السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

حالات الانتحار في مصر: تعاطُف مجتمعي وجدل دينيّ وصرخات شبابية لا تتوقف

المصدر: "النهار"
القاهرة- ياسر خليل
حالات الانتحار في مصر: تعاطُف مجتمعي وجدل دينيّ وصرخات شبابية لا تتوقف
حالات الانتحار في مصر: تعاطُف مجتمعي وجدل دينيّ وصرخات شبابية لا تتوقف
A+ A-

وبينما يتجاذب التعاطف والجدل الديني المصريين، تبدو نسبة غير قليلة من حالات الانتحار كصرخات يطلقها الشباب في وجه مجتمعه لأسباب عدّة، منها التنمّر والإفراط في الحكم على الآخر وقولبته في صفة واحدة، وتضييق مساحة الحرية الشخصية بما يجعل ذلك المجتمع الكبير جاثماً على صدر أفراده، وساحقاً حرياتهم وحقوقهم الفردية.

الانتحار في مصر

وتكشف آخر إحصائيات منشورة بموقع منظمة الصحة العالمية أنّ الفئات العمرية من 15-34 عاما هي الأكثر انتحاراً، حيث بلغت نسبة تلك الحالات قرابة 65% من إجمالي من انتحروا على مدار العام 2014، والذي شهد انتحار 88 شخصاً من بين كل 100 ألف مواطن، أي ما يناهز 8800 شخص من المصريين الذين يبلغ تعدادهم قرابة 100 مليون نسمة.

ويشكّل الذكور النسبة الأعلى من المنتحرين حيث بلغت قرابة 80% من المنتحرين، بواقع 71 شخصا من كل 100 ألف، فيما بلغ معدل انتحار النساء 17 من كل 100 ألف نسمة.

وتشير الأرقام الرسمية إلى معدلات أقل بكثير، قد تصل إلى ما يناهز 50% مما ذكرته منظمة الصحة العالمية في تقريرها الأخير الصادر عام 2017.

لكن مصادر طبية أكدت لـ"النهار" أنّ السبب في هذا التفاوت يعود إلى نزوع العديد من المستشفيات والأطباء إلى تسجيل حالات الانتحار في اعتبارها وفاة عادية، على الرغم من أنّ الإجراءات القانونية تأخذ مجراها الطبيعي ويتم التحقيق في ما إذا كانت هناك شبهة جنائية.

مرض عضوي

يقول الدكتور جمال فيرويز استشاري الطب النفسي لـ"النهار"، "إن الاكتئاب مرض عضوي مثل أي مرض آخر عضوي آخر، وله متخصصون، ولا علاقة للمؤسسة الدينية بالتحدّث عنه، وأنا طبيب نفسي ليس من دوري التحدث إلى المنتحر، ولكن هذا دور منوط بالمستشفيات المتخصصة، التي يجب أن تخضع المريض لجلستي كهرباء، ثم يتم الاتصال بالمجلس القومي للصحة النفسية، وإبلاغه بحالة هذا المريض، ويجب أن يصاحبه ممرض كظله كي لا ينتحر".

ويرى الأستاذ الجامعي أنّ "الظروف الاقتصادية ليست سبباً في حالات الانتحار كما يروج البعض. واتجاه البعض للانتحار في أماكن عامة تتسلط عليها الأضواء (كبرج القاهرة، أو خطوط المترو، أو بعض الجسور النهرية)، يعد بمثابة رسالة يريد المنتحر أن يوجهها لشخص ما، أو لجهة ما، أو لاستعراض إعلامي ينشده".

"ويكون اختيار المكان في بعض الأحيان بسبب ارتباطه بذكريات لدى المنتحر، وقد تكون هذه الذكريات إيجابية أو سلبية، وقد يكون الهدف هو توجيه رسالة لشخص كان تجمعه به ذكريات في هذا المكان، ولكن أيضا قد يكون اختيار ذلك المكان غير مقصود"، يقول فرويز.

ويضيف: "لو لاحظنا في مقطع فيديو الانتحار كان الشاب متردداً، وأرجح أنه لم يكن يخطط للانتحار، فقد تقدّم ثم تراجع ثم اتخذ قراره بالانتحار، فقد وجدها فرصة للتخلص من حياته، لهذا لا يجب أن نعطي الشخص المصاب بالاكتئاب أي فرصة للتخلص من حياته، ويجب أن نكون قريبين منه بما يكفي لمنع أي محاولة للانتحار".

جدل ديني

وفور تداول خبر انتحار الشاب الذي يدعى نادر محمد، وهو خريج حديث في كلية الهندسة، بإلقاء نفسه من فوق برج القاهرة الذي يبلغ طوله 187 متراً، سارعت وسائل الإعلام المحلية باستطلاع آراء رجال الدين حول حكم المنتحر شرعا، كما نشرت بعض المؤسسات الدينية الرسمية فتاواها.

وعلى الرغم من أن فتاوى المؤسسات الدينية جاءت مغايراً لما هو سائد بأنّ "المنتحر كافر ويعذب في النار خالدا فيها"، إلا أنها حافظت على تحميل المنتحر ذنب انتحاره، الذي يؤكد علماء النفس أنه ناتج عن مرض خارج عن سيطرته تماما، ويحتاج لعلاج عضوي ونفسي من علماء متخصصين.

وأصدر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، مساء أمس، بيانا قال فيه: "إن المقدم على هذه الجريمة ظالم لنفسه، مهما حاول أن يلقي باللائمة على الظروف المعيشية والحياتية، فهذا ليس مبررا للانتحار"، مشدداً على أنّ "قتل النفس من أكبر الكبائر فهي إزهاق للروح التي حباك الله إياها، وعدم صبر على اختبار الله سبحانه وتعالى".

وأضاف: "اتفقت الأمة -بل سائر الملل- على أنّ الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس (الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل) وعلمها عند الأمة كالضروري، ولم يثبت لنا ذلك بدليل معين، ولا شهد لنا أصل معين يمتاز برجوعها إليه، بل علمت ملاءمتها للشريعة بمجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد، ولو استندت إلى شيء معين لوجب عادة تعيينه".

وهاجمت دار الإفتاء المصرية حالة التعاطف التي أبداها قطاع كبير من المصريين مع الشاب الذي أكد مقربون منه دخوله في حالة اكتئاب شديد قبل إقدامه على الانتحار.

وقالت الدار على صفحتها الرسمية في "فايسبوك": "لا ينبغي التقليل من ذنب هذا الجرم، وكذلك عدم إيجاد مبررات وخلق حالة من التعاطف مع هذا الأمر، وإنما التعامل معه على أنه مرض نفسي يمكن علاجه من خلال المتخصصين".

تعاطف مجتمعي

وفور ظهور مقطع الفيديو الذي تم تسريبه من كاميرات المراقبة بالبرج، تأججت مشاعر التعاطف الشديد مع الشاب، وتم تداول المقطع على نطاق واسع مما حدا بالسلطات الرسمية إلى فتح تحقيقات في ملابسات تسريب الفيديو، ونشرت وسائل إعلام مصرية تحذيرات بأن من ينشره يتعرض لعقوبات قانونية وغرامات مالية.

وهاجم مدونون ومواطنون حكم تكفير المنتحر الذي انتشر على نطاق واسع في مصر، مع تزايد تأثير التيار السلفي خلال العقود الماضية، واعتبر بعضهم أن من يقول بكفر من دفعته ظروف مرضه إلى الانتحار "هو الكافر" وليس المنتحر. ويشر وصف "كافر" هنا إلى انعدام الرحمة لديه، حيث ربطت الدعوة السلفية واسعة الانتشار في مصر، بين "الكفر" وانعدام الرحمة والطغيان والعديد من السمات المذمومة، و"الكافر" من وجهة نظرهم هو غير مسلم.

وتقول مريم درويش، إحدى مستخدمات موقع "فايسبوك" على صفحتها: "بداية، أقول لمن يعتبرون الشاب خريج كلية الهندسة كافرا، ولا يجوز الترحم عليه، لا بد أن نفهم أنه لا يوجد في الدين ما يقول إن الانتحار كفر، وإنما هو كبيرة من الكبائر، وربنا إذا شاء عذب المنتحر، وإذا شاء غفر له ذنبه، وتاليا، يجوز الترحم على هذا الشاب، ومعاملته معاملة المسلمين عينها من حيث الدفن والصلاة عليه".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم