الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

في طرابلس "ساحة ومساحة" تنشر الثقافة السياسيّة... كيف يولد نظام جديد؟ (صور)

المصدر: طرابلس- "النهار"
جودي الأسمر
في طرابلس "ساحة ومساحة" تنشر الثقافة السياسيّة... كيف يولد نظام جديد؟ (صور)
في طرابلس "ساحة ومساحة" تنشر الثقافة السياسيّة... كيف يولد نظام جديد؟ (صور)
A+ A-

يخوض الشباب اللبناني المعركة الأكثر ضراوة. هي معركة ضدّ سلطة كاملة، بآفاتها الّتي تتفعّل في كلّ المؤسّسات بأخطبوطيّة مستشرية، ليس فقط في تفرعاتها، بل أيضًا في التصاق تفرعاتها بكلّ مؤسسة، بدءًا من "العهد" وصولًا إلى أصغر إدارة محلية، لطالما أوحت بأنها عصيّة على التّغيير.

الثّورة الّتي تعبّر عن إرادة التّغيير، وإمكانيّة حدوثه، وقعت. ولكن، "كيف" السبيل إليه؟ سؤال لا يغادر متظاهرين يتّضح بأنّهم يشكّلون شريحة واسعة من شباب طرابلس المنتفض. "مع تنضيج الفورة إلى ثورة"، رفعتها الشابة نرمين العويك في طرابلس، تنضمّ لرغبة شباب كثر بالتّنوير السياسي. ففي معرفة السّياسة ـ أي "فنّ الممكن"ـ تولد إمكانية التّغيير.

"ساحة ومساحة" لأجل التنوير السياسي

على مقربة من الصبيّة، كان شباب ينصبون خيمة "ساحة ومساحة"، حيث يقبضون على ضالّتهم المعرفيّة. ففي كلّ مساء من مساءات الثورة، منذ يومها الخامس، يتّخذ هؤلاء زاويتهم في إحدى تفرعات ساحة النور صوب المعرض، حيث نصبوا على العشب اليابس خيمة أطلقوا دعوتها على صفحتهم Global Shapers Tripoli- LB بعبارة "نصبنا خيمة بالساحة لنعطي للنقاش مساحة".

في البدء، ضمّت الحلقة خمسة شباب، ثمّ تعاظم الأثر ككرة الثّلج، ليضمّ الحوار أكثر من 100 شاب وصبيّة لم تعد كراسي الخيمة تستوعب أعدادهم.

الأذهان كلّها مشدودة صوب الحوار الّذي ينطلق منذ الخامسة بعد الظهر وقد يستمرّ حتى الثامنة مساء. في الوسط، يقف مؤسّس المبادرة "عبيدة تكريتي"، (سياسة عامة- الجامعة الأميركية في بيروت) بالميكروفون، لتيسير النّقاش وتلخيص المخرجات. بعد انتهاء الحلقة حول "ماهية السياسة"، يوضح لـ"النهار" الأسئلة الّتي تناولها الشّباب "ما هو الحراك؟"، "ما الفارق بين الحراك والثورة؟"، "ما هي نقاط قوة الشعب ونقاط قوة السلطة؟"، و"ما هي الخدمة العامة؟"، مضيفًا: "خلصنا اليوم إلى أنّنا لا نستطيع استعادة السلطة السياسية سوى بممارستها على النطاق الشخصي، والعائلي، ونطاق مكان العمل والحيّ. السياسة بمفهومنا إدارة شؤون الناس، والإدارة تتدرج من الشؤون الخاصة حتى الأكثر عمومية. كلّ فرد منّا بالنتيجة سياسي، وكل سياسي هو خادم للشعب".

يضيف "عبد الرحمن الأيوبي" في الاتجاه نفسه، بأنّ "ساحة ومساحة" تحاول إزاحة هالة الغموض المحاطة بالسياسة "اليوم الأول، استلمتْ في طرابلس التنظيم والأمن والمساعدات اللوجستية لجان عديدة. لكن ثمّة واجباً توعويّاً في التنشئة المدنية والسياسة، مناطٌ بنا كشباب جامعيّ ومسؤول. أنشأنا الخيمة كملتقى لهذه الشريحة من الشباب لنحاول الرّد على تعطّشهم في المعرفة السياسية". وتلاحظ نجوى سحمراني بأنّ الشّباب هنا يكتشفون تقاربًا كبيرًا في أسئلتهم وأحلامهم "لذلك يشعر المشاركون بأنّه نقاش عائلي، علمًا بأنّ الغالبيّة لا صلة ببعضهم سابقًا. لكن التّجانس في المطالب والتوجهات أثمر عن هذه الروحية".

كيف السبيل إلى خلق نظام جديد؟

"ماذا لو كان لدينا طاقم سياسي شاب مثقف نظيف كفؤ؟" سؤال طرحه جبران تويني قبل نحو 15 سنة. في ثورة طرابلس، ينشغل شباب بالإجابة على سؤاله الّذي ينبغي أن يحلّ بمثابة ثمرة هذه الثورة.

النّقاش الّذي كشف عن تنوّع في الأفكار، حول كيفية استعادة الدور السياسي للشباب، يشي بأن هذا التنوع مؤهّل للتكامل ضمن خطة عمل دامجة.

فمحمّد يرى بأنّ الشباب يجب أن يبادر للمحاسبة، وهو لم يتعلّم كيفيّة أن يحاسب. مشيرًا إلى أنّ مناهج التربية الوطنية في المدارس تطرح أفكارًا طوباوية وجامدة تفتقد لمحاكاة الواقع.

أمّا ريم، فتعتبر بأنّ المجتمع اللبناني لا يشكّل بيئة مساعدة لإيصال الشباب الكفوء إلى مواقع القرار: "الخيار البديل لم يُتح وصوله للمراكز النافذة. كلّ مرة، قبل الانتخابات، تطرح أسماء من المجتمع المدني والشباب المتحمس وقد يكونون على مستوى عالٍ من الكفاءة ونظافة الكف، لكن الناس لا يعرفونهم، والثقافة السائدة ليست مهيأة لدعمهم. لذلك، ودائماً، نحن كمجتمع نولي مساحة القرار للسلطة القائمة ولا نجتهد لتمكين القادة الشباب من الوصول للسلطة".

لكن عنفوان يرى بأنّ العلمانية هي الحلّ الأساس، في نظام جعل الطائفية السياسية غطاءً لموبقات الفساد: "لا نستطيع أن نقوم بإصلاح سياسي قبل فصل الدين عن الدولة. أي سياسي يتورط في ملف فساد يختبئ تلقائياً في العباءة الدينية. يجب أن نبعد رجال الدين عن الدولة".

وفي نفس الإطار الإصلاحي للتركيبة السياسية، يضيف سامي أولوية استحداث "نظام انتخابي جديد يتيح الفرصة التغييرية للطاقم البديل الذي يكرّس صلاحياته التشريعية لتطهير المرافق العامة ومؤسسات الدولة. هذا القانون، يجب أن يكون خارج القيد الطائفي".

الشباب يعرّون السياسة من ردائها الترهيبي

يفهم الشباب ويفخر بأنّ قيام الثورة ـ كخطوة أولى ـ أطاح بتصنيم السياسة ورموزها الطوائفية. صاروا قادرين على فهم مفاصل هذا النظام المتصدع وتفكيك براغيه. شبح الخوف من السياسة اختفى لدى هؤلاء الشباب التائقين إلى معرفة إضافية في السياسة، ليخوضوا في معتركها من جوف أدواتها. هذه المعادلة ينقلها يوسف في استنتاجه: "كنا دائماً نتهرب من المشاركة السياسية، فنؤسس جمعيات غير سياسية لأننا نخاف السياسة. لكننا اليوم نفهم بأن المشاركة بالعمل السياسي واجب، لكي نكون ليس فقط جزءًا من الحراك، بل جزء لخطة بديلة لبناء دولة أفضل".

لقد أوحى النظام اللبناني لعقود طويلة بأنّ دخول معترك السياسة حكر على زمرة من الفاسدين، وأمراء الحروب، أو خطوة غير موفّقة ستفسد سمعة من دخلها، المحكوم سلفًا بالوصولية.

اليوم، تستمرّ حلقات "ساحة ومساحة" مثل "ِAgora" طرابلسية يتناول ضمنها الشباب التعريفات العلميّة والعمليّة لشؤون السياسة. هذه المساحة، حيث الاختلاف البنّاء والتنوير والثقافة واستشراف المستقبل، أنشأت عينة مصغرة عن دولة عصرية، تكنوقراط. لكلّ متطوع دوره، ضمن اختصاصه. أعدّوا مثلاً "الدستور"، و"إتفاق الطائف"، وغيرها من ركائز الدولة، على "باركود" يحملها الشباب على موبايلاتهم. الصفحة الافتراضية للمساحة تتفعّل بتصاميم غرافيك مواكبة للثورة، تصنعها الشابة نور عرب بشعارات جاذبة وألوان العلم اللبناني.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم