السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

أرشيف "النهار" - عصر "ما بعد الديني"؟

المصدر: أرشيف"النهار"
Bookmark
أرشيف "النهار" - عصر "ما بعد الديني"؟
أرشيف "النهار" - عصر "ما بعد الديني"؟
A+ A-
من حسن المصادفات أن تُعقد ندوة (*) عن الحوار بين الحضارات، بدل تصادمها، ودور أجهزة الإعلام في تشجيع هذا الحوار، في "اليوم العالمي للتنوع الثقافي خدمة للحوار والتنمية" الذي أعلنته الأمم المتحدة في 20 كانون الأول 2002 ودعت دول العالم الى توعية الرأي العام على مقدار الغنى الذي ينطوي عليه التنوع الثقافي وخصوصاً بالتشجيع، عبر التعليم والإعلام، على معرفة القيم التي يزخر بها هذا التنوع.وقد شاء المدير العام للاونيسكو كوتيشير ماتسورا، في اليوم الذي كرّس لهذه القضية، الإشارة الى تهديدات تتعرض لها الثقافة من "عوامل شديدة التباين" وخصوصاً من خلال "الدفاع الجائر" عما يعرف بـ "الهوية الوطنية" التي من شأنها - في غياب الضمانات للهويات الأخرى - تعريض ثقافات الأقليات للخطر. ولفت الى أخطار محاصرة ثقافات هذه الأقليات باسم الدين، كما حذّر من سلبيات "العولمة المتسارعة " التي تجعل لغات تفتقر الى من ينطقها، وتقاليد يطويها النسيان، وثقافات هشّة تُزاح وتُدفع جانباً، إذا لم تُسحق وتُدمّر تماماً.وقال "أن خطر التقلص المفجع في ألوان طيف التنوع الثقافي، قد بات فادحاً وكبيراً. فألوان قوس القزح التي تثري كوكبنا لا يمكن اختزالها بهذا اللون أو ذاك منها، دون إفقار تراث الأجيال المقبلة، وتعريض بقاء الجنس البشري للخطر". وأضاف أن الاونيسكو سبق لها أن أطلقت عام 2001 "إعلان الاونيسكو العالمي في شأن التنوع الثقافي" الذي وضع خطة تدعو الى "فهم جديد للعلاقة بين التنوع والحوار والتنمية"، موضحاً أن التعدد الثقافي يصبح، بفضل الحوار بين الثقافات المختلفة، "ثروة يتقاسمها الجميع".واني لا أجد أفضل من كلام المدير العام للاونيسكو هذا مدخلاً الى البحث في دور الإعلام الحرّ في الحوار بين الثقافات من أجل تحويل التباين، والتعارض أحياناً، "ثروة يتقاسمها الجميع" على ما قال ماتسورا.وأضيف الى هذه المصادفة مصادفة أخرى هي عقد الندوة في لبنان الذي يعتبر مثالاً للمجتمع التعددي الذي يحتضن 18 طائفة تتمتع كل منها بخصائص دينية واتنية وثقافية كان يمكن أن تباعد في ما بينها، لكنها عرفت كيف تتعايش من خلال قواسم مشتركة جعلتها قواعد لحياتها، وقد شكّلت هذه التعددية غنى أثرى الحياة الوطنية.ووصف رئيس جامعة القديس يوسف الأب سليم عبو في كلمة ألقاها في 24 حزيران عام 2000 لبنان بأنه "بلد التعايش الإسلامي - المسيحي والتعدد الثقافي، يطمح الى أن يتحول التعايش فيه "طيب تعايش"، مما يقتضي "إقامة وفاق سياسي مكين، قادر على تعطيل محاولات التفرقة والمناورات والضغوط المتعددة(...) وأن نعامل التنوع الثقافي باعتباره مجموعة من العناصر المكونة لثقافة وطنية متعددة يتمّ الاضطلاع بها كما هي عليه". كذلك وصف الوحدة الوطنية، في كلمته تلك، بأنها "تتشكل من خلال هويات المجموعات الدينية وتتجاوزها في آن واحد"، و"ان الثقافة الوطنية تتشكل من خلال الاختلافات الاتنية والثقافية وتتجاوزها في آن واحد".وقد أورد عبو تعريفاً لهذه الثقافة بأنها "مجموع نماذج التصرف والتفكير والشعور التي تتميز بها طريقة عيش الناس، في علاقتهم بالطبيعة، والمجتمع وعالم الفكر".فالى أي حدّ يستطيع الإعلام خدمة هذه الثقافة الوطنية، وإشاعة الوئام والانسجام بين مكونات هذا المجتمع التعددي؟وما هي مرتكزات هذا الحوار الذي من شأنه تغليب الوفاق على النزاع، والتوحيد على التفسخ؟ وأي دور للإعلام، والإعلامي خصوصاً، في التقريب بين الثقافات والتأثير فيها في آن واحد؟***في نهاية كل يوم تختم هيئة الإذاعة البريطانية B.B.C. برامجها الإخبارية بعرض شامل لأحداث النهار، تتخلله تقارير لمراسليها وتحليلات لمعلقيها، وتقويمات لبعض الاختصاصيين من داخل المحطة وخارجها. وتنهي هذه الجولة بالقول: "هكذا تراءى لنا العالم اليوم".وتحذو حذوها محطة تلفزيونية فضائية عربية هي "الجزيرة" التي تضمّ عدداً من قدامى العاملين في الـ B.B.C،. بالقول في "حصاد اليوم" الذي يشبه بانوراما الإذاعة البريطانية: "هكذا تراءى لنا العالم هذا النهار".أياً تكن درجة الجهد الذي يبذله كل من الإعلامي البريطاني والعربي ليعطي المستمع والمشاهد صورة حقيقية وموضوعية للعالم، فان هذا العالم يجرى فهمه وتقديمه وتقويمه في كل لحظة من خلال إنسانين ينتميَان الى ثقافتين مختلفتين، وان دور الإعلام هو التقريب بينهما بحيث يتعارفان ويتحاوران ولا يتصادمان."الغرب" والعالمفكيف يكون ذلك؟العالِم الهندي الدكتور امارتيا سين، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1998، يرى أن الخصائص الأساسية للصحافي الجيّد تظهر على مستويات ثلاثة هي:1- الأخبار وطريقة تقديمها.2- تحليل الأخبار وتفسيرها.3- تقويم الأخبار وإصدار أحكام عليها.ويضيف ان ما يميّز صحيفة عن أخرى هو الوصول الى المعلومات وكشفها، ودقة التحليل، وتقويم المعلومات وإظهار أهميتها.وفي عرضه لوجهة نظر عالِم في دور الإعلام، والصحف خصوصاً، في الحوار بين الثقافات وتفادي التصادم بين الحضارات خلال المؤتمر السنوي للاتحاد العالمي لأصحاب الصحف والإعلاميين الكبار الذي عقد أواخر أيار 2002 في مدينة بروج البلجيكية - قال إن "الدور الايجابي" للصحافة والإعلام يظهر عبر تحليل الأخبار وتقويمها، لأن ذلك غالباً ما يتمّ من خلال أطر ومفاهيم وخلفيات ذات اسنادات ضمنية.وحذّر من خطر اللجوء الى "مفاهيم غير مدقق فيها كفاية، والى معتقدات غير جوهرية من شأنها إفساد إطار الإدراك الذي يتمّ من خلال فهم ما يجري حولنا وفي العالم".وأشار الى أن بعض أحداث الحاضر لا تُفهم إلا من خلال فهمنا للماضي، مثل الحديث في بعض التقارير الإخبارية عن "الغرب" و"الشرق"، و"الحضارة الغربية" و "المنطق الغربي" والحضارة الغربية"، وهي طريقة تفترض فصل "الغرب" عن بقية أنحاء العالم. وأوضح ان الخطر يصبح كبيراً في هذا المجال عندما يؤخذ هذا الأمر كمسلمة، لا تناقش أو لا تقبل المناقشة. وأشار الى ان موضوع الصراع بين الحضارات ليس جديداً، وهو سابق لنظرية صموئيل هنتنغتون الذي طرح صيغة كلاسيكية لنظريته عام 1997 في كتاب يحمل هذا الاسم. كذلك هو سابق لهجمات 11 أيلول 2001 التي كانت نذيراً بمواجهة مفتوحة.ويميل عدد كبير من المحللين الصحافيين للأحداث العالمية الى الربط بين النزاعات العالمية والمجابهة بين الحضارات، وخصوصاً بين الحضارة الغربية والحضارة الاسلامية.الا أن نظرية الصراع بين الحضارات لا تزال غامضة، ولا تقدّم أي عنصر مساعد في التحليل الإخباري، بل هي تؤدي الى استنتاجات عكسية أحياناً.ونقطة الضعف الأساسية في هذه النظرية - بحسب امارتيا سين - هي في "أسسها المنهجية التي تقدم على تصنيف شعوب العالم بحسب نظام واحد يحصرها في عالمها الديني وليس في عالمها الحضاري، مثل "العالم...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم