الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

انسحاب ترامب من سوريا... هديّة مكلفة لبوتين؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
انسحاب ترامب من سوريا... هديّة مكلفة لبوتين؟
انسحاب ترامب من سوريا... هديّة مكلفة لبوتين؟
A+ A-

بدءاً بإيران مروراً بداعش وصولاً إلى تركيا، تنوّعت الأطراف القادرة على الاستفادة، ولو بشكل متفاوت، من الخطوة الأميركيّة. لكن في مقدّمة هؤلاء اللاعبين، يقف الروس منتظرين استكمال تعزيز سيطرتهم على الساحة السوريّة. استمرّ الديموقراطيّون في اتّهام ترامب ب "تنفيذ أجندات" الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين وهو سياق دأب هؤلاء على اتّباعه منذ وصوله إلى البيت الأبيض مع اتّهامه ب "التواطؤ" مع الروس.

"صفقة قرن" خاصّة بروسيا

بحسب القراءات الأوّليّة للحدث، يخدم القرار الأميركيّ توسيع نفوذ الروس بعد إرساء "تغيير جذريّ في موازين القوى". بات الأكراد مضطرين لتأمين أنفسهم من الهجوم التركيّ ولذلك أصبحت الطريق نحو دمشق سالكة أكثر تحت الرعاية الروسيّة. كذلك، اضطر الأتراك إلى تنسيق تحرّكهم العسكريّ في شمال شرق سوريا مع موسكو. واتّفاق سوتشي الذي توصّل إليه بوتين مع نظيره التركيّ رجب طيب إردوغان الأسبوع الماضي هو النتيجة الأولى للانسحاب الأميركيّ.

الانتقادات التي طالت ترامب لم تأت من الكونغرس أو الداخل الأميركيّ وحسب. لم يكتم الأوروبّيّين امتعاضاتهم في هذا الخصوص. لكنّ هؤلاء لا يملكون وزناً كافياً لفرض رؤيتهم في سوريا، وتحديداً على تركيا. بحسب باتريك وينتور في صحيفة "ذا غارديان"، لا يملك الأوروبيون جيشاً على الأرض، بعكس الروس والإيرانيّين وهذا ما سيدفع إردوغان للنظر إلى موسكو وطهران في تحرّكاته المقبلة لا إلى الغرب. بالنسبة إلى الكاتب نفسه، سيعمل الرئيس الروسيّ على تحقيق "صفقة القرن" الخاصة به، وهي إحلال السلام بين دمشق وأنقرة والأكراد.

هدايا

لا تقتصر طموحات بوتين على هذه الجزئيّة في "الصفقة" المذكورة. يريد الرئيس الروسيّ أن تشمل أيضاً إعادة الشرعيّة بشكل كامل إلى الرئيس السوريّ بشّار الأسد مع ما يعنيه ذلك من تحويل أموال المجتمع الدوليّ إلى سوريا لإطلاق عجلة إعادة الإعمار. وهذا وحده تحدٍّ بارز للكرملين.

في 15 تشرين الأول، عنون مراسلون لصحيفة "نيويورك تايمس" تقريرهم عن قرار الرئيس الأميركي بأنّ "روسيا مسرورة بملء فراغ أميركيّ" في سوريا. ونقلوا عن خبير شؤون الشرق الأوسط في المعهد الأوروبّي التابع ل "أكاديمية العلوم الروسية" في موسكو ألكسندر شوميلين قوله إنّ الخطوة الأميركيّة "هديّة غير متوقّعة لبوتين".

ومع ذلك، ليس ضروريّاً أن تكون كلّ هديّة مناسبة للشخص الذي يتلقّاها. يمكن فهم ذلك من خلال التحليلات التي طرحها مراقبون آخرون علماً أنّها منتقدة في جوهرها لخطوة ترامب. في 21 تشرين الأوّل، سأل مات بيفان، مقدّم برنامج صوتيّ يُعنى بالشؤون الروسيّة على شبكة "أي بي سي" الأوسترالية، عمّن "يجني ثمار فوضى دونالد ترامب في سوريا وأوكرانيا". كتب بيفان أنّ بوتين كان يعاني من تراجع شعبيّته في الداخل بعدما أقرّ قانوناً يرفع سنّ التقاعد لخمس سنوات.

لكن بحسب الكاتب، ساعد ترامب بوتين بعدما تسبّبت أزمة مضمون الاتّصال بالرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي بتراجع شعبيّته ممّا دفعه إلى الانفتاح أكثر على اتّفاق جديد مع الروس. أمّا سحب القوّات الأميركيّة والسماح لإردوغان باجتياح شمال شرق سوريا "كان تغييراً جوهريّاً في ميزان القوى في المنطقة"، لصالح روسيا. واستشهد بإحدى الصحف الروسيّة التي وصفت "خطأ" ترامب بأنّه "فوز يانصيب غير متوقّع لروسيا".

أسئلة كثيرة

"الفوضى" في أسلوب ترامب وطريقته باتّخاذ القرارات، ليست بعيدة ممّا تعانيه سوريا بعد ثماني سنوات على الحرب. صحيح أنّ بوتين فرض الأمن على مساحة شاسعة من البلاد. لكنّ حجم الملفّات العالقة والمتداخلة يصعّب عليه الانتقال من الحلّ العسكريّ غير المكتمل أصلاً إلى الحلّ السياسيّ. وإذا كان ترامب قد ترك الملفّ السوريّ فعلاً لبوتين فإنّ هذا الملفّ ليس سهل الإدارة وفقاً لما أثبتته الأحداث منذ بدأت ملامح الانتصار العسكريّ النهائيّ تتشكّل في سوريا بعد سقوط حلب. انطلاقاً من هذه الزاوية، حلّل وزير الشؤون الأوروبية السابق في البرتغال والباحث البارز في معهد "هيودسن" الأميركي برونو ماسايس تطوّرَ الأوضاع بالنسبة إلى الكرملين بعد قرار ترامب، في صحيفة "موسكو تايمس".

أكد ماسايس أنّ "بوتين يمتلك الآن الفوضى السوريّة". ولعلّ تساؤله التالي يعطي فكرة مغايرة عن "الانتصار الروسيّ" الذي تحدّث عنه نقّاد ترامب بشكل مطلق: "إذا كانت روسيا تحت واجب إنشاء نظام سياسيّ جديد في سوريا، فما الذي يدفعنا إلى الاعتقاد بأنّها على قدر المهمّة وراغبة بدفع الأكلاف المرتبطة – في حين أنّ حتى الولايات المتّحدة عاجزة عن خلق النظام ولا ترى منافع في القيام بذلك؟"

إنّ إخلاء الساحة لبوتين يعني بطريقة آليّة زيادة المسؤوليّة الروسيّة في إيجاد الحلول للمشاكل المنتشرة في سوريا. وإذا كان التركيز الإعلاميّ حاليّاً واقعاً على إيجاد صيغة تقرّب دمشق وأنقرة والأكراد من بعضهم، فإنّ المشاكل الأخرى كمنع قيام حرب بين إسرائيل وإيران انطلاقاً من الأراضي السوريّة ورفع العقوبات عن حكومة دمشق، ليست ثانويّة على الإطلاق. على أيّ حال، حتى الانسحاب الأميركيّ لم يكن كاملاً. أبقى ترامب على قوّاته في قاعدة التنف، وأبقى على عناصر أخرى ل "حماية" آبار النفط في أقصى الشرق السوريّ.

فهل فعلاً كان انسحاب القوّات الأميركيّة - الأشبه بإعادة تموضع - هديّة لبوتين؟ وهل سيكون بإمكانه تحمّل كلفة الحفاظ عليها في المدى البعيد؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم