الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الجلسة النيابيّة غداً هل هي دستورية؟

محمد العرب- صحافي وقانوني
الجلسة النيابيّة غداً هل هي دستورية؟
الجلسة النيابيّة غداً هل هي دستورية؟
A+ A-

بعيداً عن الكلام العاطفي، والسقوف العالية التي رفعها المواطنون في ساحات الوطن، وخروجاً من الاعتراض لمجرد تسجيل المواقف، ولأن أداء القائمين على المؤسسات الدستورية في لبنان لا يشير إلى أنهم يستمعون إلى الشعب الذي أشارت إليه الفقرة د من مقدمة الدستور بأنه مصدر السلطات وأصحاب السيادة، وانطلاقاً من كون النظام اللبناني قائماً على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، وبعد الاطلاع على جدول أعمال جلسة مجلسة النواب التي دعا إليها رئيس المجلس بعدما أرجأها أسبوعاً وتضمنت 16 بنداً لمناقشة اقتراحات ومشاريع قوانين اتخذ معظمها صفة المعجّل المكرر، أعرض في هذه المناقشة الدستورية الهادئة لعلها تصل إلى أصحاب الشأن فيتنبهون إلى أن الاستمرار في تضييع الوقت لاكتساب المباراة بالنقاط قد يوصلنا، دونما انتباه، إلى ضربة قاضية سيكون من الصعب العودة منها إلى مربّع الهدوء والاستقرار الأول.

فماذا عن دستورية تشريع مجلس النواب للقوانين في العقد الثاني قبل إقرار الموازنة وفي ظل حكومة مستقيلة؟

والبداية من تحديد العقد الحالي لمجلس النواب: هل هو عادي أم استثنائي؟

نصت المادة 32 من الدستور اللبناني على أن المجلس يجتمع في كل سنة في عقدین عادیین، فالعقد الأول یبتدئ یوم الثلثاء الذي یلي الخامس عشر من شهر آذار، وتتوالى جلساته حتى نهایة شهر أیار، والعقد الثاني یبتدئ یوم الثلثاء الذي یلي الخامس عشر من شهر تشرین الأول، وتخصص جلساته للبحث في الموازنة والتصویت علیها قبل كل عمل آخر، وتدوم مدة هذا العقد إلى آخر السنة.

وبالتالي، فإن مجلس النواب دخل في العقد الثاني يوم الثلثاء 22 تشرين الأول، أي قبل استقالة الحكومة بأسبوع واحد في 29 تشرين الأول 2019.

ومن المعروف أنه عند استقالة الحكومة فإن مجلس النواب يصبح حكماً في دورة انعقاد استثنائية عملاً بالفقرة الثالثة من المادة 69 من الدستور وذلك حتى تألیف حكومة جدیدة ونیلها الثقة.

واستناداً إلى القاعدة الكليّة بأن إعمال النص أولى من إهماله وبالجمع بين المادتين 32 و69 من الدستور فإن المادة 69 جاءت لتغطي الفترة الممتدة من آخر شهر أيار وحتى الثلثاء الأول من شهر تشرين الأول في حال استقالت الحكومة، وبالتالي يمكننا افتراض القول بأن المجلس في دورة انعقاد عادية انطلاقاً من مبدأ فصل السلطات وعدم وضع مجلس النواب تحت رحمة استقالة حكومة أو عدمه على اعتبار أن المجلس سيد نفسه ولا يمكن حدّ صلاحياته من خلال عمل تقوم به السلطة التنفيذية حتى ولو كان هذا العمل هو الاستقالة.

انطلاقاً من ذلك نعود للمادة 32 من الدستور التي حددت المهمة الأساسية التي تقع على عاتق المجلس في العقد الثاني وهو تخصيص الجلسات للبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر.

كما أن المادة 120 من النظام الداخلي لمجلس النواب أكدت على أنه إذا لم ينته المجلس من درس وإقرار الموازنة بنهاية دورة تشرين الأول، يدعو رئيس الجمهورية المجلس فوراً لدورة إستثنائية لمتابعة درس الموازنة تستمر حتى آخر كانون الثاني، فإذا انتهت الدورة الاستثنائية هذه ولم يفرغ المجلس من إقرار الموازنة بصورة نهائية جاز لرئيس الجمهورية أن يضع مرسوماً بموافقة مجلس الوزراء من شأنه جعل مشروع الحكومة كما قدمته مرعياً ومعمولاً به شرط أن تكون الحكومة أودعت قلم المجلس مشروعها كاملاً قبل بداية العقد بخمسة عشر يوماً على الأقل.

وهو دليل إضافي وسند قوي على أنه على مجلس النواب أن يتفرغ كليّا لدراسة الموازنة وإقرارها بصورة نهائية قبل أي عمل آخر.

ولكن هل تمّ تحويل الموازنة من الحكومة قبل استقالتها؟

بالعودة إلى مقررات الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء بتاريخ 21 تشرين الأول 2019، فقد أقرت الحكومة مشروع موازنة 2020 وأحالته إلى مجلس النواب بعد توقيعه من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ووزير المال علي حسن خليل.

وبالتالي، فإن الكرة الآن هي في ملعب مجلس النواب الذي يجب عليه وفقاً للمادة 43 من نظامه الداخلي تبليغ أعضاء اللجان مشروع الموازنة العامة فور وروده إلى المجلس.

وهنا يأتي دور لجنة المال والموازنة التي عليها وفقاً للمادة عينه، الدعوة الإلزامية لكل لجنة من لجان المجلس، وقبل يومين على الأقل لحضور الاجتماعات التي تدرس فيها الموازنة المتعلقة بأعمال هذه اللجنة، ويشترك أعضاء هذه اللجنة في المناقشة وتقديم الاقتراحات والتصويت.

ولكن السؤال كيف ستجتمع هذه اللجان وقد انتهت مدة ولايتها؟

لقد نصت المادة الثالثة من النظام الداخلي لمجلس النواب على أنه "...عند افتتاح عقد تشرين الأول من كل عام، يعمد المجلس إلى انتخاب أميني سر... ثم يجري انتخاب ثلاثة مفوضين.." كما ذكرت المادة 19 بأنه: "...في بدء دورة تشرين الأول من كل سنة يعمد المجلس إلى انتخاب لجانه الدائمة..."

وبالعودة إلى دعوات رئيس مجلس النواب لانتخاب اللجان وأميني السرّ والمفوضين نجد أنه وبالفعل حدد مواعيد لانتخابها بداية يوم الإثنين 28 تشرين الأول، ثم أرجئت إلى الخامس من تشرين الثاني، ثم أرجئت إلى 12 منه، وأخيراً إلى 19 تشرين الثاني يوم غد.

وهي خطوة هامّة لانتظام أعمال اللجان التي يمكن بعدها إحالة الموازنة إليها. ويبقى السؤال المطروح: على أي أساس حدد رئيس المجلس جلسة تشريعية لمناقشة اقتراحات ومشاريع القوانين قبل إقرار الموازنة؟

وهنا نحن أمام فرضيتين:

إما اعتبار أن العقد الحالي هو عقد عادي كما بيّنا آنفاً وبالتالي على المجلس حصر عمله في إقرار الموازنة قبل أي عمل آخر كما ينص الدستور.

أو اعتبار أن العقد الحالي هو عقد استثنائي على اعتبار أن الفقرة الثالثة من المادة 69 من الدستور أكدت على أنه عند استقالة الحكومة فإن مجلس النواب يصبح حكماً في دورة انعقاد استثنائية وذلك حتى تألیف حكومة جدیدة ونیلها الثقة.

وفي هذه الحالة نعود للجدل الدستوري حول إمكانية التشريع في العقود الاستثنائية والتي أجابت عنها مستفيضة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل خالصة إلى أن الهيئة ترى: أن انعقاد مجلس النواب في دورة استثنائية عند استقالة الحكومة كما نصت عليه المادة 69 من الدستور ليس انعقاداً بمعنى المادة 33 منه، بحيث لا يمارس المجلس النيابي خلالها صلاحياته التشريعية كاملة، بل تلك التي تستوجبها حالة الضرورة من تعرض لأمن الدولة أو مؤسساتها أو اقتصادها للخطر أو من تعرض للحقوق الدستورية أو لممارسة هذه الحقوق".

فهل اقتراحات ومشاريع القوانين المدرجة على جدول أعمال جلسة الغد ومنها: العفو العام أو تعديل مواد من قانون الموظفين أو الضمان الاجتماعي، أو العقوبات أو حق الوصول إلى المعلومات، أو اقتراح قانون استبدال بعض العقوبات بعقوبة العمل الاجتماعي، أو عدم إدراج الأحكام الصادرة بمقتضى قانون المطبوعات في السجل العدلي، أو تعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية؛ تدخل في حالة الضرورة التي تؤدّي في حال عدم إقرارها إلى تدهور الاقتصاد والأمن والمؤسسات، أم أن عدم الإسراع في الاستشارات النيابية الملزمة وتكليف رئيس حكومة ليشكل حكومة جديدة يتم مناقشة بيانها الوزاري وإقرار موازنتها هو الذي تستدعيه حالة الضرورة؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم