الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أي خاصية قد تمكّن داعش من تخطي مقتل البغدادي؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
أي خاصية قد تمكّن داعش من تخطي مقتل البغدادي؟
أي خاصية قد تمكّن داعش من تخطي مقتل البغدادي؟
A+ A-

اضطرّت "النصرة" إلى تقديم نفسها بغلاف جديد فأعلنت أنّها فكّت ارتباطها بالتنظيم الأم وتأسّست على أطلالها "هيئة تحرير الشام". وعلى الرغم من أنّ جميع المتخصّصين في شؤون الحركات الإرهابيّة ينفون تخلّي "الهيئة" عن روابطها مع "القاعدة"، يبقى أنّ الأخيرة خسرت الكثير من قوّتها وانتشارها في إدلب. وتلقّى تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" ضربة قويّة في اليمن وخصوصاً في حضرموت وشبوة وأبين على يد القوّات المدعومة من التحالف العربي.

صراع على السلطة

غالباً ما يترك مقتل رؤساء التنظيمات الإرهابيّة فراغاً أو صراعاً كبيراً على السلطة، وهذا ما حصل مع "القاعدة" حيث يبدو أنّ أيمن الظواهري يواجه معارضة داخليّة، في وقت برز رهان سابق على حمزة بن لادن ليكون القائد المستقبليّ. من جهته، بنى داعش عقيدته على احتلال الأراضي لتأسيس "خلافة" مزعومة تكون منطلقاً لتجنيد وشنّ الاعتداءات في العالمين العربي والغربي.

بذلك، سبق أن خسر أوّل مصدر قوّة له بعد تدمير العنصر "المادّي" من "خلافته" تحت وطأة ضربات التحالف الدوليّ المناهض لداعش بشكل أساسيّ. بقي العنصر "الافتراضيّ" الذي يغذّي من خلاله الأفكار المتطرّفة في صفوف المتعاطفين معه على وسائل التواصل الاجتماعيّ والشبكة العنكبوتيّة، علماً أنّ هذا الملعب متقلّص إلى حدّ كبير أيضاً.

فقد التنظيم عناصر الترابط بين جهاديّيه منذ فترة طويلة، على الرغم من أنّ البغدادي حاول أن يظهر نفسه في الفيديو الأخير له (نيسان 2019) بأنّه لا يزال يتولّى زمام الأمور. في ذلك الوقت، رحّب البغدادي بالمنتسبين الجدد للتنظيم في مالي وبوركينا فاسو وسري لانكا وغيرها من الدول. إلّا أنّ اضطراره للتنقّل والتخفّي والاستعانة بمجموعة ضئيلة موالية له حجّم كثيراً قدرته على التواصل مع المقاتلين. وكما كان الوضع مع "القاعدة" لجهة غياب الاستقرار على مستوى القيادة، كذلك كانت الحال مع البغدادي.

في نيسان أيضاً، نقلت صحيفة "الغارديان" البريطانيّة عن مسؤولين في العراق وأوروبا اعتقادهم بنشوء عدد من محاولات الإطاحة بالبغدادي خلال الأشهر الست الأولى من السنة الحالية وأنّ "أبو محمد حسين الهاشمي" يبقى تهديداً جدياً لقيادته. وفي آذار، نشر الأخير كتاباً إلكترونيّاً بعنوان "كفوا الأيادي عن بيعة البغدادي" يتّهمه فيه بالسلوك القمعيّ والاستبداديّ والذي رأى بأنّه تسبّب بانهيار التنظيم. وقتل داعش "أبو يعقوب المقدسي" بسبب صداقته مع "المجرم" الهاشمي وفقاً لبيانه.

"ليس مجموعة إرهابية فقط"

إذا صحّ حدوث محاولات انقلاب ضدّ البغدادي في الآونة الأخيرة فمعنى ذلك أنّ أهمّيّته تضاءلت بشكل قد لا يترك مقتله أثراً كبيراً على القيادة التنظيميّة لداعش. ذكر جوزف كروس في وكالة "أسوشييتد برس" أنّ العديد من نوّاب ومساعدي البغدادي قُتلوا الأمر الذي يمكنه أن يُدخل قادة التنظيم في صراع داخليّ ممّا قد يضعفه أكثر. لكنّ ذلك لا يلغي احتمالاً آخر وفقاً للكاتب نفسه يتجلّى في بروز زعيم جديد للتنظيم عقب هربه من السجون الكرديّة بسبب الهجوم التركيّ الأخير، وذلك بعد أن يكون قد جنّد بهدوء مناصرين له بين جدرانها، كما فعل البغدادي ذات مرّة حين سُجن لفترة قصيرة سنة 2004.

ما يؤكّد مخاوف كهذه هو أنّ تضاؤل أهمية البغدادي في داعش يعني أنّ التنظيم قادر على أن يتطوّر ويتكيّف مع المعطيات الجديدة بعيداً من توجيهات أيّ زعيم. وهذا ما يشير إليه مراسل شؤون الأمن القومي في مجلّة "تايم" الأميركيّة دبليو جاي هينيغن الذي ذكر وجود 14 فرع لداعش عبر آسيا وأفريقيا. ونقل عن مايكل ناغاتا، القائد السابق للعمليّات الخاصّة في الشرق الأوسط سنة 2014، قوله إنّ مقتل البغدادي "ليس ضربة كارثيّة لنوعيّة القيادة في داعش" التي وصفها بأنّها "غير مسبوقة لهذا النوع من المجموعات الإرهابيّة". أمّا محلّل "سي آي أي" السابق أكي بيريتز فأجاب بأنّه "من الجيّد إزالة القائد، لكنّ (التنظيم) ليس (عبارة عن) مجموعة إرهابيّة فقط – إنّه عقيدة أيضاً."


مرونة بيروقراطيّة؟

من جهة أخرى، قد يكون هنالك حدود، ولو موقتة، للمرونة التي سيتمتّع بها داعش بعد مقتل البغدادي. بحسب بول كرويكشنك، محلّل شؤون الإرهاب في شبكة "سي أن أن"، قد يكون للتنظيم الإرهابي خطة لتسليم القيادة إلى خلف له. لكنّ هذا الخلف لن يكون معروفاً إلّا لفئة قليلة من العناصر، بالتالي، بغضّ النظر عن اسم الخلف، سيتمتّع الأخير بشهرة قليلة بين المتطرّفين على المستوى العالميّ، وهذا يفرض تحدّياً على قدرة داعش في إلهام الأعمال الإرهابية.

لكن إذا نجح الخلف في استقطاب بعض الإرهابيّين ليشنّوا اعتداءات حول العالم فيمكن عندئذ أن يبني شهرة لدى المتطرّفين بسرعة نسبيّة. وهذا ما انطبق على البغدادي الذي تتداول تقارير أنه كان خجولاً في شبابه. ومع ذلك، تمكّن من جذب المتمرّدين الإرهابيّين إلى جانبه مع نشره القتل والدمار. وحتى ولو لم ينجح في هذا الهدف، يمكن أن يكون البغدادي قد ترك التنظيم تحت قيادة موسّعة هي التي تستلم زمام القيادة بشكل جدّيّ.

يقول الباحث في برنامج التطرّف والإرهاب الدوليّ في "معهد الدراسات السياسيّة الدوليّة" في ميلان الدكتور فرنشيسكو مارونه إنّ تنظيم داعش أصبح تحت حكم البغدادي، "منظّمة بيروقراطية ضخمة، لا تحتاج إلى تقديس شخصية القائد للحفاظ على تماسكها". فهل هذه الخاصّيّة هي التي ستمكّن داعش من الاستمرار بعد مقتل البغدادي؟


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم