الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"أحد الوضوح" لم يكن بهذا الوضوح

غسان صليبي
"أحد الوضوح" لم يكن بهذا الوضوح
"أحد الوضوح" لم يكن بهذا الوضوح
A+ A-

تبدو الانتفاضة مرتبكة بين متابعة الضغط من أجل حكومة انتقالية مستقلة، وبين الردّ على من يضغط عليها.

لقد تلاحقت ضغوط الانتفاضة المضادة: عنف على المتظاهرين بلباس مذهبي يهدّد بالحرب الأهلية، تضييّق المصارف على سحوبات المودعين، رفض المحطات تسليم الوقود، واستدعاء ناشطين أمام مكتب جرائم المعلوماتية.

هذه الضغوط استدعت ردًّا من الانتفاضة، ليس فقط دفاعًا عن المنتفضين، بل أيضًا حفاظًا على قدرتها على الاستمرار وتحقيق مطالبها الأساسيّة وفي مقدمها اليوم، حكومة انتقالية مستقلة تعالج الأزمة المالية والاقتصادية، وتعدّ لانتخابات نيابية مبكرة.

تلكؤ رئيس الجمهورية عن تلبية مطلب الانتفاضة من خلال عدم الدعوة إلى استشارات نيابية، مضافًا إليه تصريح النائب في كتلة "حزب الله" محمد رعد أن لا حلّ إلاّ بحكومة وحدة وطنية بحسب اتفاق الطائف، يؤشر بوضوح إلى أن السلطة مصممة على عدم تلبية هذا المطلب الرئيسي للانتفاضة. لا بل، وكما لمّح السيد رعد، يجب أن نتوقّع ضغوطاً في اتجاه رئيس الحكومة المستقيل لتفعيل حكومة تصريف الأعمال. هذا يعني عمليًّا، إدخال البلد مجدّدًا في أتون الصراع بين 8 و 14 آذار وقطع الطرق على وجهة الانتفاضة.

"أحد الوضوح" الذي نظّمه المنتفضون منذ يومين لم يكن بهذا الوضوح، وخصوصاً في ما يتعلّق بوجهة الضغط التي يجب أن تسلكها الانتفاضة في ظلّ تشتت المجهودات وتلمّس بعض الوهن والارتباك في صفوف المنتفضين. أعاد "أحد الوضوح" التذكير بالمطالب العامة التي تكررت، على لسان المنتفضين: علمانية، حرية، عدالة إجتماعية، حماية المجتمع لا حيتان المال، وحدة الساحات ورفض التسلق، الفرق بين الثورة وبين راكبيها، دولاركم بأمان وليرتنا بخطر، وغيرها من المطالب، وطبعاً: حكومة انتقالية من خارج أحزاب السلطة.

جميع هذه المطالب مهمة ومحقة ويكمل بعضها بعضاً، لكني اعتقد أنه علينا كمنتفضين التنبّه إلى ثلاثة أمور على الأقل:

الأمر الأول: علينا التمييز بين المسببات الكثيرة للأزمة - المالية والاقتصادية والسياسية والقانونية والخارجية – والمسؤولية السياسية عن حلّها. وإذا كان للضغط أن يتوجه في بعض الأحيان إلى هذه المسببات منفردة - كمصرف لبنان والمصارف والقضاء والخارجية والمؤسسات الفاسدة – إلا أنه يجب أن يبقى مركّزًا على المسؤولين السياسيين الذين بيدهم تحقيق المطلب الرئيسي المرحلي الذي هو اليوم تأليف حكومة انتقالية مستقلة، مع العلم أن تشتت الضغط يسعد كثيرًا المسؤولين المعنيين، وليس مصادفة أن "تنصح" مصادرهم بالتركيز على الفساد ومواقعه، وذلك بغية إبعاد الضغط عنهم.

الأمر الثاني: إن حراك 2015 وما تبعه من تحركات متفرقة، تجاهلت كثيرًا ضرورة الضغط على المسؤولين المطلوب منهم تحقيق المطالب، وبالغت في طرح المطالب العامة كإسقاط النظام وتغيير السياسات بالمطلق. حتى إن بعض التحركات التي كانت تجري في ظل فراغ حكومي سبق تأليف الحكومة الحالية، كانت تراكم المطالب وتتناسى أنه لا يمكن تحقيقها بدون سلطة مسؤولة. هذا الإهمال لـ"الآلية الدستورية" كخريطة طريق لتوجيه الضغط الشعبي من أجل تحقيق مطالبه، اتسمت به التحركات السابقة لـ"المجتمع المدني" و"أحزاب المعارضة" المشاركة اليوم في الانتفاضة، وكأنها أصيبت بعدوى السلطة التي امتهنت مخالفة الدستور.

الأمر الثالث: إن السهولة التي يشعر بها المنتفضون في إطلاق شعار "كلن يعني كلن" تقابله صعوبة عندما يتعلق الأمر برفع شعار ضد "واحد منن" تحديدًا. وذلك إما خوفًا من "الشارع المقابل" كما تكرر حصوله على طريق القصر الجمهوري، وإما لأن التركيز على شخص معيّن دون غيره قد يخلق حساسيات في أوساط المنتفضين.

لا بد من تخطّي هذه الاعتبارات الثلاثة. فتأليف الحكومة بحسب الآلية الدستوية يتم عبر ثلاث مراحل: استشارات نيابية ملزمة يجريها رئيس الجمهورية، وتفضي إلى تكليف رئيس للحكومة، تأليف الحكومة، نيل الحكومة الثقة في مجلس النواب. هذا يعني أن الضغط يجب أن يصبّ اليوم في اتجاه رئيس الجمهورية من أجل التكليف، على أن يركّز لاحقًا على الرئيس المكلّف من أجل التأليف، ولاحقًا على مجلس النواب.

اتّباع الآلية الدستورية يعطي شرعية لمسار الانتفاضة ويحصنّها أيضًا معنويًّا وقانونيًّا، إلاّ إذا قررت الانتفاضة أن تتحوّل إلى ثورة كما يسمّيها البعض، عندها تختلف وسائل المواجهة ويكون لنا موقف آخر.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم