الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

طلّاب لبنان يلدون لبنان

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
طلّاب لبنان يلدون لبنان
طلّاب لبنان يلدون لبنان
A+ A-

الطلّاب

يولدون فجأةً، من لا مكان، ومن لا أحد.

ويولدون عنّا. ومن أجلنا.

ويولدون بذواتهم. ويولدون من ذواتهم.

ويولدون. ويولدون. ويولدون.

كأنّهم ليسوا صنيع لحظات الفراش الأهوج، ولا صنيع رقرقات مياه آبائهم وسقسقاتها في أرحام الأمّهات.

ويولدون!

يا لهم كالبروق يولدون، كالصعق، كالغضب، كالهدير، كالينابيع، كالزلازل، كالبراكين، كالتماعات العقل الذكيّ والحرّ.

ويولدون كابتساماتٍ حاسمةٍ غير متوقَّعة، كخروجٍ حرٍّ من الوقت، وكخروجٍ حرٍّ – يا لبهائه - على الوقت.

ويولدون كالتمرّد القياميّ الأشوَس على كلِّ قهرٍ وفسقٍ سياسيٍّ وعهرٍ وظلم.

ويولدون من اللاوعي الجمعيّ للناس ليعيدوا تأسيس الحياة للحياة، ويعيدوا تأسيسها للناس من جديد.

ويولدون. كأنّ الحياة لم تكن يومًا. كأنّ الحياة لم تُعَش من قبل.

ويولدون. كأنّ الناس أيضًا لم يكونوا من قبل.

وها هم يولدون أمامنا.

وهنا. في ساحات البلد المضرّج. وفي الضمائر. وفي الأرحام.

وها هم ينجزون المعنى تلو المعنى. ويفتحون الأفق. ويقولون للحياة إنّنا نصنعكِ للتوّ أيّتها الحياة، لتكوني حرّةً وسعيدةً وفتيّة. وكما ينبغي لكلّ حياةٍ كريمةٍ أنْ تكون.

وها هم يلدوننا من جديد.

يلدوننا نحن الموتى.

ويلدوننا لنحيا فيهم. وبهم.

وها هم يلدون لبنان. كأنّ لبنان لم يكن من قبل.

ما أجملهم لأنّهم يولدون للتوّ. ويلدوننا للتوّ.

وما اجملهم يولدون.

ويا لهم يهيّئون لبنان ليكون فتًى متمرّدًا أبيًّا جميلًا بهيّ الطلعة وعالي الجبين. كأرز لبنان.

***

مقتطف من شهادة طالبٍ ثوريٍّ سابق

في ما مضى من حياة، قبل الحرب المشؤومة في العام 1975، وتحديدًا منذ العام 1969، خرج طلّابنا الثوّار على كلِّ انتماءٍ ضيّقٍ وفئويّ.

وخرجوا على هيمنة اليمين وعلى هيمنة اليسار.

وصنعوا لأنفسهم اتّحادًا طالبيًّا غير مسبوقٍ في الحرّيّة وفي التنظيم بين الاتّحادات.

وآنذاك، لم تستطع حكومةٌ فيها من "اليسار" قدْر ما فيها من "اليمين"، وفيها من المسيحيّين قدْر ما فيها من المسلمين، أنْ تلجم عصيانهم، أو أنْ تحرفه عن أهدافه في تحصين جامعةٍ وطنيّةٍ مستقلّة، خلّاقةٍ وطليعيّة وحرّة، وفي اجتراح كلّيّات للهندسة والطبّ والزراعة، ننعم حتّى الآن بمتخرّجيها الأفذاذ.

وآنذاك، "اختار" الطلّاب الثوّار أساتذتهم بالتصويت، "وأسقطوا" مَن لا يستحقّ منهم بالتصويت.

وآنذاك، أدخلوا الطلّابَ الجدد إلى الجامعة، عبر مشاركاتهم ورقاباتهم الفاعلة في مجالس الكلّيّات، وفي مجلس الجامعة، وفقًا لعلاماتهم، وليس وفقًا لنظام التوزيع الطائفيّ.

وآنذاك، لم تستطع طوائف ومذاهب، ولا ميليشيات وإرهابات واعتقالات وأعمال تعسّفٍ وقمعٍ و... قتل، أنْ تمرّغ جبينهم العالي، وأنْ تضع حدًّا لاستقلاليّتهم عن كلّ يدٍ.

وآنذاك، اعلن الطلّاب الثوّار العصيانَ المدنيّ في الجامعة. فاختاروا رئيسًا منهم للجامعة. واختاروا منهم العمداء. واحتلّوا المكاتب. وقاعات الدروس.

وعندما أعيتهم السبل المعروفة، أعلنوا الصيام عن الطعام. وافترشوا الأرض. وأصيبوا بالإعياء والإغماء. وأُدخِلوا إلى غرف العناية الفائقة في المستشفيات.

وآنذاك، نظّم رفاقهم التظاهرات الطيّارة، في كلّ مكان، وفي كلّ منطقة، وفي كلّ شارع، وأمام كلّ إدارةٍ رسميّة.

... وهذا أُورِده من أجل العبرة، على لسان طالبٍ ثوريٍّ سابق: حتى ضجّت البلاد بهم، وأُسقِط في يد الحكم والحكومة والنوّاب، وأُرغِمت الحكومة إرغامًا على استجابة مطالبهم بقوّة وسائل "الضغط الديموقراطيّ المنظّم" (تعبيرٌ اجتراحيٌّ، فكريٌّ، ثوريٌّ، تقنيٌّ، دلاليّ، استخدمته حركة الوعي آنذاك لبلورة خريطة طريق التحرّكات ومنهجيّتها وسبل تنفيذها على الأرض).

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم