السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

هل ينجح المدراء التنفيذيّون في عالم السياسة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
هل ينجح المدراء التنفيذيّون في عالم السياسة؟
هل ينجح المدراء التنفيذيّون في عالم السياسة؟
A+ A-

مهارات أساسيّة

مدير "مركز القيادة وإدارة التغيير" في كلية "وارتون" لإدارة الأعمال التابعة لجامعة بنسلفانيا مايكل يوسيم رأى أنّ بعض مهارات القيادة في عالم الأعمال تُترجَم بشكل جيّد في المجال العام: "إذا اضطلعت بدور بارز في أعمال جوهرية فقد تعلّمت كيف تُحرّك، تحفّز وتوائم عمل العديد من الأشخاص. هذه القدرة هي مهارة مُكتسبة. إنّها ليست أمراً طبيعيّاً للعديد من الأشخاص."

لا تُطرح فكرة تحفيز رؤساء الشركات الناجحين على خوض غمار عالم السياسة فقط بناء على الرغبة بنقل النجاح من القطاع الخاص إلى الفضاء العام. مع بروز "الشعبويّة" التي تغذّت جزئيّاً على الامتعاض من السياسيّين التقليديّين ومن "المؤسّسة" في الغرب، يصبح حافز المدراء التنفيذيّين مضاعفاً بوجود بيئة شعبيّة أكثر قابليّة لتقبّل وجودهم على رأس السلطة السياسيّة. لم يستطع النقّاد دوماً تقبّل قدرة رجال الأعمال على التحوّل سريعاً إلى المجال السياسيّ. لعلّ أبرز تجربة برهنت ذلك بداية كان ترشّح قطب الأعمال دونالد ترامب إلى رئاسة الجمهوريّة الأميركيّة، وقد قوبلت احتمالات فوزه حتى بترشيح حزبه بتشكيك كبير. لكنّ فوزه غيّر الكثير من المشهد.

نائب العميد الأوّل لدراسات القيادة وأستاذ ممارسة التدريب في جامعة "ييل" جيفري سونينفيلد انتقد في مجلّة "فروتشن" الأميركيّة جميع مناهضي تحوّل رؤساء الشركات والأعمال الكبيرة إلى المجال السياسيّ داعياً إيّاهم لبدء الاطلاع على عالم الأعمال. كتب سونينفيلد أنّ بإمكان الرجال الناجحين إظهار الشجاعة والرؤية وقدرة التنفيذ نفسها في المجال العام وهو ما يتطلّبه موقع الرئاسة الأميركيّة. واستطاع هؤلاء تغيير لا شركات وحسب بل صناعات وقطاعات بأكملها. ويتمتّع هؤلاء بحسب الأستاذ الجامعيّ بالقدرة على حسن الإصغاء ودمج المعلومات الجديدة المعقّدة ونشر المفاهيم الجديدة، كما الخضوع للمحاسبة.

مكاسب أخرى

إنّ الكثير ممّا يتعلّمه أصحاب الأعمال والشركات الكبيرة يمكّنهم من تطبيقه في عالم السياسة. لطالما كانت المهارة في التواصل سمة أساسيّة لدى القيادات السياسيّة الناجحة. صحيح أنّ ديبلوماسيّين متخصّصين يقودون مجال التواصل بين الدول للتوصّل إلى الاتّفاقات. لكنّ القدرة على مخاطبة الرؤساء أو صنّاع القرار في الدول الأخرى تجد جذورها أيضاً في قدرة رجال الأعمال على التواصل مع نظرائهم حول دول العالم. يمكّنهم ذلك من تكوين فكرة عن الثقافات الأجنبيّة في التفاوض مع الآخرين. ويعدّ هذا الهدف من أصعب ما يعترض القادة السياسيّين أو الإداريّين في مجالات عملهم.

تقدّم إرين ماير، مديرة برنامج "إدارة الفرق الدولية الافتراضية" في "المعهد الأوروبّيّ لإدارة الأعمال" أمثلة عن هذه الصعوبات حين كتبت أنّ إبداء عدم موافقة الروس على عرض معيّن يعني أنّه دعوة لفتح النقاش حول الموضوع. لكنّه يعني في المكسيك أنّ المفاوضات قد انتهت.

وأضافت في النسخة الفرنسيّة من مجلّة "بيزنس هارفارد ريفيو" (آب-أيلول 2019) أنّ هدوء وسكوت المفاوضين السويديّين معناه أنّ الاتّفاق على المسار الصحيح بينما يعني في دول أخرى أنّه على المسار الخاطئ. وفي إندونيسيا، تفرض العادة على المفاوضين عدم قول "لا" في وجه من يحترمونهم بل على الطرف الآخر فهم فشل الاتّفاق من خلال تعابير الجسد ونبرة الصوت. وتعلّمُ تقنيّة هذه المفاوضات بين الثقافات المختلفة خلال التعامل التجاريّ بين الشركات، يعدّ مهارة مهمّة في مجال التواصل مع الدول الأخرى.

"سيف ذو حدين"


لا تنفي هذه الإيجابيّات وجود عوائق كثيرة تجعل انتقال رؤساء الشركات من المجال الخاص إلى العام محفوفاً بالعثرات. إلى جانب عدم تطابق مفهوم الربح بالضرورة بين القطاعين، يتناول العديد من أصحاب الأعمال الكبيرة تجارب سابقة في حياتهم المهنيّة بنيت على التعلّم من الفشل. لكنّ المسؤوليّات الوطنيّة تضيّق على السياسيّين ترف التعلّم من التجارب الخاطئة لأنّ إخفاقات المدراء التنفيذيّين ترتدّ عليهم وفي الغالب على محيط ضيّق نسبيّاً، بعكس إخفاقات رجال السياسة التي ترتدّ على بلد بأسره. وفي عالم الأعمال والشركات، يرى الروّاد أنّ المخاطرات ضروريّة لتحقيق الأرباح وأنّ من لم يكسب الأموال في حياته هو ذاك الذي لم يقبل بالمخاطرة. لا يعني ذلك أنّ السلطة السياسيّة خالية من المخاطرة أو من استخلاص العِبر من الفشل. لكنّ الرهانات على هذين العنصرين مختلفة كثيراً بين المجالين الخاص والعام - في الحسابات والتداعيات.

أستاذة التواصل في "كلية أنينبرغ للتواصل" التابعة لجامعة بنسلفانيا كاثلين جايميسون تصف مهارة رؤساء الشركات بأنّها "سيف ذو حدّين". وتضيف في حديث إلى قسم المعرفة في كلّيّة "وارتون": "السؤال هو: هل بإمكان تدبّر صورة الفاعليّة في وقت لا تزال تظهر أنّك بشريّ؟" في إشارة إلى أنّ هؤلاء قاموا في كثير من الأحيان بتسريح موظّفين من شركاتهم. وتشير إلى فرق بين حياة رجل أعمال بارز ورئيس حكومة، حيث أنّ الأوّل معزول عن الجمهور لأنّ هنالك اختصاصيّين في الشركات مهمّتهم التفاعل مع الناس. لكن في الحياة العامّة، سيكون عليهم التواصل مع الناخبين. كذلك، يختلف الحديث إلى مجموعة من الناس المتعلّمين الذين يشتركون مع رجال الأعمال في الاهتمام نفسه. فالمدراء التنفيذيّون لا يستطيعون الجزم بأنّ الناخبين لديهم القيم نفسها تجاه الموضوع.


كيف تخدمهم التغيّرات؟

ثمّة تطوّرات كثيرة تناسب المدراء التنفيذيّين وكبار رجال الأعمال اليوم. سنة 1996 و 2000 ترشّح ستيف فوربس، ناشر المجلّة الشهيرة التي تحمل اسمه، إلى الانتخابات الرئاسيّة عن الحزب الجمهوريّ. وعلى الرغم من معرفته الواسعة في الاقتصاد، فشل في التواصل مع ناخبيه، على المستوى الاقتصاديّ نفسه. أستاذة العلوم السياسيّة في جامعة ساوث فلوريدا سوزان ماكمانوس قالت لشبكة "أن بي سي" إنّه تحدّث "بطريقة أكثر تعقيداً بقليل (من سياسيّي اليوم) في محادثاته مع الأشخاص العاديّين". لكنّها أضافت أنّ المدراء التنفيذيّين اليوم أصبحوا يحظون بتغطية إعلاميّة مستمرّة على البرامج التلفزيونية وأنّهم يتلقّون التدريب على يد متخصّصين في مجال العلاقات العامّة.

سيظلّ النقاش حول قدرة المدراء التنفيذيّين على النجاح في السياسة قيد الأخذ والردّ. نجح ترامب في تخفيض نسب البطالة إلى معدّلات قياسيّة في الولايات المتّحدة. بالمقابل، لم يحقّق المدير التنفيذيّ السابق لشركة "إيكسون موبيل" ريكس تيليرسون نجاحاً في إدارة وزارة الخارجيّة على صعيد التنظيم. لكن من شبه المؤكّد أنّ أعداداً أكبر من رجال الأعمال الناجحين تضع نصب عينيها الترشّح لمناصب سياسيّة ورئاسيّة في الولايات المتّحدة، وهذا ما برز سابقاً مع رجل الأعمال السيناتور ميت رومني ومديرة شركة "هيوليت باكارد" كارلي فيورينا، وما برهنه مؤخّراً الملياردير مايكل بلومبيرغ حين قرّر منذ أيّام الترشّح إلى الانتخابات الرئاسيّة.

قبل أكثر من ثلاث سنوات، توقّعت المحلّلة الاقتصاديّة في مجلّة "تايم" رنا فوروهار أن تنشط الشركات في مناصرة القضايا الاجتماعيّة بما أنّ إحصاءات برهنت أنّ ذلك سيعود بالنفع على تلك الشركات لناحية المبيعات وإن بشكل محدود. كذلك، ستجد الأعمال الكبيرة نفسها منخرطة في مجالات كانت حكراً على السلطات السياسيّة. لهذا السبب، ينتقل الكثير من المدراء التنفيذيّين إلى العالم السياسيّ لتنفيذ رؤاهم. فهل تؤكّد الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة هذا التوقّع؟ أم أنّ تنافس أصحاب الملايين على المقاعد السياسيّة مجرّد ظاهرة موقّتة ستخبو في المستقبل القريب؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم