الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"الدويلة" التي استولت على الدولة

زياد ضاهر - عضو المكتب السياسي لـ"تيار المستقبل"
"الدويلة" التي استولت على الدولة
"الدويلة" التي استولت على الدولة
A+ A-

نعم للثورة ومطالبها المحقة التي طاولت كل مجالات الحياة، من الصحه الى التربية الى الاقتصاد وفرص العمل الى الضرائب وغيرها، غاب عن الحراك الشعبي ما كان هو السبب الأساسي في منع حصول كل ما أوردوه في خانة المطالب.

لقد جافى الحراك وشعاراته المطالبة بالدولة، والقضاء على الدويلة، لقد ابتعدوا عما كان يشكل 80 % من التأثير السلبي على مسار بناء الدولة وتوفير تلك المطالب حيث أنها من مسؤولياتها حصرا.

ان ثورة 17 تشرين الأول 2019 تشكل منعطفا في تاريخ البلاد، وهي حركة مطلبية اجتماعية وتكاد أن تمثل انفجارا اجتماعيا لم يسبق للبلاد أن واجهت مثيلا له.

ولمزيد من الفهم لهذه الأحداث، لا بد من قراءة ما سبق من تراكمات و الاجابهةعن سؤال لماذا حصل ما حصل؟

في 14 شباط 2005 أغتيل الشهيد رفيق الحريري الذي شكل حجر أساس لانطلاقة ثورة الأرز في 14 آذار 2005 التي مثلت ثورة سياسية مبدئية، واجهت الاحتلال السوري والدويلة داخل الدولة تحت عناوين السيادة والحرية والاستقلال بصيغة وطنية. ووجهت هذه الثورة بالاغتيالات والتفجيرات وتصفية العديد من قياداتها، فتعرضت لـ 16 تفجيراً، نجا منها 4 شخصيات واستشهدت 9 قيادات سياسية و3 من القيادات الأمنية وعشرات الشهداء والجرحى من المدنيين.

شكل اغتيال رفيق الحريري واندلاع ثورة الأرز سببا لتحرير لبنان من الوجود العسكري السوري بعد 30 عاماً من الهيمنة. ولاسباب كثيرة بعضها تتحمل مسؤوليته الخيارات السياسية لحركة 14 آذار والبعض الآخر يندرج في ضعف الموقف الدولي الذي يشوبه الكثير من تبدل المصالح، وبالنتيجة أخفقت تلك الثورة فيانجاز معركتها مع الدويلة. ودخلت معها في تموضع بين ربط نزاع وتسويات استنزفتها سياسيا وشعبيا وأرهقت البلاد وزادت من أعبائها.

منذ عام 2005 الى اليوم لم يتحقق مبدأ قيام الدولة الراعية والعادلة التي تتولى شؤون المواطن وتوفر له الحياة الكريمة وتحمي حقوقه. كان العائق الاساسي متمثلاً في "السلاح غير الشرعي" و"فائض القوة" الذي مارسه "حزب الله" وحلفاؤه في الادارة اليومية للحياة السياسية في لبنان، من تعطيل نتائج الانتخابات في 2005 و 2009 والتمديد لمجلس النواب، وتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية والتدخل في القضاء، الى فقدان الدولة للسيطرة على المعابر الشرعية في المطار والمرافئ وعلى الحدود البرية، اضافة الى تعطيل تشكيل الحكومات المتعاقبة واسقاط حكومة الوحدة الوطنية عام 2011. عدا سياسة الاستئثار بالقرار في الوزارات التى تولاها الفريق الذي مارس فائض قوته في كل المجالات.

تراكمت الأزمات و تأجلت الحلول وافاد الفاسدون من ضعف الدولة وترهلها، في بلد يعتمد على الاستقرار والامن ليقدم الخدمات في اقتصاد لم يتمكن من مواكبة المتغيرات وأثقل بالازمات المتتالية، وليس آخرها أزمة النزوح السوري. تزايدت الأعباء على المواطن في غياب فرص الاستثمار، وزاد عدد العاطلين عن العمل والبطالة المقنعة. وبذلك اكتملت شروط الانفجار الاجتماعي الذي نعيشه اليوم والذي يتضمن كل النتائج التي ترتبت على الاخفاق في القضاء على مشكلة "الدويلة" و"فائض القوة".

خلت المطالبات الشعبية من مطلب الانتهاء من "الدويلة داخل الدولة"، وأغفل مطلب "لا للسلاح غير الشرعي"، ليس ذلك تقليلا من أهمية المطالب الشعبية ولا انتقاصا من معاناة المواطن، ولكن للأزمة جذوراً تتغذى منها ومسببات يجب الاضاءة عليها لتكتمل الصورة، فأصل الداء في "الدويلة" التي استولت على الدولة ولم تتمكن من القيام بدورها ولن تتمكن.

فـ"حزب الله" الذي يعتبر نفسه منتصرا في الاقليم والحائز على دعم لا متناهي من دول محوره الممانع، لم يتمكن من ترجمة انتصاره في الداخل اللبناني الا بأحلاف سياسية لم تنتج ادارة ناجحة للدولة، بل استقواء وممارسة سياسة تطويع الدولة لمصلحة دويلته واجندته السياسية المرتبطه بايران. والقوى السيادية التي حملت مشروع الدولة، تُركت لمصيرها في مواجهة فائض القوة، لم تتمكن عبر سياسات التعايش والتسويات من ايصال مشروع الدولة الى بر الأمان.

ما نعيشه اليوم يعيدنا الى المعركة الأولى التي لم تستكمل أو لم تصل الى خواتيمها السعيدة، ليس المطلوب هزائم وانتصارات لأي طرف، انما انتصار المواطن عبر قيام الدولة.




الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم