السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

كم الافواه مسألة حياة او موت للسلطة وللمواطنين

غسان صليبي
كم الافواه مسألة حياة او موت للسلطة وللمواطنين
كم الافواه مسألة حياة او موت للسلطة وللمواطنين
A+ A-

المعادلة بسيطة. البلد مفلس والسلطة لم تعد تستطيع ان تحكم بدون مساعدات خارجية. "سيدر" يضع شروطا لتقديم خدماته، ويسمي هذه الشروط "إصلاحات".

السلطة اذاً مضطرة لإجراء هذه الاصلاحات، اذا ارادت ان تستمر في الحكم. في هذا المعنى افهم رئيس الجمهورية عندما يقول "ممنوع ان نفشل".

السلطة لا تريد ان تكون هذه الاصلاحات على حساب سلطتها المالية، في مجالات الهدر والفساد والمحاصصة.

على السلطة اذاً، ان تجري الاصلاحات على حساب معيشة المحكومين، اي المواطنين.

المحكومون، اي المواطنون، وعلى رغم الاستقطابات المذهبية، اصبحت معاناتهم اكبر وافظع من ان يستمروا في الصمت. فبدأت الاحتجاجات من حوالى اسبوع.

فكان لا بد للسلطة من ان تلجم الحراك من بداياته. الحجة جاهزة: تعريض قيمة النقد الوطني للخطر من خلال التصريحات والمقالات والتغريدات.

بحجة المحافظة على قيمة النقد، جرى اصدار التعاميم الرئاسية، والتهويل بتطبيق القانون على كل وسائل النقد، اي وسائل التعبير.

وسائل التعبير، الصحافية وغيرها، اصبحت اكثر فأكثر عرضة للملاحقة القضائية، وهذه الملاحقة في حركة تصاعدية منذ ثلاث سنوات، بحسب مصادر رصد التعرض للحريات. اما اليوم فالتهديد بالملاحقة اجراء استباقي، للجم المحاولات المتوقعة للاعتراض على "الاصلاحات" التي تطال معيشة المواطنين.

اللافت والمعبّر، ان تترافق شكوى السلطة من التصريحات التي تطال النقد الوطني، مع اعتراض هذه السلطة على المس بمقام رئاسة الجمهورية في الاعلام او في هتافات المتظاهرين.

الحجة لكمّ الافواه اصبحت حجتين.

لا شك في ان "العهد" في موقع لا يُحسد عليه. فمقابل شعاره "العهد القوي" يجد نفسه امام واقع يبدو فيه امام الرأي العام وكأنه "العهد العاجز" عن مواجهة المشكلات المتراكمة على البلد، حتى ولو لم يكن هو المسؤول الوحيد عما آلت اليه الامور.

في محاولة منه للتعويض عن العجز، يقول "اننا نقوم بإجراءات اقتصادية ومحاربة الفساد لم يكن احد ليجرؤ على القيام بها من قبل". اي ما معناه، "نحن أقوياء، رغم عجزنا".

في انتقاده الذين يعملون على إضعاف الثقة بالعملة الوطنية، يؤكد الرئيس ان "مهمتنا تقوية ثقة الشعب بدولته وليس إضعاف هذه الثقة". الرئيس يقول ذلك، لكنه يعرف ان المواطنين يتأثرون اليوم بكل رأي نقدي للاوضاع، لا بل بالاشاعات، ولا يثقون البتة بكل تطمينات السلطة السياسية. فالثقة تحتاج الى اعمال وليس فقط الى اقوال، وهذا ما يعجز عنه العهد وكامل الطبقة السياسية.

حتى الاقوال، باتت غير مقنعة.

عندما عاد رئيس الجمهورية الى لبنان من نيويورك وسئل عن المشكلة النقدية، ادلى بتصريح يربك المواطن ويضعف ثقته ولا يطمئنه.

قال إن "الدول حريصة على دعم لبنان والمحافظة على استقراره"، وقال من جهة أخرى "هناك بعض الضغوط الخارجية".

وأجاب عندما سئل عن الوضع، "إسألوا المعنيين"، ومن جهة أخرى قال "لن اترك لبنان يسقط".

الثقة بالدولة لا تبنى بتصريحات يغلب عليها التناقض. وهي بالتأكيد لا تبنى الا بثقة متبادلة، فلا تستطيع سلطة ان تطالب بثقة مواطنيها، وهي في المقابل لا تثق بهم ولا بآرائهم، بل تعمل على إسكاتهم.

عندما تعبّر السلطة عن عدم الثقة بالمواطنين، يعني الا ثقة لها بالجمهور اي بالجمهورية. فكيف تريد من جمهورها احترام هذه الجمهورية؟ الا يعلم الرئيس ان مقام الرئاسة هو من مقام الجمهورية؟

السلطة مطالبة بأجوبة واضحة ومقنعة حول كيفية تفادي الانهيار المالي في ظل استمرار السياسات والممارسات نفسها، والتغاضي عن انخراط لبنان في الصراع الاميركي الايراني، وما يترتب على ذلك من ضغوط اقتصادية وامنية وعدم ثقة بالمستقبل.

الاجوبة هذه لن تأتي من خلال كمّ الافواه، بل من خلال التجرؤ على حوار السلطة مع شعبها، وهنا تكون الجرأة الحقيقية في المفهوم الديموقراطي.

هناك من يريد ان يتحجج بحالة الطوارئ الاقتصادية لتحويلها الى حالة طوارئ بالمعنى السياسي والامني، اي الى حالة مراقبة وحد من الحقوق والحريات، حتى يتسنى للسلطة اتخاذ القرارات المالية والاقتصادية بدون اي معارضة شعبية.

كمّ الافواه مسألة حياة او موت للسلطة. وهي كذلك للمواطنين أيضا.

... إلّا الاعلام، ايها المواطنون!


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم