الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل يخاطر "الناتو" بوجوده إذا واصل توسّعه؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
هل يخاطر "الناتو" بوجوده إذا واصل توسّعه؟
هل يخاطر "الناتو" بوجوده إذا واصل توسّعه؟
A+ A-

الانزلاق التدريجي نحو الصدام

برزت أسباب أخرى دفعت الرؤساء الأميركيّين إلى تعزيز الحلف. الرئيس الأسبق بيل كلينتون فضّل توسيع المظلّة الأمنيّة إلى الشرق وترسيخ المكاسب الديموقراطيّة في الدول التي انتمت سابقاً للاتّحاد السوفياتيّ. كما هدف إلى القضاء على المشاعر الانعزاليّة وفقاً لما ذكره المسؤول السابق في إدارته رونالد أسموس في كتابه "فتح باب الناتو". وأراد أيضاً أن تشهد أوروبا الشرقيّة في عهده ما شهدته أوروبا الغربيّة من تطوّر في عهد ترومان. واستقى كلينتون "واحداً من أعظم دروس القرن العشرين" وهو ضرورة بقاء الولايات المتّحدة وأوروبا متعاضدتين. لكنّ كلينتون أراد فعل ذلك بالتوازي مع دعم الديموقراطيّة في روسيا.

في ذلك الوقت، كان هنالك رهان أميركيّ على قدرة بوريس يلتسن على زرع الديموقراطيّة في بلاده. لكنّ التشكيك بإمكاناته كان حاضراً أيضاً. سنة 1997، كتب الديبلوماسيّ الأميركيّ ريتشارد هاس في "معهد بروكينغز" عن "غياب اليقين السياسيّ" في روسيا. ومع انتشار الفساد وصراع الأوليغارشيّات لوضع اليد على أموال الدولة، كانت الآمال بالتحوّل الديموقراطيّ المدفوع بالنزاهة والشفافية تتبدّد. خلال ولايتي كلينتون تحديداً تقلّص حجم الاقتصاد الروسيّ حوالي 40%. وفي سنة 1997، واجهت آسيا أزمة ماليّة سرعان ما تمدّدت لتطال روسيا، فعقّدت الانتقال الديموقراطيّ. ومع بروز نجم فلاديمير بوتين في السلطة، كانت العلاقة بين الولايات المتّحدة وروسيا تتّجه ببطء لكن بثبات نحو التصادم. إنّ رؤية بوتين للتوسّع الأطلسيّ شرقاً كتهديد "وجوديّ" لروسيا، دفعه للتدخّل العسكريّ في جورجيا أوّلاً ثمّ في أوكرانيا لاحقاً وهما الدولتان اللتان لا تزالان تطمحان للانضمام إلى الحلف. وكان لافتاً للنظر أيضاً كيف أنّ تدخّل بوتين في جورجيا أتى بعد أشهر على قمّة بوخارست في نيسان 2008، حين وافق الحلف على ضمّ هاتين الدولتين لاحقاً إلى ناديه.

واشنطن والرهان الكبير

لا يحتفل "الناتو" هذه السنة بذكرى مرور سبعين عاماً على تأسيسه فقط، وإن كانت هذه الذكرى هي الطاغية. ثمّة ذكرى أخرى لا تقلّ أهميّة عن الأولى وإن لم تكن تحظى بالمقدار نفسه من الأضواء الإعلاميّة. تشكّل سنة 2019 الذكرى العشرين لانضمام بولونيا والمجر وتشيكيا إلى الحلف، وهي الدول الأولى من خلف الستار الحديديّ التي اكتسبت عضويّته سنة 1999. خطوة رمزيّة بالغة الدلالة تحقّقت قبل أشهر على تولّي بوتين الرئاسة الروسيّة.

بناء على هذه الأحداث وتطوّراتها اللاحقة، بما فيها ضمّ القرم واستمرار الحرب في شرق أوكرانيا، يستمرّ النقاش الحادّ حول ما إذا كانت واشنطن قد فشلت في رهاناتها على توسيع الحلف، بما أنّ روسيا أصبحت أكثر "عدوانيّة". لكنّ البراهين تُبنى على الزاوية التي ينطلق منها النقاش أو الأسئلة تحديداً. هل جعل توسيع "الناتو" سلوك موسكو "عدوانيّاً"؟ أم أنّ السلوك الروسيّ كان سيتحوّل مع بوتين إلى "مزعزع للاستقرار" عاجلاً أم آجلاً، مع أو بدون توسيع الحلف؟ قد يدمج الجواب كلتا الفرضيّتين. فمن المنطقيّ توقّع أن يعمد بوتين الذي اعتبر سنة 2005 سقوط الاتّحاد السوفياتي "أكبر كارثة في القرن العشرين" إلى استرداد موقع موسكو السابق مع إعادة مدّ نفوذها في الفضاء السوفياتيّ السابق. ربّما سرّع توسّع الناتو صوب الشرق هذا التوجّه. وعلى الرغم من ذلك، كان للتدخّل الروسيّ العسكريّ في أوروبا الشرقيّة حدود واضحة يعتبر البعض أنّ الناتو هو الذي رسمها.

خدمة

في أيّار، انتقد الكاتب السياسيّ في صحيفة "بوسطن غلوب" جيف جاكوبي من وقفوا ضدّ توسيع الحلف ومن بينهم الباحث في معهد "كايتو" تيد كاربنتر الذي وصف الخطوة بأنّها "تهدّد بتسميم علاقات موسكو مع الغرب". رأى جاكوبي أنّ هذه "حقيقة مقلوبة رأساً على عقب" لأنّ "الناتو لم يهدّد روسيا قط. لقد كان تهديد الاعتداء الروسيّ هو الذي أدّى بدولها السابقة إلى أذرع الحلف". وأشار أيضاً إلى أنّ بوتين هاجم فقط الدول التي لا تنتمي للمنظّمة وهذا يدلّ على نجاح قوّة "الناتو" الردعيّة، مشدّداً على أنّ "ناتو أكبر كان ناتو أفضل".



يذهب بعض المراقبين أبعد من ذلك. بالنسبة إلى الملحق الدفاعيّ الأميركيّ البارز في موسكو (2012-2014) العميد المتقاعد بيتر زواك، يخدم "الناتو" روسيا عبر جعل أوروبا أكثر استقراراً على حدودها. لكن على الرغم من أنّ بعض الروس لا يوافقونه هذا الرأي مطلقاً، فهم يبدون مسرورين بالتوسّع المستمرّ لهذا الحلف.

تفرّج

لا يأتي هذا التوسّع من دون كلفة. فغالباً ما يثير المنتقدون الغربيّون لهذا التوسّع هواجس مرتبطة بتوازن "الكلفة/المنفعة" عند إبقاء أبواب الحلف مفتوحة أمام انضمام دول جديدة. إنّ انضمام دول صغيرة الحجم إلى الحلف يمكن أن ترفع نسبة تدخّل الدول الكبيرة وخصوصاً الولايات المتّحدة للدفاع عنها في حال تعرّضها للهجوم، من دون أن تقدّم تلك الدول مكاسب استراتيجيّة للحلف أو لواشنطن خصوصاً. لهذا السبب، لا ينزعج بعض الروس من مراقبة توسّع الحلف لأنّ استمراره على المسار نفسه لا يبشّر بالخير بالنسبة إلى مستقبله.

المدير العام ل "المجلس الروسيّ للعلاقات الخارجيّة" أندريه كورتونوف كتب أنّ من بين الطرق لإيقاف حلف شمال الأطلسيّ هو "مراقبة التوسّع اللامسؤول للناتو بتجرّد حتى تنهار المنظّمة تحت ثقلها الخاص". ومع ذلك، لا يفاضل كورتونوف بين عالم بوجود الناتو وآخر بغيابه. هو يعترف بأنّ العودة إلى الماضي "مستحيلة" و "غير مرغوب بها" أيضاً بما أنّ عالم الماضي لم يكن يوماً "مثاليّاً للمستقبل". الهدف وفقاً لرأيه هو استبدال النظام الأمنيّ الموروث من حقبة الحرب الباردة بنظام جديد يتفوّق على سلفه بالانفتاح والفاعليّة والموثوقيّة.


مقاربة المكاسب ليست نفسها

ليس واضحاً ما إذا كان الرهان على انهيار الحلف الأطلسيّ في مكانه فقط لأنّه قد لا يكون قادراً على تحمّل أعباء ضمّ مزيد من الدول غير البارزة عسكريّاً. فحتى المكاسب لا ينظر إليها المراقبون من الزاوية نفسها. بالنسبة إلى الكاتب السياسيّ مايك سويني في موقع "وور أون ذا روكس"، أيسلندا هي دولة صغيرة من حيث القدرات العسكريّة. لكنّها مهمّة من حيث موقعها الجغرافيّ واستضافتها للقواعد العسكريّة التي تؤمّن حماية الإمدادات في شمال المحيط الأطلسيّ. وتساءل: "إذا كان القبول بمونتينيغرو ومقدونيا الشماليّة يردع نزاعاً آخر مع صربيا، ألا ‘يساهم‘ ذلك في الأمن؟"

لا يختلف المحلّلون حول مواجهة الناتو تحدّيات كثيرة في عيده السبعين، الداخليّة منها والخارجيّة على وجه التحديد. طيلة عقدين من الزمن على الأقلّ، فشل الحلف والروس في تبادل وجهات النظر حول الهواجس التي تشغل صنّاع القرارات لدى كلا الطرفين. لذلك، من المتوقّع أن يستمرّ التوتّر بينهما في السنوات المقبلة. مع أو بدون توسيع الحلف.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم