عشرة أيام هزّت العالم" عن الثورة الروسية، الذي تحوّل الى فيلم سينمائي، تطرّق جون ريد الى ظواهر هذه العدائيّة.

الموضوع يحتاج الى مساحة أكبر للدخول في تفاصيله ومناقشته بطريقة موضوعية. أريد ان أخاطر وأختصر الموضوع على الشكل الآتي: الإتجاه الثوري يحمل نزعتين متلازمتين: من ناحية، رفض وعداء للظالمين، ومن ناحية ثانية تضامن وتعاطف مع المظلومين. العلاقة بين الحب والصراع الإجتماعي السياسي تعتمد على القدرة على التوفيق بين هاتين النزعتين.

بالنسبة إلى دوافع الثورة أو الإنتفاضة، يصبح السؤال الجوهري في هذا السياق هو الآتي: لماذا نثور أو ننتفض، أكرهًا بالظالمين أم حبًّا بالمظلومين؟ السؤال الملازم لهذا السؤال الأول هو: هل الهدف الاسمى للثورة أو للإنتفاضة هو إطاحة الظالم أو جعل المظلومين أكثر سعادةً وحبًّا لبعضهم، لعملهم وللحياة؟

السؤال الأخير يأخذ طابعًا مأسويًّا على المستوى الأخلاقي في منطقتنا وفي لبنان، حيث يجري التعاطف مع المظلومين أو عدمه، بحسب طبيعة الموقف السياسي أو المذهبي من الظالمين. ففي حين هناك إجماع على ضرورة مواجهة ظلم إسرائيل للفلسطينيين، يدور جدال عقيم حول صوابيّة مواجهة الأنظمة العربية المستبدّة، يترافق مع لامبالاة معيبة حيال معاناة المظلومين.

لم تطرح هذه الإشكاليات بحدّة في إطار الإنتفاضة اللبنانية إلاّ عند الذين يرون ان تقديس الزعيم أهمّ من آلام المظلومين.

أما في أوساط المنتفضين، فقد اختلط الغضب من السلطة بالفرح والتعاون بين الناس، منذ بدايات الإنتفاضة حتى اليوم. أي ان الخصومة مع السلطة ترافقت دائمًا مع المحبة بين المتضررين من سياساتها.

وقد كان للإنقسامات المذهبيّة والطائفيّة، التي أججتها بعض أجنحة السلطة في الآونة الأخيرة، وكذلك للخوف من العودة الى الحرب الأهلية التي سعت الى تسعيره الممارسات العنيفة للإنتفاضة المضادة، كان لها جميعها أثرها الكبير أيضًا، في تركيز الإنتفاضة على السلام والتعاطف والمحبة بين الناس.

من المتوقع إن تكبر الحاجة الى مشاعر التضامن والمحبة في ظل تسارع الإنهيار الإقتصادي والمعيشي وإستحالة وقفه في وقت قصير نظرًا لممانعة السلطة الحاكمة اللجوء الى تدابير حازمة وجديّة تطالب بها الإنتفاضة.

ستحتاج الإنتفاضة الى الكثير من الحب والمواجهة لإستعادة كرامة اللبنانيين في وطنهم. الأهمّ في كل ذلك، ألاّ يتوقف المنتفضون عن التفاعل مع الإنتفاضة بحب، على رغم صعوباتها وحاجتها الى وقت غير قصير لتحقيق اهم اهدافها.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم