الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

القابضون على السلطة في الجمهورية اللبنانية آلهة تهاب من استقلالية القضاء

المحامي باسكال فؤاد ضاهر - دكتور في الحقوق
القابضون على السلطة في الجمهورية اللبنانية آلهة تهاب من استقلالية القضاء
القابضون على السلطة في الجمهورية اللبنانية آلهة تهاب من استقلالية القضاء
A+ A-

نصت الفقرة "ب" من مقدمة الدستور اللبناني على "أن لبنان ملتزم مواثيق منظمة الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهو يجسّد هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات دون إستثناء."

ولقد أكّدت مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المؤرخ في 10 كانون الأول 1948، على وجوب سعي كل عضو العمل على تحقيق استقلالية السلطة القضائية وذلك في المواد (7)، (8)، (10) و(11)، فقد نصّت المادة (10) منه على الآتي: "لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظراً منصفاً وعلنياً، للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أي تهمة جزائية توجّه إليه".

أمّا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي دخل حيّز النفاذ بتاريخ 23 آذار 1979، فقد تطرّق في المادة (14) منه للحديث عن السلطة القضائية، وقد نصّ على ما حرفيته: "الناس جميعاً سواء أمام القضاء، ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أيّ تهمة جزائية توجّه إليه، أو في حقوقه والتزاماته في أيّ دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون."

ولن نغوص في الإتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة كافة، والتي تؤكّد في مندرجاتها على أنّ السلطة القضائية المستقلة هي حقّ وليست منّة، إنما ما يهمنا ضمن نطاق هذا البحث توضيح أنّ الدولة اللبنانية قد التزمت بموجب مقدمة الدستور استقلالية السلطة القضائية، وفي الوقت عينه، لم تسعى إلى إقران التزامها بإصدار القوانين ذات الصلة، مما يطرح التساؤل حول السبب الكامن وراء عدم رغبة هذه السلطة إيلاء مرفق العدالة سيفه.

بدايةً، يقتضي التوضيح أنّ الرؤوساء والوزراء والنواب وجميع من قبض ويقبض بيده على مقدرات الشعب في البلاد، قد صاغوا لأنفسهم قوانين جعلتهم غير خاضعين للعدالة والقانون أو لأية محاسبة أو مساءلة، مما يستتبع القول أنّهم أوقعوا أنفسهم في التناقض وفقاً للمبدأ القانوني المعروف بالإيستوبيل المنصوص عليه في القاعدة الكلية الناشئة عن المادة /100/ من مجلة الأحكام العدلية الصادرة في ظلّ حكم السلطنة العثمانية والتي ما زالت سارية المفعول حتى يومنا هذا، والتي تنص على الآتي: "من سعى إلى نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه" والمؤكد عليها من قبل محكمة التمييز المدنية في العديد من قراراتها، والسبب في ذلك هو التعليل الآتي:

بما أنّ السلطة الحاكمة في بلادي تحترم وتجّل تعاليم الأديان التي تنصّ على أنّ المنزه عن الخطأ هو الله عز وجل؛ وإذا كانت هذه السلطة ترتمي في أحضان مسؤولي الطوائف عند كل مفترق، وتستنهض الهمم الطائفية من أبنائها عند كل إستحقاق، وفي الوقت عينه تربأ من الوقوف أمام يد العدالة، بل وتقترح وتشرّع قوانين تؤكّد على حصانتها، وعلى عدم جواز المساس بها، فإنه يستنتج من ذلك تناقضاً ومخالفةً ساطعةً لأحكام الدين، لأن هذه السلطة قد جعلت من أفرادها آلهةً منزهّين عن أيّ خطأ أو تقصير، وبذلك فقد أشركوا أنفسهم بالله عزّ وجلّ، وهذا لا يستقيم كما يحمل في طياته تناقضاً، الأمر الذي يلزمهم وبالحدّ الأدنى الإلتزام بالتعاليم التي يجاهرون حمايتها.

وعلى ما تقدم، يجدر بنا القول أنّ تحقيق استقلالية السلطة القضائية يفترض إطلاق يدها للمحاسبة الصحيحة وإسقاط الحصانات والإعتبارات أمام سيف سلطانها، وإنّ أيّ طرح مخالف من خلال الإبقاء على المنظومة التشريعية المعمول بها والتي تمنع العدالة من امتشاق صهوة جوادها بوجه "الآلهة في بلادي" من الرؤساء والوزراء والنواب والمواقع كافة، نكون قد أفرغنا النص من مضمونه لأنه بذلك تقتصر المحاسبة على صغار السماسرة المفتعلين في حقوق الشعب.

ولذلك، يقتضي ولبناء دولة القانون، الحق والعدالة إقرار استقلالية السلطة القضائية وفي الوقت عينه تشريع قوانين تسقط الحصانات عن القابضين على أنفاس الشعب وتنزيلهم إلى مكانتهم الحقّة فهم من بني البشر ومن غير السوي بعد اليوم إبقائهم في مصاف الآلهة.   

وأما في الحال المعاكسة، وأمام هول ما يتعرّض له القانونيّون من المحامين والقضاة في مشرقنا العربي، لا سيما ما يحصل في الجزائر وآخرها إحالة رئيس الإتحاد العربي إلى المجلس التأديبي لنشره مقالاً يعدّد بموجبه الإنتهاكات والمخالفات الدستورية والقانونية التي طاولت حقوق الإنسان في وطنه، فإنّ هذه السلطة تضع نفسها لا محالة أمام توقّد الفكر القانوني لإنتاج حلول بغية إتمام محاسبتهم، ومنها سعينا الدؤوب لملاحقتهم القضائية الحقّة في البلدان التي يحملون جنسيّتها

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم