الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

في ذكرى تأسيسه السبعين... شرخٌ ثلاثيّ في حلف الأطلسيّ؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
في ذكرى تأسيسه السبعين... شرخٌ ثلاثيّ في حلف الأطلسيّ؟
في ذكرى تأسيسه السبعين... شرخٌ ثلاثيّ في حلف الأطلسيّ؟
A+ A-

بعد اجتماع مع ترامب أمس، قال الرئيس الفرنسيّ إيمّانويل ماكرون: "عندما أنظر إلى تركيا أرى أنها الآن تقاتل ضدّ من قاتلوا معنا" قاصداً بذلك أنّها تحارب المقاتلين الأكراد الذين يشكّلون القسم الأكبر من "قوّات سوريا الديموقراطيّة". واتّهم تركيا بأنّها "تعمل أحياناً مع مقاتلين على صلة بداعش." قلّة كانت تتوقّع وصول الحلف إلى حالة تشهد تبادل الاتّهامات بين أعضائه بدعم الإرهاب. وجّهت تركيا أيضاً اتّهاماً كهذا إلى فرنسا بسبب دعمها المقاتلين الأكراد.

انضمّت تركيا إلى الحلف في شباط 1952 بعدما كانت أوّل من يشارك في الحرب الكوريّة إلى جانب الولايات المتّحدة. بالمقابل، غادرت فرنسا القيادة المشتركة للناتو سنة 1966 بقرار من الرئيس الأسبق شارل ديغول. وعلى الرغم من أنّها بقيت سياسيّاً في الحلف، شكّل خروجها صدمة بالنسبة إلى الحلفاء الأطلسيين. تتقاطع التحليلات حول سبب الخطوة عند رغبة الرئيس الأسبق بإيجاد موقع مستقلّ لفرنسا في ظلّ الصراع الأميركيّ-السوفياتيّ. ولم تعد فرنسا إلى القيادة المشتركة إلّا في عهد نيكولا ساركوزي سنة 2009.


كتاب ديغول

اليوم، في خضمّ التوتّر الفرنسيّ-التركيّ خصوصاً، يبدو أنّ ماكرون يقرأ من كتاب ديغول في النظرة إلى دور باريس على الساحة الدوليّة. قد لا يكون الرئيس الفرنسيّ الحاليّ في وارد استنساخ خطوة ديغول بحرفيّتها، لكنّ تحرّكاته وتصريحاته لا تقلّ شأناً على المستوى الاستراتيجيّ.

لغاية اليوم، لا تزال توصيفاته عن "الموت الدماغيّ" للناتو يتردّد صداها السلبيّ في أوروبا. ألمانيا رأت أنّ كلامه "غير ضروريّ" و "غير مناسب" بينما انتقده إردوغان بشدّة الأسبوع الماضي داعياً إيّاه إلى "فحص دماغه الميت"، وإن كان الغضب التركيّ متعلّقاً بالخلاف حول سوريا لا حول التوجّه الاستراتيجيّ للحلف بشكل عام.

علّق ترامب على كلام ماكرون واصفاً إيّاه بأنّه "خطير وغير جدير بالاحترام"، مشيراً إلى أنّ فرنسا هي الأكثر احتياجاً للناتو. وأعلن ماكرون يوم الخميس الماضي أنّ تصريحه كان بمثابة دعوة لأعضاء الحلف من أجل النهوض وأنّه "سعيد جداً" بالنتيجة. أمّا أمس الثلاثاء، وبعد اللقاء بين الرئيسين الأميركيّ والفرنسيّ أعلن ترامب أنّ الخلافات مع فرنسا "بسيطة". لكنّ جذور هذه المشكلة قد تجعل التوصيف تفاؤليّاً. قبيل اجتماع الرئيسين على هامش الناتو، حذّرت فرنسا من ردّ أوروبّيّ قويّ على الولايات المتّحدة إذا فرضت رسوماً جمركيّة على منتجات فرنسيّة. أتى ذلك عقب فرض باريس ضرائب جديدة على شركات تكنولوجيّة رقميّة أميركيّة بارزة.

خلال اللقاء، قال ترامب إنّ بلاده "خسرت الكثير من الأموال لسنوات عدّة مع الاتّحاد الأوروبي" بلغت 150 مليار دولار سنويّاً وفقاً لتعبيره. وأضاف: "يمكننا عقد صفقة أو اتّباع نهج قاسٍ" لكّنه أشار إلى أنّه "متأكّد من أنّنا قادرون على التوصّل إلى حلّ ما". وفي ظلّ ملامح "حرب تجاريّة" محتملة بين الولايات المتّحدة وفرنسا – ومن خلفها الاتّحاد الأوروبّيّ – قد يكون ماكرون في إطار توسيع هامش المناورة التي تتمتّع بها بلاده داخل الحلف.

لم يبقَ حديث الرئيس الفرنسيّ في تشرين الثاني 2018 عن إنشاء جيش أوروبيّ خاص لمواجهة روسيا والصين "وحتى الولايات المتّحدة"، حبراً على ورق. ففي 26 تشرين الثاني وقّع وزراء خارجيّة الاتّحاد على 13 مشروعاً دفاعيّاً ضمن "اتّفاقيّة التعاون الهيكليّ الدائم" وقد قادت فرنسا عشرة مشاريع منها وفقاً للكاتب السياسيّ آندي لو. أشار الأخير إلى أنّ أفكاراً برزت في فترة ما بعد الحرب العالميّة الثانية حول قوّة أوروبّيّة دفاعيّة لمواجهة التمدّد السوفياتيّ، لكنّ ديغول رفضها خوفاً على السيادة الفرنسيّة وإعادة تسليح ألمانيا. وكتب في "ناشونال إنترست" أنّ تحرّكات فرنسا اليوم متناسقة مع السياسات الديغوليّة وأنّ إنشاءه جيشاً عابراً للأوطان من شأنه أن يجعل الحلف الأطلسيّ منتهياً.

هل يسلك ماكرون هذا المسار؟ وهل حديثه عن "فقدان التعاون مع تركيا بشأن الأمن والتجارة والهجرة والاتّحاد الأوروبّيّ وفرنسا" وانتقاده عمل أنقرة مع موسكو تصريحان يعزّزان مناخاً كهذا مخيّماً فوق الإليزيه؟


"مرونة"

ربّما كانت فرنسا الدولة الثانية التي تثار حولها هذه الأسئلة مؤخّراً بعد تركيا. علماً أنّ التوجّهات التركيّة صوب "الشرق" بدأت قبل اندلاع الأزمة السوريّة، حين أجرت أنقرة، مناورات مشتركة مع الجيش السوريّ سنة 2009 وكانت أوّل دولة أطلسيّة تجري هذه التدريبات مع سوريا. وبمرور الوقت، يبدو أنّ الشرخ التركيّ مع الدول الأعضاء في الحلف يزداد توسّعاً. فالخلافات المستمرة والمناوشات العسكريّة المتقطّعة مع اليونان (أنقرة وأثينا دخلتا الحلف في السنة نفسها) وتهديد الأوروبّيّين بفتح البوّابات أمام اللاجئين تجعل علاقة أنقرة مع حلفائها مضطربة. ولم تتوقّف الأزمة عند شراء "أس-400" من روسيا بل أضيف إليها تهديد إردوغان بعرقلة خطّة الناتو للدفاع عن دول البلطيق في حال لم يتمّ تصنيف وحدات حماية الشعب الكرديّة على أنّها جماعة "إرهابيّة".

من جهته، تحدّث ترامب أمس عن بحث واشنطن فرض عقوبات على تركيا، لكنّه مجدّداً ألقى اللوم على سلفه باراك أوباما لأنّه امتنع عن بيعها صواريخ "باتريوت". أمّا بعد الاجتماع اليوم مع إردغان، فغرّد المتحدّث باسم الرئاسة التركيّة أنّ الاجتماع كان "مثمراً جداً" بينما ذكر البيت الأبيض أنّ اللقاء تناول خصوصاً "أهمّيّة أن تلبّي تركيا التزاماتها تجاه الحلف".

تحدّث ترامب عن "إعجابه بالناتو لأنّه أصبح أكثر مرونة". على الأرجح، قصد الرئيس الأميركيّ الجانب المادّيّ من "المرونة" والذي دفع الدول الأطلسيّة إلى زيادة 130 مليار دولار إلى ميزانيّة الدفاع منذ 2016 و 400 مليار دولار في 2024، بحسب توقّع أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ. وعلى الرغم من إشادة الأخير بسياسات ترامب في مجال الإنفاق الدفاعيّ للحلف الأطلسيّ، لا تزال الجوانب الأخرى المرتبطة بتصدّع الثقة وتناقض المسارات واختلاف السياسات الخارجيّة بين دوله بحاجة لمعالجة قبل توسّع الشقاق. فهل من يأخذ المبادرة؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم