السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الظلّ الذي هزم العصا

رشيد درباس
رشيد درباس
Bookmark
الظلّ الذي هزم العصا
الظلّ الذي هزم العصا
A+ A-
ينبغي لنا أن نتجاهل بعضهم،ليدركوا عظمة اهتمامنا بهم،شكسبيرأغارت الهراوات السوداء على الخيم شبه الخالية في توقيت ما قبل التظاهر، فحطمت الأعمدة ومزقت الأقمشة، لكن ظلال الفارين منها طاردت نفوس المغيرين عليها، وغرزت بصماتها في ضوضائهم. فلما عاد المتظاهرون إلى الساحات، تمددت ظلالهم إلى أوسع من الأصل، وشكلت متراساً لا يخترقه الرصاص، ولا يشرده الخوف. تلك أيام أصبحت فعلاً من أيام العرب، إذا غابت عن العيون دامت في الوعي والوجدان، تماماً كقول الشاعر: ألْجِسْمُ أقْوَى وَيَفْنَى والرسْمُ أوْهى وَيَبْقَىأسبوعان مدهشان، أنجز فيهما الحَراكُ العامُّ ما هو أبعدُ من الثورة، إذ راعَ المسؤولين والسياسيين بأن شنَّ على صحوهم ومنامهم أعلامًا لبنانيةً بمئاتِ الآلاف، تَوطَّنَتْ هواجسَهم وأرَّقَت أحلامَهم والنظرات، وجعلتهم يقيمون وزناً هائلاً لأولئك الخارجين هَوْناً من بيوتهم وأعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم و"بطالتهم"، الداخلين إلى لحظةٍ تاريخيّةٍ مذهلة من بوابة الغريزة الوطنية التي وأدتِ الغرائز الأخرى وأوصدَت كُوى عصبياتها؛ الذين شكلوا حبلاً حرًّا وحيويًّا من الأيادي المتشابكة، طوَّقَ الحضرة السياسية بأوثقَ من الأطواق الأمنية وأمتنَ من الفوضى الثورية... الذين سيعودون غدًا إلى يومياتهم، ولكن بعدما خلَّفوا مكانهم أَخْيِلَتُهُمْ العملاقة العصَّيةَ على الإرهاب الأسود وحفَروا آثار أصابعهم على رقاب من أمسكوا برقبة الدولة في صلافة وعجرفة وقلة دراية لا شبيه لها، فأوصلوا الوطن إلى شفير الهاوية.لا تلام الأشرعة على أنواعها، إذا أقلعت عند هبوب الريح. والريحُ أصلًا لا تُنسب إلى شراعٍ، فإن لها صاحباً هو الذي نفخ فيها بكل ما أوتيَ من أفواه، وما تركز في الشعب من معاناة تجاه طبقةٍ فشلت في إطفاء الحرائق، ومعالجة الفيضان، وتأمين الكهرباء...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم