الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس

مروان اسكندر
مروان اسكندر
A+ A-

انعقد في دافوس، المنتجع الجبلي السويسري، المنتدى الاقتصادي العالمي الذي انطلق عام 1971 والذي يشمل حضوره رؤساء شركات عالمية، ومؤسسات دولية كصندوق النقد والبنك الدولي، ورؤساء دول وحكومات الخ.


ومنتدى هذه السنة كان باهتاً، فالشأن الاقتصادي بالكاد كان موضع اهتمام، لولا ابداء كريستين لاغارد تفاؤلاً بأن معدل النمو العالمي سيفوق التوقعات، ولولا اشتراك الرئيس الايراني حسن روحاني وتوضيحه امكانات المساهمة في اعادة تنشيط ايران والفرص المتاحة للنشاط في بلد يبلغ عدد سكانه 80 مليون نسمة ويحوز ثانية أكبر ثروة غاز في العالم وعلى الارجح خامس اكبر احتياط نفطي. ذلك ان تطوير انتاج الغاز وتصديره حالت دونه حرب العراق على ايران، ومن ثم العقوبات الاقتصادية التي فرضت على ايران لضبط توجهها نحو انتاج أسلحة نووية، مع العلم ان ايران أعلنت تكراراً ومنذ سنوات ان نشاطها في المجال النووي يقتصر على الاستعمالات المدنية، وهذا الامر اكتسب صدقية من كلام حسن روحاني، كما من الاتفاق الذي وقع في تشرين الاول بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والمانيا من جهة، وايران من جهة أخرى.
امكانات ايران وثرواتها وسياساتها الجديدة المنفتحة كانت الموضوع الرئيسي في المنتدى، وطريقة عرض الرئيس الايراني لإمكانات التآزر والتعاون كان لها اثرها الكبير، بحيث شعر ممثلا اسرائيل الرئيس شمعون بيريس الذي يرافق اعمال هذا المنتدى منذ تأسيسه ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعزلة أمام الحماسة الواضحة لدى الشركات العالمية وخصوصاً شركات الطاقة، سواء لانتاج الغاز والنفط، وانجاز مصانع التكرير، ومحطات انتاج الكهرباء التي تستعمل الغاز أو الطاقة النووية، للعمل في ايران ومع الحكم الجديد في هذا البلد الكبير الاهمية في الشرق الاوسط.
كذلك اهتم المشاركون في المنتدى بكلام رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، الذي تبنى برنامجاً مالياً اقتصادياً يهدف الى تحريك الاقتصاد الياباني الذي هو ثالث اقتصاد من حيث الحجم والانتاج في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. ورئيس الوزراء الياباني جهد لخفض سعر صرف الين من 78 يناً للدولار الى 102، أي ما يوازي نسبة خفض لسعر الين توازي 31 في المئة. وقد اعتبر عند مباشرة برنامجه في تشرين الثاني 2013 ان هذا الخفض سيساهم في تشجيع الصادرات اليابانية وفي ارتفاع معدل النمو الى 2 في المئة بدل جمود الاقتصاد منذ 20 سنة.
لكن خطة رئيس الوزراء الياباني لم تنجح في تحقيق هدفه. فالواقع ان اليابان واجهت أكبر عجز في الميزان التجاري في تاريخها الحديث، وخصوصاً مع تحملها تكاليف استيراد كميات أكبر من الغاز المسيل لتشغيل محطات كهرباء تعوض نقص الانتاج من المعامل النووية التي أوقفت بعد التسونامي الذي أطاح مفاعل فوكوشيما قبل سنتين، الامر الذي دفع اليابانيين الى التفكير في اقفال هذه المعامل. وفي هذا الوقت ترشح رئيس وزراء سابق لمنصب عمدة مدينة طوكيو وضواحيها، وفي برنامجه المعلن اقفال جميع محطات انتاج الكهرباء النووية نهائياً.
لا شك في ان بلداً كاليابان يحوز اهتماماً دولياً، لكن تركيز المشاركين في المنتدى كان على فرص اكتساب العقود في بلدان مقبلة على تنفيذ مشاريع كبرى، ومن المعروف ان الشركات اليابانية لا يمكن منافستها في عقر دارها، وتالياً ان الاهتمام بشؤونها كان من باب الاطلاع على نياتها التنافسية أكثر من الظفر بمشاريعها.
* * *
نعود الى المنتدى الاقتصادي العالمي وخلفيات تأسيسه وتوجهاته. معلوم ان سويسرا التي التزمت الحياد في الحروب العالمية، وتشكلت من اتحاد فيديرالي، كان لها دوماً هدف استقطاب مؤسسات ذات طابع دولي وخصوصاً مؤسسات تابعة لعصبة الأمم، ثم لهيئة الامم. ولهذا السبب وبفضل براعة السويسريين في التسويق، استطاعت سويسرا استقطاب بنك التسويات الدولية، الذي هو بالفعل منتدى لحكام المصارف المركزية في الدول الكبرى، وتصدر عنه من موقعه في بازل توصيات في شأن نسب السيولة للمصارف، وانساق التحقق في المصارف على نطاق عالمي. كذلك استقطبت منظمة الصحة العالمية، ومنظمة العمل الدولية، ونتيجة اتباعها سياسة السرية المصرفية عشرات السنين استقطبت 30 في المئة من السيولة العالمية الى حين تفجر الازمة المالية العالمية والتشريعات الاميركية لمحاربة تبييض الاموال التي فرضت على مصارف سويسرية كبيرة وصغيرة عقوبات تجاوزت ثلاثة مليارات دولار.
المنتدى الاقتصادي العالمي الذي تأسس عام 1971 درج على عقد مؤتمرات يدعى اليها مسؤولون حاليون وسابقون في المجال السياسي، أو المصرفي، أو الصناعي الدولي، وكانت مجريات المؤتمرات، كما لا تزال، تنشر في مطبوعات أنيقة تتميز بما فيها من اعلانات وضعتها المصارف الكبرى والشركات العالمية المتعددة الجنسية.
ومراجعة مطبوعات هذا المنتدى، الذي يفرض رسوماً باهظة للاشتراك في مؤتمراته، تبين توجهاته نحو تعزيز العولمة وتشجيع توسع السوق الاوروبية، وابراز فرص التعاون الاقتصادي بين الدول العربية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا مع اسرائيل. لقد كانت احدى المهمات الرئيسية لهذا المؤتمر السنوي التمهيد لفكرة التعاون الاقتصادي بين العرب واسرائيل حتى قبل انجاز اتفاقات سلام.
وجدير بالذكر ان شمعون بيريس عرض في مؤتمر للمنتدى خلاصة افكاره عن ثمار السلام في الشرق الاوسط قبل نشرها في كتاب، كما شارك في المنتدى مع بيريس، وقبل اتفاق أوسلو، ياسر عرفات وتصافح واياه علناً للمرة الاولى.


المؤتمر الاقتصادي الاول لدول شرق أوسطية بمشاركة إسرائيلية لافتة، انعقد في الدار البيضاء بعد مؤتمر مدريد الذي انعقد عام 1991، وظهر في ذلك المؤتمر ان الدول العربية النفطية غير مستعدة للمساهمة في تمويل بنك الشرق الاوسط للانماء. فهذه الدول اعتبرت ان مؤسساتها القائمة تتولى التمويل الانمائي المطلوب للدول المحتاجة، كما ان البنك الدولي عارض الفكرة لان المصرف المقترح ظهر كأنه البديل من دور البنك الدولي في الشرق الاوسط وشمال افريقيا. والموقف ذاته اتخذه البنك الاوروبي. ولم تلق الفكرة ترحيباً الا من الاميركيين والبريطانيين والاردنيين الذي كانوا قد حصلوا على وعد بان يكون مقر المصرف في عمان، ولهذا الامر أهمية غير خافية. وكان الاردن قد سارع الى مسابقة الفلسطينيين في التوصل الى اتفاق سلام مع اسرائيل وحظي من جراء ذلك باسقاط نسبة ملحوظة من الديون المترتبة عليه للولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا.
الباب الذي أقفل في وجه مشروع انشاء بنك شرق اوسطي للانماء، بمساهمة كبيرة من دول النفط العربية وبمشاركة إسرائيلية على مستوى مجلس الادارة، فرض اعادة النظر في اسلوب جديد لشبك مصالح اسرائيل بمنطقة الخليج التي تعاظم فيها الوجود الاميركي السياسي والعسكري بعد نجاح القوات المتحالفة في طرد القوات العراقية من الكويت في آذار 1991.
افضل تلخيص لمؤتمر هذه السنة سطره صحافي في جريدة "الفايننشال تايمس" التي ثابرت على تغطية المنتدى، إذ كتب "إن افضل خيار كان الابتعاد عن صقيع دافوس وصقيع المداخلات".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم