الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"حالة طوارئ اقتصادية": ألا يخجلون؟!

غسان صليبي
"حالة طوارئ اقتصادية": ألا يخجلون؟!
"حالة طوارئ اقتصادية": ألا يخجلون؟!
A+ A-

أعلنت الحكومة اللبنانية على لسان رئيسها، منذ فترة وجيزة، حالة طوارئ اقتصادية.

لم افهم، كمواطن معني بحالة الطوارئ هذه، ما هو الطارئ، ولماذا يستدعي ذلك إعلان حالة طوارىء، وكيف تكون حالة الطوارئ الاقتصادية؟

يستعير تعبير "حالة الطوارئ الاقتصادية" مفاهيمه من القاموس السياسي، حيث تنص الدساتير على امكان اعلان حالة طوارئ على البلاد كافة او على جزء منها ولفترة معينة. وينص قانون الطوارئ عادة على سحب بعض صلاحيات السلطتين التشريعية والقضائية ويسندها الى السلطة التنفيذية مما يمنحها صلاحيات واسعة جدا. كما يتضمن الحد من حريات المواطنين وحقوقهم، مثلا، في مجال إلقاء القبض على المتهمين وحق التجمع والتنقل في اوقات واماكن محددة.

يحدد الدستور عادة الحالات التي يسمح بها للسلطات بإعلان حال الطوارئ، وهي بشكل عام تلك التي تعرّض امن البلد وسلامته لأخطار، من مثل الكوارث الطبيعية، حالات الشغب والتمرد المدني، والنزاعات المسلحة الداخلية او الخارجية كالاعتداء على حدود الدولة.

في ما يتعلق بحالة الطوارئ الاقتصادية، لم توضح الحكومة الاسباب الموجبة ولم تصدر قوانين لتنظيم هذه "الحالة".

في الواقع، لم يتعرض البلد لطارئ اقتصادي، بل ان الازمة المهددة بالانهيار، هي حالة متفاقمة منذ سنوات بفعل سياسات الطبقة السياسية. والادعاء بأننا امام الحاجة للتصدي لـ"طارئ" ما، هو من قبيل التهرب من تحمل المسؤولية السياسية على ما آلت اليه الامور. وهذا ما يُفهم من تصريح رئيس الحكومة عندما يشبّه الازمة التي نمر بها "بعاصفة تمر فوق لبنان".

الا اذا كان المقصود بـ"الطارئ" هو تهديد المؤسسات المالية بخفض التصنيف الإئتماني للبنان وإعطائه مهلة ستة اشهر لمعالجة اوضاعه بحسب المتطلبات الدولية.

هنا يبرز عامل الوقت كعنصر "طرأ" على اجندة السلطة السياسية. فالسلطة هذه لم تتعود يوما إعطاء اي اهمية للوقت. فهي لم يرف لها جفن عندما عطّلت انتخابات رئاسة الجمهورية لأكثر من سنتين، كما عطّلت تأليف الحكومات المتعاقبة، لأكثر من ستة اشهر في كل مرة.

واذا قارنّا فترة الستة اشهر المعطاة للحكومة دوليا لتصحيح الاوضاع المالية والاقتصادية والا ذهبنا للانهيار، بالفترة التي أضاعتها هذه السلطة جراء تعطيلها الاستحقاقات الدستورية، تتبين مسؤولية هذه السلطة عن هدر الوقت وتعريض البلاد واهلها الى شتى الأخطار. ولا يعود عامل الوقت بالتالي عاملا خارجيا طارئا ومستجدا، بل يصبح هو ايضا نتيجة سياسات هذه السلطة التي تضحّي باقتصاد بلدها وبمعيشة شعبها من اجل صراعاتها على السلطة.

الغموض حول "الطارئ" في الوضع الاقتصادي، يقابله غموض اخطر حول المقصود بـ"حالة الطوارئ الاقتصادية". فلا خطة طوارئ اقتصادية اعلنتها الحكومة. كل ما في الامر تأكيد انجاز موازنة 2020 قبل نهاية السنة وبما يتوافق مع شروط الجهات المانحة في مؤتمر "سيدر"، والبدء فعلا بمناقشة هذه الموازنة في اجتماعات الحكومة.

خطورة الغموض في شأن خطة الطوارئ، انها قد تفترض، وكما في حالات الطوارئ السياسية او الامنية، حصر الصلاحيات بيد السلطة التنفيذية وإطلاق يدها في مجال إقرار "الاصلاحات الاقتصادية"، بحجة تعرض البلد الى "طارئ اقتصادي" مزعوم، يتطلب اتخاذ القرارات بسرعة وبدون اي حوار مجتمعي، وإلا دهمنا الوقت وانهار البلد.

السلطة لم تعلن عن ذلك لكنها تتصرف على اساسه. فلا حوار اجتماعياً حول الموازنة ولا حول "الاصلاحات"، لا مع النقابات ولا مع هيئات المجتمع المدني، التي سبق واصدرت مواقف متعددة في هذا الشأن، تضمنت سياسات بديلة لما تطرحه الحكومة.

هذا الاستخفاف بمشاركة القوى المجتمعية المعنية بالاقتصاد والاصلاحات، يترافق مع ممارسات ومواقف لقوى السلطة، تتناقض مع الحرص على مال الدولة واقتصادها المعرضين للانهيار.

فلا شيء على الاطلاق، الا البذخ على حساب معيشة المواطنين، يبرر انفاق مليون دولار من مال الدولة على الوفد المرافق لرئيس الجمهورية لحضور الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك.

لا شك انه من المستفز شعبيا ان يجرؤ مسؤول على رصد مليون دولار حتى يصطحب معه عددا كبيرا من المرافقين الى نيويورك لحضور الجمعية العمومية للامم المتحدة، في ظل شحّ مالي في موازنة الدولة وفي وضع معيشي صعب، بالكاد يستطيع المواطن فيه الانتقال الى عمله، هذا اذا بقي له عمل.

وقد تركزت الانتقادات على هذا السلوك الرئاسي بالاشارة الى العدد الكبير للمرافقين الذي ذُكر بدايةً انه 160، ومن ثم حدد بـ 77، وسط تهليل المدافعين عن العهد بسبب انخفاض العدد المتداول. مع العلم انه كلما نقص عدد الوفد المرافق للرئيس كانت اكبر حصة الفرد من مبلغ المليون دولار المرصود للسفرة.

المليون دولار هو على سبيل المثل، مدخول ٢٢٢٥ عائلة تتقاضى الحد الادنى للأجور وتعيش منه خلال شهر كامل.

لا شيء على الاطلاق أيضا يقنعنا، بأن السلطة السياسية تأخذ على محمل الجد الوضع الاقتصادي وبأننا فعلا في "حالة طوارئ اقتصادية"، عندما يصرح احد اركانها جبران باسيل، "ان التحدي الاكبر ليس في استخراج النفط ولا معالجة الازمات المالية والاقتصادية، بل في الحفاظ على لبنان ليبقى كبيرا. الاقتصاد والكهرباء والنفايات تحديات يومية، لكن التحدي الاكبر هو ان يبقى لبنان كبيرا". طبعا ليس السيد باسيل مضطراً لأن يشرح لنا كيف يمكن لبنان ان يبقى "كبيرا" واقتصاده منهار وبيوته ومصانعه بلا كهرباء وشوارعه تملأها النفايات.

لا شيء على الاطلاق ايضا وايضا يطمئننا، ان اقتصادنا قد يتعافى، استثمارا وانتاجا ونموا وعدالة اجتماعية، عندما يكرر السيد حسن نصرالله على مسامعنا اننا جزء فاعل في الصراع الايراني - الاميركي المتفاقم على مساحة المشرق والخليج العربيين.

فهل من معنى في هذا الوضع "لحالة طوارئ اقتصادية" بدون "حالة طوارئ سياسية وامنية"، تحمي البلد في اقتصاده ومعيشة ابنائه؟

السؤال يكتسب اهمية اضافية اذا تنبهنا ان المبعوث الاميركي شينكر، بشأن ترسيم الحدود، قد حدد لنا ايضا مهلة الستة اشهر لإنجاز المهمة. مما يضعنا امام تهديدين دوليين متساندين على ما يبدو.

و... يتكلم المسؤولون عن "حالة طوارئ اقتصادية". ألا يخجلون؟


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم