السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

حوار - نضال الأشقر لـ"النهار": بلادنا بحاجة ملحة للمسرح

روجيه عوطة
A+ A-

في منزلها الواقع بالقرب من "مسرح المدينة" القديم في كليمنصو، تجلس نضال الأشقر، متحدثةً عن استئنافها التمثيل في مسرحية "الواوية" (من 6 شباط إلى 15 آذار- مسرح المدينة، السارولا)، المقتبسة من نص لبرتولد بريشت، قبل أن يعدّها ويترجمها إيلي أضباشي، ويخرجها ناجي صوراتي. لم تستأنف الأشقر ما انقطع، بل واصلته بأشكال مختلفة، بالإخراج، أو بالنشاط الإداري. "لم أبدأ من الصفر"، تقول لـ"النهار". ما كانت قد مثلته في الماضي، عاد ليظهر في أدائها من جديد. كأن الممثلة، التي تسكنها، لم تختفِ البتة، فـ"حين رجعت إلى خشبة المسرح، شعرت كأنني غادرتها البارحة، وليس منذ أكثر من عشرين عاما". باشرت تمرين أدواتها التمثيلية، الصوت، التنفس، اليدان، الجسم، كأنه إحياء للممثلة. كانت تنتظر الوقت الملائم لتعلن أنها رجعت إلى الخشبة، التي لم تتركها يوماً.


تفصل الأشقر بين إخراجها وتمثيلها، مشددة على أنهما فعلان في غاية الإختلاف. عندما تمثل، تستخدم أدوات وطاقات مغايرة عن تلك، التي يستعملها المخرح، "كي ينظر ويعاين العمارة المسرحية، مراقباً أداء الممثلين". لذا يصعب على الشخص ذاته، "أن يخرج ذاته الممثلة"، كما "لا يقدر الممثل على أن يكون مخرجاً، بالمعنيين الكاملين للتمثيل والإخراج، في الوقت نفسه". هذا، على رغم أن الأشقر، تؤكد أنها "قادرة على الجمع بين الفعلين، مثلما كانت الحال أيام محترف بيروت للمسرح، إذ كنا نكتب ونخرج مع الممثلين، لكن، في النهاية، ثمة مَن عليه أن يدير الفضاء، وينسق بين عناصره، أي المخرج". في السياق نفسه، ترى أن "التمثيل لا عمر له. عندما يمارسه المرء يعود طفلاً، مستفيدا من تجاربه السابقة، ومن تقنياته الماضية. فما إن صعدت إلى الخشبة لأمثل من جديد، حتى زال الصدأ عن أدواتي، فأصبحت مرنة". ذاك، أنها ترغب في التمكن من دورها بشكل تام، و"كي أقنع الجمهور بأنني الواوية، فالتمثيل هو فن الإقناع".
لكن إقناعها للقارئ مسبوق بإقتناعها بالمسرحية، التي قررت أن تكون بطلتها. تصّر الأشقر على أهمية نص بريشت، وكيفية لبننته، أو بالأحرى تعريبه، ليصبح محاكياً للوقائع، التي نعيشها اليوم في بلدان اللغة العربية: "مرد ذلك إلى قدرات الكاتب إيلي أضباشي والمخرج ناجي صوراتي. إذ رأينا أن اللجوء إلى بريخت كان موفقاً، ولا سيما أنه يتناول موضوعاً يثير اهتمامنا. تلبنن نصه، وحافظنا على عموده الفقري، وأضفنا إليه مشاهد متعلقة به". المسرحة تمزج بين الغناء والأداء. فإلى جانب الأشقر، التي تؤدي دور "الأم شجاعة"، أو "الواوية"، يقف كل من خالد العبد الله وهادي دعيبس وعبد قبيسي وعلي الحوت، الذين يشاركونها الفضاء غناء وعزفاً. فالمسرحية، التي تأخذ الحرب كموضوعة لها، تدور حول شخصيةالأم، التي تريد حماية أبنائها، قدس، وبغداد، ودمشق، إلى درجة أنها تتحول تاجرة سلاح. لكنها سرعان ما تفقد أولادها، الواحد تلو الآخر، وتظل متمسكة بالحرب، التي لا تريدها أن تنتهي، لأنها أضحت نظامها.
في الجهة عينها، تجد الأشقر أن "الواوية" تناسب كل الأزمنة، التي تشهد حروباً، وهذا ما يحاول الإخراج أن يشير إليه من خلال عنصر العربة، التي "تدل على الوقت المسرحي غير المحدد، أكان اليوم، أم البارحة، أم غداً. إنه زمن الحرب، الذي يمثل كل حروبنا، خصوصاً في لبنان، حيث نخوض حرباً دائمة، مستترة، أو ظاهرة. لم تنته الحرب بعد. هناك هدن متقطعة، ولا يوجد سلام متواصل على الإطلاق". ترى الأشقر أن تعاونها مع ناجي صوراتي مفيد للغاية، فالمخرج استطاع أن يتصرف باقتباسه من بريشت، نظراً إلى تجربته المختلفة، " أكان على صعيد تعامله مع الفضاء، أم تنقياته المسرحية. وقد تكون هذه المسرحية مغايرة للمسرحيات الأخرى، التي كان قد برع في تقديمها في الماضي، إذ عرف كيف يربط بين الأسلوبين النخبوي والشعبي"، منطلقاً من نصٍ مكتوب العام 1937، فأعدّه وأخرجه، ليجعله متلائماً مع الحاضر وأسئلته.
تربط الأشقر بين نشاطها الفني ونظرتها إلى الواقع، وهي، لهذا السبب، تعتقد أن للمسرح هدفاً تغييرياً، ولا سيما أنه "فن مدني، عام"، يقلص المسافة بين الناس، ويتيح لهم التفاعل مع الممثلين، فلا يظل الفن بعيداً عنهم. والحال، أن لبنان اليوم في حاجة ملحة إلى المسرح، كي يزيد التفاعل المجتمعي، ويضاعف التواصل بين المواطنين، بحثاً عن حلول لأزماتهم، التي، على الرغم منها، لا تتراجع الأشقر عن تعلقها بالفن المسرحي. وهذا ما تستمده "من تعلقي بالبلد، وبأيامه المقبلة، التي عليها أن تكون أفضل. فلا مناص من الإستمرار في العمل الفني من أجل الأجيال القادمة، وللدفاع عن إبداعهم، وكي لا يقع البلد في التصحر، أو يسوده التطرف، مثلما يجري في الوقت الحالي. ثم أن هناك تجارب مسرحية جديدة في البلاد، أصحابها يضحون من أجل تحسين الوضع الفني في لبنان" بدون أن يشعروا بالإحباط.
تقول: "فلنتخيل أن المدينة بلا مسرحها، ذلك سيترك الكثير من الفراغ. تعلقي بهذه المدينة لا ينتهي. عندما أقفل المسرح القديم، فتشت عن مكان آخر في الحمراء (السارولا)، واستطعت أن أحصل على تمويل مالي، وأصلحته، وبدأت المسيرة من جديد. يُضاف إلى ذلك، "المترو"، الذي يديره هشام جابر بشكل لافت للغاية". إلا أن التحدي، الذي يواجه الفن المسرحي، شديد في لبنان. لذا، تدعو الأشقر إلى التعاون بين المسرحيين والكتاب وباقي الفنانين، كما تطالب بدعم المؤسسات المعنية، التي عليها أن تنظر إلى الإبداع كقيمة ضرورية، ولا سيما أن "هناك مناطق لبنانية كثيرة لم يدخلها فن المسرح من قبل، لأنها مهمشة، وتكاد بيروت تصبح مثلها". ثمة مشكلة عامة، لن يستطيع الفن أن يتعايش معها، حتى لو قيل إنه يولد بعد أن يصطدم بها، فـ"المسرح قد يولد من أزمات البلاد، لكنه، بالتأكيد، سرعان ما يموت بفعلها".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم