الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

تحقيق - وللحب أشكال وصور

ليال كيوان بو عجرم
A+ A-

لا يهنأ لرنا عيش إذا لم تكن برفقة زوجها، فهي تحاصره أينما ذهب وأينما توجه. في المنزل تنتظره بفارغ الصبر إذا ما قصد الحمّام لقضاء حاجة او للاستحمام. عندما يخرج من المنزل، لا تتوانى عن الاتصال به عشرات المرات في ساعات دوام العمل لتسمع صوته. هل السبب الغيرة الزائدة؟ هي تقول لا، بل هو الحب الشديد لدرجة أنها لا تقوى على البقاء أكثر من ربع ساعة من دون أن تسمع صوته، حتى بلغ بها الأمر الى القول إنها مدمنة عليه ولا تقوى على فراقه!


إدمان الحب
أول ما يتبادر الى الذهن عند سماع كلمة الإدمان هو المخدرات والكحوليّات وحديثاً هناك إدمان الإنترنت. وثمّة إدمان على الجنس، لكن أن نقول إدمان الحب أليس هذا مستغرباً؟ لا عجب أن يكون إدمان الحب حقيقياً وليس مجرد تعبير مجازي، فمن الممكن أن يصبح الناس مدمنين على أشخاص آخرين تماماً مثل الإدمان على المخدرات.
ويشرح المعالج النفسي الدكتور أنطوان ملكي، ان الإنسان يتعاطى في البداية لأسباب مختلفة منها الرغبة في الشعور بالراحة او اللذة، والمدرسة السلوكية تسمي هذه المرحلة التدعيم لسلوك التعاطي والتدعيم يؤدي الى التكرار. مع مرور الوقت ينشأ لدى الانسان ما يُعرف بنقطة التحمّل، وهي باختصار عدم كفاية الكمية المتعاطاة لإشباع حاجة المتعاطي او وصوله لمرحلة اللذة التي وصل لها في المرة الأولى التي تعاطى فيها. وهذا ما يدفع المتعاطي الى زيادة الكمية فيدمن أخيراً، وعندما يتوقف عن التعاطي تظهر لديه ما يسمى بأعراض الانسحاب. ومراحل إدمان الحب مشابهة لمراحل إدمان المخدرات، في البداية يتعرف أحدهم على شخص ما ثم يعتاد عليه، فيدخل مرحلة التدعيم ويحتاج الى المزيد من العمق في العلاقة فيكون اللقاء والاجتماع. فيصبح العاشق لا يهدأ له بال إلا في حال وجود معشوقه ولمسه وشمّه والاطمئنان الى الوجود قربه، حتى إذا ما انتهت العلاقة تظهر على العاشق آثار الانسحاب عينها التي تظهر عند مدمن المخدرات او الكحول، وهي فيزيولوجية ونفسية تتمثل بالقلق والاضطراب والأرق والتوتر والإرهاق والصداع وغيرها من المشكلات الصحية".
والمدمن على الحب غالباً ما يكون اعتمادياً واتكالياً على الآخر في كل شيء، في التخطيط والاختيار وحل المشكلات، لذلك لا يمكنه إنهاء العلاقة حتى يفعل الآخر. وهذه الشخصية ترتبط بالآخرين لتشعر باكتمالها، ودائماً ما تعطي للغير السلطة وتأخذ دور المملوك أو المستعبد.


جنون الحب
تعرفت ليلى الى نبيل عندما بدأت العمل في إحدى شركات المحاسبة، فكان زميلها في العمل وتطورت المعرفة بينهما لتنشأ علاقة حب وصفتها ليلى بالرائعة، لكن الأمور الجميلة لا تكتمل دائماً وتبقى ناقصة، فماذا حصل؟ "بدا واثقاً جداً من نفسه وكانت شخصيته لامعة، وناجحاً في عمله، وغالبية الفتيات في الشركة كن معجبات به وبشخصيته. تمت الخطوبة بيننا وكانت الأمور تسير على أحسن ما يرام، الإحترام المتبادل كان من أهم الأساسيات بيننا، وكذلك الصدق والحب والإخلاص. ولكن، كانت المشكلة التي تنغص عليّ الأمور دائماً حبه الشديد لي وتحكّمه بحياتي وجميع أموري. وكنت أعتقد في بعض الأحيان أنه مجنون ومهووس لشدة تعلّقه بي وإحكامه السيطرة على تفاصيل حياتي، وبات أحياناً يصاب بنوبات هستيرية حين أكون بعيدة عنه، كان يحاصرني باستمرار وحاولت أن أتفهم الأمر وأنسب تصرفاته الى حبه وتعلقه بي. لكن في نهاية المطاف طفح الكيل، فانفصلت عنه بعد إصراره على ترك عملي والبقاء في المنزل بعد الزواج وعدم الخروج إلاّ برفقته".
شاع في العالم القديم أن الحب ضرب من الجنون، وقد أثبتت الدراسات النفسية العلمية حديثاً ذلك. فثمة تشابه بين الأعراض الجسدية للحب وتلك المصاحبة للاضطرابات النفسية والعقلية، مثل الاكتئاب والقلق والوسواس القهري، فالمحب دائم القلق والتوتر على من يحب في شكل مبالغ فيه أحياناً، ويصاب بالاكتئاب عندما يكون بعيداً من محبوبه أو في حال عدم مبادلته الشعور نفسه. وبحسب ملكي، "يسيطر على المحبّ أحياناً بعض الأفكار التسلطيّة بزوال محبوبه من حياته.
وأظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين ينخرطون في علاقة حب قوية ورومانسية، تتشكّل في أدمغتهم مركبات كيميائية مشابهة لتلك التي تتشكّل في أدمغة المصابين بالوسواس القهري. ونظراً الى تلك المركبات المتشابهة، يصبح من الصعب الفصل بين الحب القوي وبين الجنون أو لنسميه الهوس والوسواس بالحبيب. ومن خلال المسح الطبي لأدمغة المحبين ومقارنتها بأدمغة المصابين بأمراض نفسية وعقلية، يلاحظ تشابه ملحوظ في انخفاض مادة السيروتونين، الهورمون الذي يفرزه الجهاز العصبي المركزي وهو المسؤول عن تنظيم المزاج والشهية والنوم والعضلات والادراك والذاكرة والتعلم. من هنا يمرّ العاشق بحالات معيّنة، مثل الأرق وفقدان الشهية واضطراب دقات القلب وارتفاع ضغط الدم وآلام الصدر واضطرابات في المعدة، وسوى ذلك".
والجدير ذكره، أن البحوث النفسيّة تؤكد أن الأفراد الذين يفتقرون الى الحب في حياتهم يعانون اكتئاباً بدرجات متفاوتة، نتيجة شعورهم الدائم بالنقص والعزلة، مما يضخّم ضعف الثقة لديهم وبأنهم غير مرغوب بهم.


هل يتحوّل الحب كرهاً؟
تعرفت باتريسيا الى زوجها قبل حوالى 6 سنوات، لم يكن شيئاً يكدّر صفو حبهما بل عشقهما. كانا مثالاً للأزواج الناجحين وكانت حياتهما الزوجية أكثر من رائعة ومثالية. ولكن بعد أربعة أعوام من الزواج، لم تعد الصورة نفسها وأخذت تتغيّر وتتبدّل الى أن بدأ الحب يضعف شيئاً فشيئاً في قلب الزوجة التي تعاني إحباطاً من جراء ما آلت اليه علاقتها الزوجية. "لم نكن نتشاجر كثيراً في بداية زواجنا، لكن مع مرور الوقت بدأ زوجي يصرخ بوجهي ويوجه إليّ كلمات مهينة، الى أن صفعني ذات يوم، فغادرت المنزل وقصدت منزل أهلي حيث مكثت فيه ثلاثة أيام. لكني عدت الى منزل زوجي بعد اعتذاره ووعده بعدم تكرار ما حصل. لم أعد أشعر بالشعور نفسه حياله وأشعر أن مشاعري ماتت تجاهه، لا بل أحقد عليه ولا أطيق وجوده في المنزل، وأتضايق من طلباته ونظراته ولمساته، ولم أعد أتشارك السرير معه بل طلبت منه أن ينام في غرفة الضيوف. بتّ أكرهه، ورغم انقضاء عام ونصف العام على ما جرى، إلاّ أنني أذكره كما لو أنه حصل بالأمس، وكلما استرجعت كلماته ومواقفه ازداد كرهي ونفوري منه".
بعد ما حصل مع باتريسيا، هل يمكن القول إن الحب قد يتحول كرهاً وبغضاً؟ "نعم بالتأكيد"، يجزم ملكي، فبعض العشاق يعلّقون آمالاً كبيرة على من يحبونهم ويخافون مواجهتهم ويبررون لهم مواقفهم، أو يرسمون لهم صوراً وردية في مخيلاتهم، وفور زوال تلك الصور تنهار المشاعر الودية وقد تنقلب كرهاً إذا ما تأذى العاشق من معشوقه". كما يشدّد المعالج النفسي على أن "أكثر ما يهشّم جدار الحب ويحطم المشاعر تجاه الآخرين، مقابلة الحب بردود أفعال باردة وخالية من العاطفة، مما يشكّل حالة من المناعة تمنع الإنسان من الإفصاح عن مشاعره وينتهي به المطاف إلى ما يسمى بالبرود العاطفي وتلبّد المشاعر والأحاسيس، فيحاول أن يملأ الفراغ العاطفي بمشاعر أخرى، وقد يبدلها البعض بالكره نتيجة استيائه من الارتطام المتكرر بحاجز القسوة والإهمال".


ومن الحب ما قتل!
أحبّ عاطف منال لدرجة العبادة، فكان شديد التعلّق بها وهي أيضاً كانت تحبه. الحديث هنا بصيغة الماضي لأن العاشقين لم يعودا موجودين سوى في الذكريات والصور والحكايات. طلب عاطف يد منال مراراً، لكن والدها أبى الموافقة لأنه أعطى قولاً لأخيه بأن يزوج منال لابنه. وهكذا تعلّق قلب الفتاة بعاطف وكانت مجبرة على تنفيذ العادات العشائرية. حاول عاطف خطف حبيبته مرات عدة كي يتزوج بها ويضع الجميع تحت الأمر الواقع، إلاّ أن منال كانت دائماً تتراجع في آخر لحظة خوفاً على حبيبها الذي هدده والدها وشقيقها بالقتل إن أقدم على خطفها او ملاحقتها. وحان موعد الزواج المزعوم بين أولاد العم، لكنه لم يتم بل انتهى بفاجعة، عاكف قتل حبيبته وانتحر!
ومثل عاطف، ثمّة اشخاص يقتلون أحباءهم لأسباب مختلفة، ووفق ملكي ثمة علاقات حب "تنتهي بدموية والأسباب عديدة وقد تكون الغيرة او الانتقام، أو درءاً لفضيحة ما، أو دفاعاً عن الشرف أو بسبب الخوف من الهجر والفراق وبدافع الأنانيّة وحب التملك كما هي حال عاطف، فالمعشوق إما يكون للعاشق وحده فقط أو تكون نهايته الموت المحتّم!".
أما عن أسباب القتل وتمكّن العاشق من قتل حبيبه، يقول ملكي إن القتل "هو نوع من ممارسة الحب، وهو شكل من أشكال حب الامتلاك أيضاً. فمشاعر الحب تشبه الى حد كبير المشاعر التي تتملك القاتل وهو يجهز على ضحيته، فالعاشق يضع أصابع يديه حول عنق حبيبه ليداعبه فيصبح رأسه في يده كرأس تمثال بارد وصلب، تماماً مثل الضحية في جريمة قتل. وتسهل عملية القتل بناءً على النتائج المتوخاة والمكاسب الناتجة من موت الحبيب".


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم