الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

انتفاضة الثورة الدستورية

ساندرا عيد – إعلامية وباحثة أكاديمية
انتفاضة الثورة الدستورية
انتفاضة الثورة الدستورية
A+ A-

إنّ انتفاضة لبنان العدالة الاجتماعية والثورة الدستوريّة تُعتبر أغورا AGORA من نوع آخر ، انطلقت من ساحات لبنان المتّحدة تثور تمهيدًا لمأسسة لبنان أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار. هذه هي مواطنيّتي، شرعتي، شريعتي، أنحني أمام قدميها، أقبّلُ وجعَها، أتمسّكُ بها وحدها راعيتي، حضانتي، حصانتي وسلطتي، هذه المواطنيّةٌ اللبّنانيّةٌ مفخرةٌ للعالم، أفاقت من رحم الأحزان، أقبّلُ جبينَها، أسكبُ الطيبَ على قدميها وأرتعبُ عليها من مواطنيّة مشبوهة، أخشى عليها من التقليد أو من بدائل مطبوخة سلفًا لإجهاضها فيُخطًفُ منها حلمُ مواطنة تنبع من ثورة دستوريّة، ثارت أوّلاً على ذاتها وفي طور أن تخلع عنها هويّات مدمّرة للذات الإنسانيّة.

من الواضح أنّ مسار هذه المواطنة يؤشّر إلى رغبة صادقة للانخراط في مشروع حداثويّ أصيل لصياغة الاستقلال الثاني للبنان على وقع سمفونيّة ثقافية عالميّة لكن بتوقيت لبنانيّ هذه المرّة، فاجأ طقمه السياسيّ القديم أوّلاً ، ثمّ أدهش المجتمع الدولي المتفرّج الذي صنّف انتفاضة 17 تشرين الأول بأنّها الأعظم في العالم.

الناس الشرفاء في الشوارع يريدون دولة المؤسسات لا المزارع، وقد نجحوا حتى السّاعة في إحباط مؤامرة من راهنوا على أن ثورتهم غير شريفة. هذه الانتفاضة الشعبية تمثّل النخب في البلد من فلاحين، فنّانين، رأسماليين، مثقّفين وأكاديميين وطلاب وتلامذة، بذات الخطاب والسّلوك الراقي، وهي أيضا انتفاضة الموجوعين، والمسنّين، والأمهات الثكالى المرعوبات على تماسك أسرتهنّ ومستقبل أبنائهنّ . هذه الانتفاضة ثورة حقوقية بامتياز حيث لكلّ مواطن قضية مطلبية محقّة ... أما كلّ الوفود الاضافية المنضمّة إلى الانتفاضة والمندّدة بكل احتمالات همجيّة تمسّ بحضاريّتها فهي جزء عميق من شعب الحداثة والحضارة. لقد تحوّلت هذه الانتفاضة إلى صرخة أبعد من مجرّد القضاء على الفقر والجوع والحقّ بصحة جيدة وببيئة نظيفة وبسياسة عادلة تضمن حقوق الإنسان، فهذه مطالب البديهيّات المحقّة والمنهوبة التي يمكن أن نختصرها بتحقيق خطة 2030 أي أهداف التنمية المستدامة الـ 17 التي أقرّتها منظمة الأمم المتحدة كقاعدة أساسية لقيام دولة مدنية بمواصفات مواطنة عالمية. تاريخ لبنان يشهد على ولادة برعم مواطنة من نوع آخر، سيتفتّح يوماً بعد يوم، وممنوع المسّ بهذا التحوّل المقدّس من قبل فاسدين يُفترض أن يكون مصيرهم خلف قضبان الحديد... هذه الانتفاضة تطالب بمؤسسات دستوريّة تحترم سلطة الشّعب اللبناني العظيم الطامح إلى تأسيس نهج سياسي قضاؤه نزيه في جمهوريّة ديناميكيّة تباشر فورًا بمحاربة الفساد على كلّ المستويات الدستوريّة.

هي انتفاضة لبنان العدالة الاجتماعية والثورة الدستورية، تطالب اليوم باستعادة هيبة لبنان الشرائع، من ساحة الشهداء إلى كلّ الساحات، تتَمرفز (من كلمة metamorphose أي بمعنى تتحوّل) إلى أغورا AGORA لبنانية عبر منصّات مفتوحة للتّثاقف فنًّا، علومًا وتبادلاً لخبرات ولتجارب إيجابية، هي مانيفستو لبنان الجديد على قواعد مدرسة ديمقراطية بإمكانها أن تتفوّق دون أدنى شكّ على الـ AGORA اليونانية التي لم تنجح بعد في فضّ حكم السّفسطة الذي يحكم عالمنا حتى اليوم... لبنان بساحاته اللبنانيّة يحضّر لـ AGORA جديدة تُثري المواطنة العالمية وتكون درسًا يحمل عنوان "هكذا تستعيد الشعوب سلطتها"... فمن الشوارع ومن الساحات العامة ولدت الدول التي وافق الناس أن يأتمنوها على حقوقهم المدنية. ألم تنشأ قواعد الديمقراطيّة من الشوارع والسّاحات بفضل التواصل المباشر والحوار والتلاقي والمحاججة؟ إنّ فكرة الجمهوريّة أفرزها الشّارع بإرادة شعبيّة على أسس دستوريّة حفظت روح المطالب الشعبية المحقّة، لأنّ المواطنة الناطقة باسم شرعيّة مطالبها الحقوقيّة هي مصدر مشرّف لكلّ السّلطات. حيث تمتثل كلّ الأحزاب للمنطق الدستوري وتحت سلطة القضاء التي أقرّ الناس بشرعيتها أولاً ووافقوا عليها. وقد وصلت الانتفاضة الآن إلى مرحلة صار لزامًا أن نسأل بعمق "أيّ مواطنة نريد؟" ، لأنّه ويلٌ لأمّة نصفُ شعبها يشتم نصفَها الآخر وأولاد "بيّ الكلّ" يتخاصمون... فأيّ مواطنية تريدون يا أيّها الذين تقبلون بالعودة إلى أعمالكم ونصفكم الآخر في الشّارع يطالب بإنقاذ وطن في العناية الفائقة؟؟؟ لا قيمة لوطن رجال الأعمال فيه جيوبهم أهم من حقوق الموظفين في مؤسّساتهم وهي حقوق تنبع أوّلاً من احترام حقوقهم كمواطنين. لا لوطن يُلغي فيه نصفُ أبنائه نصفَ أبنائه الآخرين من فلاّحين، فنّانين، رأسماليين، أكاديميين، مسنّين، طلاّب وتلامذة ... فتصير المطالبة بفتح الطّرق نكاية أكثر مما هي دراية بقدسيّة ما يتحوّل على صعيد الوعي المواطنيّ وهو وعي ينسجم مع مواطنة الإمام موسى الصّدر، والامام علي بن أبي طالب، والمطران الأحمر غريغوار حدّاد، ... وتطول اللَائحة بشخصيات عظيمة ناشدت ما تطالب به الانتفاضة اليوم من خلال قيام دولة مدنيّة، أي ولادة مواطنيّة حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية انطلاقاً من تطبيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر والتي تختصر كلّ المطالب التي ناشدتها انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 .. لكن في المقابل، هناك حاجة ماسّة الى بلورة "وثيقة الانتفاضة والتّغيير" من خلال خلق منصّة رسميّة، تجمع المطالب وتبلور أولوياتها القريبة، المتوسطة والبعيدة. لذا من المهم توحيد بوصلة الانتفاضة والمطالبة بمؤسسات دستورية تحترم سلطة الشّعب اللبناني العظيم، فالجميع تحت سقف القانون ومعظم الأحزاب السياسية الحالية، غير بريئة، ولا تشكّل حصانة لتأسيس تغيير جذري على صعيد النهج السياسي، فالعمل الحزبي مطالب بأن يعكس حلّة جديدة في عمله الديمقراطي انطلاقاً من مقاربات تنموية مستدامة تؤسّس فعلاً للبنان الحداثة وتفضّ منطق السياسة القائمة على المحاصصة وحكم الوراثة والتوريث، وعليه فإنّ مضمون وثيقة الانتفاضة والتغيير يفترض أن يعكس هذا النهج السّياسي الجديد الذي يطمح اليه، والذي يفسح المجال للجيل الجديد والمستقلّ بأن يتمثّل فيه تحت مظلّة سلطة قضائية جديرة بالثّقة ومنزّهة عن الاصطفافات السياسية الانتهازيّة. هذه الانتفاضة تطالب بمواطنية لبنانية تقود بوصلة المسار السياسي الجديد، تنبع من روح الثورة الدستوريّة أي حقوق الإنسان، وتندّد بسلطة قضائيّة استنسابيّة، حيث القوى السياسية الجديدة داخل السلطة (التكنوقراط) يجب أن يشكّلوا ضمانة وصيانة لعمل المؤسسات الدستورية . فهذه الانتفاضة التاريخية تستدعي مواقف تاريخية تليق بمستقبل شعبه االعظيم . لذا وحرصًا على تحصينها من استغلالات من قبل فاسدين، لا بدّ من البدء بآلية واضحة لذلك، واتخاذ خطوات عملية وسريعة، تقسّم على مراحل: قصيرة، متوسطة وبعيدة المدى، ضمن أولويّات متصاعدة وتصعيديّة تضمن هيبة الانتفاضة واستمرارها بشكل منظّم وضمن روزنامة عمل موحّدة... لذا هناك اقتراحات قيد البلورة وذات اجتهادات فكرية تعكس روحيّة الانتفاضة الشريفة، ستكون بالمرصاد لكلّ محاولات انتهازيّة تحاول أخذ قدسية روح التغيير باتجاه بوصلتها السياسية الضيقة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم