السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

أفول أسطورة نتنياهو وتقدّم غانتس/ ليبرمان

مهى سمارة
أفول أسطورة نتنياهو وتقدّم غانتس/ ليبرمان
أفول أسطورة نتنياهو وتقدّم غانتس/ ليبرمان
A+ A-

للمرة الثانية في خمسة شهور تَظهر حدة الانقسامات السياسية في #إسرائيل وشراسة المعركة الانتخابية لانتخاب البرلمان 22 بتقارب وتعادل النتائج بين تكتل الليكود وتحالف أزرق أبيض، حيث حقق الفريق الأول 31 مقعداً بينما الثاني حصل على 32 مقعداً. المعسكران يواجهان عجزاً ونقصاً للوصول إلى 61 مقعداً من 120 عدد مقاعد الكنيست لتأليف حكومة، ما يستدعي تحالفهما مع أحزاب وكتل أخرى أبرزها حزب إسرائيل بيتنا بزعامة أفيغدور #ليبرمان (9 مقاعد) والكتلة العبرية (13 مقعداً).

والأنظار تتجه إلى رئيس الدولة روفين زيغلين الذي بيده القرار، وما إذا كان سيدعو #نتنياهو أو غانتس أو الاثنين معاً للبحث في إمكانية تأليف حكومة وحدة وطنية، وسيطلب زيغلين من الفريقين العمل بسرعة لتفادي الذهاب إلى انتخابات ثالثة لأن المجتمع الإسرائيلي سئم المماحكات والمساومات والمناورات.

الجنرال بني غانتس يريدها حكومة وحدة موسعة ويرفض الجلوس مع نتنياهو، ونتنياهو يريدها حكومة قوية يمينية متشددة صهيونية. وهدّد نتنياهو بعد إعلان النتائج غير النهائية بأنه "يمنع قيام حكومة غير صهيونية تعتمد على الأحزاب العربية".

ومنذ إعلان النتائج، انبرى كل طرف لتأليف فريق عمل يتولى التفاوض مع الكتل والأحزاب السياسية، الدينية، والعلمانية للدخول في الائتلاف، لأن لا حزب سياسياً واحداً يستطيع تأليف الحكومة بمفرده. وحكماً على تصريحات زعيمي المعسكرين بدى نتنياهو حاداً ومتشدّداً بالتركيز على صهيونية الحكومة عكس غانتس الهادئ والداعي إلى الوحدة والمصالحة.

وفي هذا الجوّ المحموم والمتعب ترجح الاستطلاعات تكليف الجنرال غانتس بتأليف الحكومة الجديدة مع الليكود، مع أو بدون نتنياهو، وبالتحالف مع ليبرمان الذي تحوّل إلى صانع الحكومات وبيضة القبّان. الكتلة العربية مستعدة لتأمين شبكة الأمان كما فعلت مع إسحق رابين في 1996 ضد نتنياهو، إنما بدون الدخول في الحكومة.

والصورة تتكرر في أيلول كما حدث في نيسان الماضي وتجعل من ليبرمان زعيم اليهود الروس لسان الميزان في معادلات تأليف الوزارات، إذ عبر مقاعده التسعة يستطيع حرمان نتنياهو من تأليف الحكومة كما فعل في انتخابات 10 نيسان الماضية بإصراره على عدم إعفاء اليهود المتديّنين من الخدمة العسكرية ومنحهم امتيازات مالية وقروضاً، وهم لا يدفعون الضرائب.

وليبرمان يصبو إلى إزاحة نتنياهو من جهة، وتوجيه ضربة إلى الأحزاب الدينية المتشدّدة انطلاقاً من طلب هذه الأحزاب إخضاع أنصاره من المهاجرين الجدد إلى إسرائيل الخضوع لفحص DNA للتأكد من يهوديّتهم. ليبرمان بصفته علمانياً وبعيداً عن الإيديولوجيات الدينية سدّد ضربة مزدوجة للمتديّنين ونتنياهو معاً.

ونتيجة هذا التشنّج في المواقف ستدخل إسرائيل في الأسابيع المقبلة طيلة فترة مفاوضات الحكومة في شلل سياسي لأن المفاوضات، مثل كل مرة وأكثر، ستكون معقّدة ومملّة وطويلة طيلة 45 يوماً كما ينصّ القانون، إلا إذا حدثت مفاجآت، وهذا مستبعد.

والدلائل تشير أن إسرائيل بلد منقسم على نفسه ومشرذم، يصفه المعلقون ببلد "القبائل المتناحرة"، سببه بالدرجة الأولى تمسّك نتنياهو بالسلطة ورغبته الشديدة وحاجته إلى تأليف حكومة سادسة. ويبدو أن نتنياهو يخشى خيانة بعض الأحزاب الدينية له، فاشترط على فريق العمل الذي ألّفه بعد الانتخابات على منع الأحزاب الدينية المتشدّدة مقابلة أو مفاوضة أحد من حزب أزرق أبيض. والوعود الانتخابية تبقى غير ملزمة ومعرّضة للتغيير والتبديل حسب المصلحة.

والقضية بالنسبة له هي معركة حياة أو موت لمستقبله الشخصي لأنه ينتظر قراراً حاسماً من المستشار القضائي للحكومة في 2 تشرين الأول يبتّ فيه أمر الشكوى المقدَّمة من الشرطة بثلاث لوائح اتهام خطرة تتهمه بالفساد والرشوة واستغلال السلطة هو وزوجته. نتنياهو مستميت للوصول إلى ذلك التاريخ وهو منتصر في الانتخابات حتى يدير معركته القضائية بقوة المنصب الذي يحتله ويسعى إلى تأليف حكومة يمينية متطرفة تساعده في منحه الحصانة وإجهاض محاكمته. لذلك انبرى في إغداق وعوده على الناخبين بضمّ الغور وشمال البحر الميت، وثلث الضفة الغربية، وإجهاض حلّ الدولتين... إذا نجح، لإعفائه من دخول السجن.

غانتس يريد وضع حدّ لحكم نتنياهو لمصلحة الاتجاه اليميني الوسطي الليبيرالي، ويرى أن أزمة نتنياهو الجنائية باتت تهدّد إسرائيل استراتيجياً. وهذا الاتجاه يلتقي فكرياً وسياسياً وعملياً مع طروحات المؤسّسة العسكرية والأمنية بأن سياسة نتنياهو تعرّض أسس الدولة وأركانها إلى الخطر لأنه يدير الدولة من خلال مصالحه الشخصية ويأخذ قرارات بمفرده والمحكومة بمصالحه، والمأخذ على نتنياهو عند خصومه وأعدائه، بأنه وصولي وانتهازي ومستعد للقيام بأي شيء في سبيل البقاء في الحكم غير مكترث للثمن السياسي أو الاستراتيجي الذي يدفعه.

لهذا يستميت نتنياهو لتأليف حكومة جديدة. وهذا هو بيت القصيد الذي يدفع بخصومه الكثر لحشره في "بيت اليك" ويسددون له ضربات مؤلمة يستحقها لأنه يجني ما صنعت يداه.

النتائج المتقاربة والمتساوية شكّلت ضربة موجعة لنتنياهو الأسطورة، (69 سنة)، ومن الأرجح أنها ستفقده نعمة البقاء في منصب رئيس الوزراء، وهو الذي قضى أطول فترة في الخدمة متفوّقاً على مؤسس الدولة دافيد بن غوريون. الواقع السياسي الإسرائيلي يشي بأن الأغلبية من الإسرائيليين لا سيما النخبة من مهنيين ومتعلمين ونساء وشباب وجيش وأمن ضاقت ذرعاً بنتنياهو وسئمت خطابه العنصري والتحريضي وبقاءه في السلطة 13 عاماً، وهي فترة طويلة لأية ديموقراطية كما تدعي إسرائيل. قاعدته الانتخابية تتألف من المستوطنين والمتديّنين الذين يعيشون خارج المدن الكبرى ويعملون في الزراعة والحرف البسيطة، ويشكّلون الفئة الفقيرة والمتخلفة وغير المتعلمة.

القشّة التي قضمت ظهر البعير هو استحالة أحد الأحزاب الدينية الصغرى "أوتزما يهوديت" من تجاوز عتبة الفوز والحصول على ثلاثة مقاعد، ما حرم نتنياهو من تأليف حكومة يمينية متشددة. سابقاً كانت الأحزاب الدينية الصغرى هي من تصنع الحكومات وتؤمّن لليكود أغلبية الأصوات. الوضع الآن اختلف نظراً لتغيير الخارطة السياسية في إسرائيل وبروز حزب إسرائيل بيتنا من جهة، والكتلة العربية من جهة أخرى.

حاول نتنياهو ممارسة ألاعيبه السحرية ومناوراته التي لم تسعفه هذه المرة. إذ ظلّ يشحن الرأي العام الإسرائيلي لآخر لحظة بضرورة التوجه إلى صناديق الاقتراع وتخويفهم من التصويت العربي الكثيف لعرب 48 والذي تجاوز هذه المرة نسبة 60% بعد توحيد الأحزاب العربية الأربعة في كتلة عربية مشتركة بقيادة النائب أيمن عوده. وبفضل وعي أهل الداخل الفلسطيني لمخططات نتنياهو، ودفاعاً عن وجودهم وهويتهم تخلّوا عن المقاطعة واندفعوا إلى التصويت بكثافة فحصدوا حصّة محترمة وصلت إلى 13 مقعداً. كلام نتنياهو وتهديده بضم المستوطنات والغور والقدس وشمال بحر الميت وإجهاض حل الدولتين، كان له الأثر في استنشاط الهمّة الفلسطينية وفطنتها لتعمل الفرق وتتحول إلى القوة الثالثة في الكنيست.

ليبرمان يستبعد العرب ويؤكد قيام حكومة وحدة وطنية من الليكود وأزرق أبيض، وهذا ما هو مرجّح. ما يعني تحول الكتلة العربية إلى المعارضة. حينئذٍ يتحتم على أية حكومة جديدة إطلاع رئيس المعارضة أيمن عوده على أسرار الدولة (هذا ما ينص عليه القانون) وإعطاءه الحق أن يتكلم في الكنيسة بعد رئيس الوزراء، ويلتقي جميع الضيوف الرسميين، ويطرح أسئلة وبدائل عن سياسة الحكومة – وهذه المكاسب مهمة يجب عدم الاستخفاف بها.

غانتس كزعيم حزب أزرق أبيض يريد إقصاء نتنياهو من الوزارة والرئاسة لأنه يرفض الجلوس معه، لكنه مستعد للتعاون مع أحزاب الليكود وحزب إسرائيل بيتنا. المعركة شرسة ومصيرية وكل طرف يريد أن يرفع من شعبيته وأسهمه ليحظى بالتكليف. نتنياهو ممثلاً لليمين المتديّن المتشدّد للصهيوني، بينما غانتس يمثل اليمين الوسط والليبراليين واليسار. والتركيز على الأحزاب الدينية في الليكود الذي يتألف من تآلف أحزاب صغرى متعددة ومن استعداد قادة هذه الأحزاب التجاوب مع إغراءات المنصب والمنافع. وعندما كان لا شيء مستحيلاً في السياسة، قد نرى انتقال ولاء هذه الأحزاب من فريق إلى آخر حسب الظروف والواقع الإسرائيلي لمن حظوظه أكبر في التأليف. بعض المراقبين يتكهّن بقيام حكومة موسّعة تتألف من الليكود مع أو بدون نتنياهو، ائتلافية مع حزب أزرق أبيض وإسرائيل بيتنا. في آخر المطاف إذا اتّضح أن مصلحة تقديم البلاد تقتضي ذلك. وعادةً هذا ما يحدث في حالة طوارئ أو ظروف استثنائية ممّا ينبغي تقديم تنازلات متبادلة.

يوجد عامل مشترك بين غانتس وليبرمان أنهما يؤيدان حكومة موسعة علمانية تضع حداً للمتدينين، لحماية المؤسسات الديمقراطية وفصل الدين عن الدولة، وترسيخ دولة القانون، وضرورة عدم تدخل رجال الدين في النظام التعليمي والقضاء والمحكمة العليا.

غانتس يتمسّك بوحدة المجتمع الإسرائيلي وقوته، "لكنه يعتبره مجروحاً ويجب معالجته وتطبيبه" ووضع حدّ للانقسامات السياسية والإثنية.

ونظراً لحدّة وشراسة معركة 17 أيلول، وتساوي الحظوظ، تبقى الأيادي على القلوب لأن نتنياهو السياسي الساحر والذي له خبرة سياسية طويلة في المناورات والمماحكات وطموحات لا تحدّها السماء، قد يقدم في الساعات الأخيرة على مفاجآت تقلب الأوضاع رأساً على عقب بعقده تحالفات مقدسة وغير مقدسة، خصوصاً وأن اهتمامه ليس البقاء في السلطة بل تفادي السجن والمذلّة.

الناخبون الإسرائيليون في حالة يأس وقنوط وملل بسبب أزمات الحكم المتلاحقة وألاعيب نتنياهو بالورقة الأمنية التي يخوف بها الإسرائيليين دوماً وأبداً، ويذكّرهم بأنهم في حالة حصار ويعيشون في وسط محيط عربي عدائي، وإنهم بحاجة إلى الشعور بالأمان وإلى من يعطيهم الأمان. استطاع عبر السنين أن يصور نفسه بأنه المنقذ والحارس الوحيد على حمايتهم والأقدر على تحقيق أحلامهم وطموحاتهم.

بروز غانتس، وهو العسكري بامتياز والمؤيد من المؤسسة العسكرية من أربعة رؤساء أركان سابقين وعدد من قادة الأجهزة الأمنية، يطلق على حزبه "حزب الجنرالات" الذي جعل شعار حزب أبيض أزرق من ألوان العلم الإسرائيلي. إنه رجل الأمن أيضاً الذي يستطيع توحيد الإسرائيليين وليس تقسيمهم ومخاطبتهم بخطاب وحدوي شمولي بعيداً من شخصنة السياسة وشخصنة الدولة.

يدعو ليبرمان إلى حكومة موسعة وليس "حكومة تحارب على بقائها واستمراريتها من أسبوع لآخر، ومن تصويت على الثقة لأخرى".

خسارة نتنياهو تبشر بفجر جديد للديموقراطية والسلام، والأيام المقبلة ستحكم على غانتس الذي يبقى أقل ضرراً ولؤماً وخطراً. والعرب بالانتظار.

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم