الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"خذلان بطعم الحلوى" لأميرة مبارك: سردية مركّبة تمجّد الحب

أحمد الشيخاوي
"خذلان بطعم الحلوى" لأميرة مبارك: سردية مركّبة تمجّد الحب
"خذلان بطعم الحلوى" لأميرة مبارك: سردية مركّبة تمجّد الحب
A+ A-

تطالعنا الكاتبة السورية أميرة مبارك، عبر روايتها" خذلان بطعم الحلوى" الصادرة حديثا عن "دار الآن"، بسردية مركبة، تجربة داخل تجربة، تتلقف المتلقي بالنفس التشويقي الذي يعتمد الجملة الواحدة غير القابلة للفصل، لإدراك قصديات المنجز ككل.

فهذا الإصدار النوعي، يفرض على القارئ استيعابه على هذا النحو باسترسال ومن دون تقطّع.

في إشارة لعقدة الرواية، تقول الساردة: [لست قادرة على إرجاعك إلى الحياة يا ليال وإنقاذك من ذاك الحب المهلك... ولكني سأخرجك من جديد إلى هذا العالم] (1).

من هنا، تنطلق شخصية البطولة الأولى، شذى، الروائية أيضاً، داخل دهاليز هذه السردية منتظمة الإيقاع، تراتبية الموضوعات، من خلال التغذي على ذكريات قديمة، ينبش فيها مجدداً، قصد الكشف عن الملابسات والظروف التي أودت بضحية الحب من طرف واحد، ليال، التي اعتقد الجميع أنها انتحرت، بعد قصة حب فاشلة.

حقيقة موت ليال، هي ما سعت خلفه وسخّرت له كلّ إمكاناتها، شذى التي أوهمت نفسها بأنها تفيد من دروس كهذه تجربة مبهمة، وجديرة بمطاردة خيوط لعبتها حتى النهاية، ومهما كلّف الأمر. بحيث اعتقدت شذى أن خطيبها يبادلها الحب، وهو شعور أدفأها لوقت طويل، بيد أنه سيصدمها، بعد ذلك مفضلا على خيار الاقتران بها، هاجس الأبوة، حال تأكد من حرمان خطيبته من إحساس الأمومة، جراء الحادث الذي تعرضت له، سيتضح لاحقا أن الجانب الذي يمثل الشر بكل تجلياته، في شخص الأعرج، هو سببه، وقد أراد تصفية شذى كونها ما فتأت تحفر في المحظور والملف المطوي، مما سيورطه ويدينه ويدخله السجن المؤبد أو يودي به إلى حبل المشنقة.

على لسان شاهد سوّف حضوره، لكنه في الأخير ارتأى إنصاف ذاكرة ليال،وماضيها المثقل بأوجاع العشق، والشاهد هو أمجد الذي أحب ليال حدّ الجنون، فيما تعلّقت هي بآخر. شاب المصادفة حسب تعبير الساردة، وقد عايش لحظات قتل محبوبته، من دون أن يستطيع فعل شيء، سوى الحرص على ألاّ تطعن سمعتها، بحيث أعادها إلى بيتها جثة، علماً أنه تعرف على هوية القاتل، الذي هو الأعرج، المصمّم على طمس آثار جرائمه واغتيال كل من توسوس له نفسه بفضحه عبر النبش في تاريخ أولى ضحاياه، العاشقة ليال.

حصل ذلك مع شذى التي نجت بأعجوبة من كيد الأعرج، وكان الثمن الذي دفعته مقابل بقائها على قيد الحياة، تقلص حظوظ قدرتها على الإنجاب، ما اضطر أنس، حينها، لخذلانها وتركها، ولو أنه عاد فيما بعد، متوددا نادماً على فعلته، كي يرشق برد قاس جدا وجارح، ويتذوّق مرارة الرفض.

هو خذلان، لن تقبع شذى سبيته طويلا، بل من فورها اجتازت المحنة، وتعافت من موتها النفسي، وعاودت النهوض بسلام، واستعادت حياتها الطبيعية مستشارة نفيسة أنفقت العمر في حل مشاكل الآخرين.

حوّلت زمن الانكسار إلى حلوى وجودية، تجود بالتصالح الحقيقي مع الذات، وتولي أهمية خاصة للمحبة الذاتية السليمة.

وطبعا، نجد كل هذا وقد ذيل مشهد الانتصاف لذاكرة ليال، تقول الساردة: [تلك الصرخة التي تحوم داخل أضلعي، تريد أن تخرج لكل الناس... أريد أن أطلقها فعلاً، أن أصرخ بأعلى صوتي.. خذلت، بعد كل ذلك الحبّ خذلت. بعد كل ما سكبه قلبي لك من دفء. بعد كل لحظات انتظاري، بعد كل أمل أسكنته في قلبي، خذلتني، أنا لا أكرهك لأنك خذلتني، بل لأنك أوصلتني إلى حد لم أكن أتوقع فيه يوما خذلانك، أوصلتني إلى الحد الذي حاولت فيه خذلان قلبي وجميع من حولي عوضا عن خذلانك أنت. جعلتني أحبك، أعتادك، أحتاج وجودك، أحتاجك أنت. أتبنى حبك ليصبح جزءا من كياني..فرضا من فروضي وشغفا لأيامي] (2).

بعد أن تكتمل ملامح الانطلاقة في هذه السردية، من نواة العودة إلى ماضي ليال، قصد الكشف عن تفاصيل تجربة أقبرت عنوة، من لدن من لهم مصلحة في ذلك، تعتيما على سجل إجرامي كبير، وبعد أن تختزل الرواية تيمتها في حمولة نفسية بمنطق فرويدي بحث، تنتصف لألوان الحياة وتدين شهوة الفتك، تجيء محطة الخلان، كنصّ مواز، تهدل بدواله عتبة الرواية، كي تثمر حقبة تصحيحية، ومستقبلاً نفسياً صقيلاً، وحياة جديدة، بمعزل عن الأقنعة والمرايا المشوهة. ولادة ثانية تعكس قوة وطاقة وإرادة الأنثوي، بدرجة أولى.

إنها فوقية القطوف النفسية التي استحقتها شذى، بعد تجربة مركبة كابدة فيها معاناة ليال، موازاة مع الموجع من خطابها السردي، وعرّت حالة إنسانية موغلة في المفارقات والرمادية.

لذا نختم بقول الساردة، وهي تحاول تمرير رسائل للفاشلين، غاية في الإيجابية ،والتحرر من الأسر الروحي، وضرورة تنفس يقينيات الإشراقات الغيبية، وعقد الآمال الكبيرة، على ما تحمله روح المجهول:

[ذلك الفقد يشعرنا بماهية الحياة الحقيقية، يذكرنا بأن حياتنا لنا فقط، هي حياتنا وجميع من حولنا قابلون للزوال، ما ينقصنا حقا هو تلك القوة التي زرعناها داخلنا.

القوة تكمن في البدء من جديد.. البدء رغم كل شيء.. تكمن بإيماننا بأنفسنا وبالقدرة على النهوض](3).

هكذا نلفي الرواية بصمت الجوهري، رغم بساطة معمارها، ولامست الصميم الإنساني الموبوء، عبر سردية احتفلت بتجربة مركبة تقدس مفردات العشق، فوق الممكن.

هامش:

(1)مقتطف من نص " غضب الشبح " صفحة31.

(2)مقتطف من نص "الخذلان " صفحة152.

(3)مقتطف من نص " المقابلة الأخيرة " صفحة180.

*شاعر وناقد مغربي

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم