الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

72 ساعة حاسمة

72 ساعة حاسمة
72 ساعة حاسمة
A+ A-

قد لا تكون ثمة مغالاة في القول إن مهلة الساعات 72 التي حددها رئيس الوزراء سعد الحريري لـ"شركائه" في السلطة من أجل اجتراح الحل الكفيل بوقف تداعيات إحدى أخطر الازمات الداخلية التي يواجهها لبنان والتي تنتهي عملياً مساء الاثنين، تكتسب طابعاً مصيرياً تماماً ويتوقف عليها واقعيا استشراف الوجهة التي سيسلكها لبنان وسط عصف تحرك شعبي احتجاجي هائل. ذلك ان اليوم الثاني من الانتفاضة الشعبية التي انطلقت مساء الخميس شهد تطورات على الارض اثبتت بما لا يقبل جدلا ان هذه الانتفاضة باتت تصنف كأضخم تحرّك بعد "ثورة الارز" في 14 آذار 2005 مع فارق انها تكتسب طابعاً اجتماعياً واقتصادياً، في حين ان انتفاضة 14 آذار كانت ذات طبيعة سيادية واستقلالية غالبة.

ولا تقلل هذا الفارق الاهمية الكبيرة للتحركات الاحتجاجية المستمرة في ظل تضخم حجم المشاركة الشعبية فيها والتي برزت أمس بقوة من خلال انخراط مئات الالوف من المواطنين في التحركات والتظاهرات والاعتصامات التي عمت المناطق اللبنانية، وان تكن الانظار بدت مشدودة دوماً الى وسط بيروت حيث جرت لليوم الثاني موجات التعبير الكبيرة والتي لم تسلم من مواجهات بين الحشود وقوى الامن الداخلي، خصوصاً في ساعات المساء والليل، علماً ان قوى الامن الداخلي اعلنت ان 24 من رجالها اصيبوا بجروح بسبب هذه المواجهات.

كما ان صدامات حصلت في طرابلس ومناطق أخرى، في حين طرأ تطور سلبي للغاية تمثل في قطع طريق مطار رفيق الحريري الدولي مرات عدة الامر الذي اضطر الجيش الى تنظيم عمليات نقل المسافرين بآليات عسكرية من المدينة الرياضية. وبدا اسوأ التطورات مع تعرض مجموعات من المتظاهرين ليلا تكراراً لقوى الامن الداخلي كما مع الاعتداءات على ممتلكات عامة وخاصة واضطرت القوى الامنية الى مطاردتهم واطلاق قنابل غاز مسيل للدموع لتفريقهم.

اما العامل السلبي الاخر الذي سجل أمس، تمثل في تعميم ظاهرة قطع الطرق الرئيسية بين مختلف المناطق الامر الذي شل حركة التنقل وتقطعت السبل بعشرات الالوف من الاشخاص المحتجزين منذ الخميس.

الحريري والشركاء والمهلة

أما التداعيات الرسمية والسياسية لهذه الانتفاضة، فبلغت ذروة من التوهج في ظل الكلمة التي القاها الرئيس الحريري من السرايا مساء أمس والتي اتخذت طابعاً مصيرياً ودراماتيكياً واتسمت باهمية كبيرة نظراً الى المضامين التي طبعتها باطار لم يسبق له مثيل لجهة وضع الحريري جميع الافرقاء السياسيين الشركاء في الحكومة والسلطة امام اختبار حاسم ضمن مهلة الساعات 72 التي فاجأ بها الجميع وكانت بديلاً أخيراً وواضحاً من اقدامه على تقديم استقالة حكومته وقلبه الطاولة بنفسه، فتريث في الخطوة لثلاثة ايام فقط.وبنبرة مصارحة علنية غير مألوفة تجاه شركائه، اعتبر الرئيس الحريري "أن ما رأيناه منذ الأمس هو وجع حقيقي للبنانيين، أساسه مستوى السلوك السياسي في البلد، الذي هو السبب وراء المماطلة بالحلول والتردد بالقرارات وتعطيل الدولة أمام كل مشكل صغير وكبير، فيما كان الناس ينتظرون من الحكومة وكل الطاقم السياسي جدية في العمل، لكننا لم نقدم لهم إلا العراضات السياسية والسجالات". وقال: "عندما أتينا إلى الخطوة المباشرة وحاولنا التنفيذ، لم تبق هناك مماطلة أو فركوشة إلا وضعت في وجهي، إن كان في موضوع الكهرباء أو خفض العجز أو تعيينات المجالس والهيئات الناظمة، التي هي أولى خطوات الإصلاح. كانت كلها تُعطل وما في شي بيمشي".

وحدد مهلة 72 ساعة لنفسه، قائلاً: "أنا شخصياً، سأعطي نفسي وقتاً قصيراً جداً، فإما أن يعطي شركاؤنا بالتسوية وبالحكومة جواباً واضحاً وحاسماً ونهائياً، يقنعني أنا، ويقنع اللبنانيين والمجتمع الدولي وكل من يعبّرون عن الغضب بالشارع اليوم، بأن هناك قراراً من الجميع بالإصلاح ووقف الهدر والفساد، أو يكون لي كلام آخر".

واذ قدم سرداً مفصلاً لبعض الجوانب البارزة من التعقيدات التي واجهته في السنوات الاخيرة قال: "لا أريد أن أدخل في مزايدات مع أحد، وأعلم أن هناك كثراً ينتظرون أن يبلوا إيدن بسعد الحريري ويعملوا منا كبش محرقة، وهناك أشخاص بدأوا يدفعون زعرانهم علينا، كما فعلوا في السابق مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لكن هذا الأمر قادرون عليه، وسيأتي وقت الكلام فيه".

وأضاف "نحن ننتظر منذ شهور شركاءنا بالوطن وبالحكومة، أن يسيروا بالحل الذي اتفقنا عليه. لكننا لم يعد بمقدورنا أن ننتظر. إذا كان هناك من يعتقد أن لديه حلاً غير هذا الحل كان ليتفضل ويقل لنا من قبل. وحتى إذا قرر الآن، لأسباب خاصة به، أنه وجد حلاً غير هذا الحل، فنقول له: لا لزوم لوجع الناس، ولا لزوم لينفجر الشارع، ولا لزوم لأن يصطدم الناس بالجيش أو القوى الأمنية لا سمح الله. فليتفضل، ولننظم انتقالاً هادئاً، وليتسلم هو زمام الأمور، ويطبق الحل الذي يفكر به، أي حل كان يفكر به، ونحن نقول له: "الله يوفقك".

جنبلاط وجعجع

اما ردود الفعل على موقف الحريري، فكان أبرزها لرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي قال: "نتفق تماماً مع التوصيف الذي أعطاه الرئيس سعد الحريري للواقع السياسي القائم، فالمشكلة في البداية ناجمة عن ممارسة سياسية خاطئة جداً وبعيدة كل البعد عن منطق الدولة ومصالح الشعب اللبناني، ويبقى ان الظرف الحالي لا يسمح بأي حال من الأحوال بأنصاف الحلول، فيجب هذه المرة الاستفادة من الزخم الشعبي للقيام بنقلة فعلية نوعية، وليس مجرد ترقيعات في ثوب بال، والنقلة النوعية تكون بتشكيل حكومة جديدة بعيدة كل البعد عن الطقم السياسي الحالي لتبدأ عملية النهوض الاقتصادي المرجو في البلد".

كذلك بدا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مشككاً في جدوى المهلة، اذ اعرب عن اعتقاده ان "المعادلة تتطلب تعديلاً حكومياً"، وقال: "أنا أفضل أن يحكموا وحدهم ربما يبلغون حلولاً سحرية كي لا أشارك كشاهد زور". واوضح انه قال للحريري ان "ما من شيء سيتغير في 72 ساعة وربما الضغط الشعبي سيزداد. وقلت له إلني سأخرج (من الحكومة) وأفضل ان أبقى في المعارضة الهادئة".

وجاء موقفا جنبلاط وجعجع ليزيدا احتمالات خروج الاشتراكي و"القوات" من الحكومة في حال استمرارها بعد مهلة الحريري. وتعزز هذا الانطباع مع الحملة العنيفة التي شنها جنبلاط على العهد فيما نظم الاشتراكي سلسلة اعتصامات حاشدة في الجبل ضد العهد. وان جعجع كرر مرات عدة أمس موقفه الداعي الى تغيير الحكومة.

أما رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل، فرأى من قصر بعبدا تحديداً "أن ما يحصل فرصة لانقاذ لبنان من الفساد والسياسات الخاطئة أو يتحول الى كارثة ويدخل لبنان في الفوضى والفتنة فاما الانهيار الكبير، وإما الانقاذ الجريء". وحذر من "أن البديل عن الحكومة الحالية ضبابي وأسوأ من الوضع الحالي خصوصاً عدم وجود حكومة والخيار الآخر الفوضى في الشارع وصولاً الى الفتنة. وتذكروا الطابور الخامس بين الناس وهو معروف مجهول". ولمح الى عقد جلسات متتالية لمجلس الوزراء طالباً اعطاء فرصة للحكومة لوضع الاصلاحات.

في غضون ذلك، برز استنفار ديبلوماسي لسفارات خليجية دعت رعاياها الى تجنب اماكن التظاهرات ومن ثم الى مغادرة لبنان، ومن أبرزها سفارات المملكة العربية السعودية والكويت والامارات العربية المتحدة. 

مصور "النهار" لم يسلم ونداءات من مواطنين إلى المتظاهرين

اصيب مصور "النهار" مروان عساف في وجهه امس جراء تعرضه لحجارة المتظاهرين لدى تغطيته التظاهرات في وسط بيروت.

وتلقت "النهار" نداءات من مواطنين وعدد من قرائها يناشدون فيها المتظاهرين والمعتصمين عدم التعرض للممتلكات والآمنين الذين يدعمون تحركهم ويأملون ان يشكل نموذجاً حياً في التحرك السلمي والتعبير الحضاري عن معاناة الناس. 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم