الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كيف ساهم البابا فرنسيس بتحقيق خرق في الأزمة الروسيّة-الأوكرانيّة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
كيف ساهم البابا فرنسيس بتحقيق خرق في الأزمة الروسيّة-الأوكرانيّة؟
كيف ساهم البابا فرنسيس بتحقيق خرق في الأزمة الروسيّة-الأوكرانيّة؟
A+ A-

ديناميّة جديدة

الرجل القادم من عالم التمثيل والأعمال تفوّق في الانتخابات الرئاسيّة على الرئيس السابق بترو بوروشينكو المتشدّد في مسألة العلاقة مع روسيا. خلال حملته الانتخابيّة، وعد زيلنسكي الذي يتحدّث اللغة الروسيّة إلى جانب الأوكرانيّة باسترجاع السجناء من روسيا وهذا ما حصل. كان بوروشنكو قد وصف زيلنسكي بأنّه مرشّح الروس، بينما اعتمد الأخير خطاباً متذبذباً تجاههم، بدأ بانفتاح نسبيّ قبل أن يصبح أكثر صرامة مع مرور الوقت. لكن بعد الفوز بالانتخابات، برزت التهدئة مع اتصال أجراه زيلنسكي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ شهرين.

لا يزال مدى مساهمة وصول زيلنسكي إلى الرئاسة متباين الأثر في إنجاح الصفقة، لكنّه حاضر بالتأكيد، أكان كبادرة حسن نيّة من موسكو، أم كرهان على استغلال نقص الخبرة لديه. كان البروفسور المحاضر في كلّيّة الدراسات السياسيّة في جامعة أوتاوا الكنديّة إيفان كاتشانوفسكي قد ذكر ل "النهار" كيف أمل بوتين بحصول تغيير في العلاقات الثنائيّة فقط عند حصول أوكرانيا على قيادة جديدة، وأنّ هزيمة بوروشنكو الساحقة وانتصار زيلنسكي هما "فرصة لتسوية النزاعات مع أوكرانيا وفي دونباس وفقاً لشروطها وتعزيز أجندتها حول مسائل أخرى..."

التقارب الروسيّ-الأوروبّيّ

يصعب الحديث عن نجاح الصفقة من دون التطرّق إلى الانفتاح الأوروبي الأخير على بوتين. لا تزال العقوبات الأوروبية المفروضة على ضمّ موسكو القرم ودعمها السياسيّ والعسكريّ للمتمرّدين شرق البلاد سارية المفعول. لكن بالمقابل، لم تمنع تلك الإجراءات اتّخاذ بعض أبرز دول الاتّحاد الأوروبي خطوات سياسيّة واقتصاديّة أقلّ ما يمكن أن توصف بها هي كونها متقدّمة.

فالزيارات بين بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل السنة الماضية انطبعت بأجواء إيجابيّة، خصوصاً على صعيد الاتّفاق حول خط أنابيب نورد ستريم-2 الذي، وللمفارقة، سيسمح لروسيا بتفادي أوكرانيا بالكامل كمعبر أساسيّ لتصدير غازها إلى دول غرب أوروبا. ونتيجة استكمال المشروع ستكون حرمان كييف من مليارات الدولارات كعوائد من الرسوم على ترانزيت الغاز. لكنّ ميركل قالت لزيلنسكي حين زار ألمانيا في حزيران إنّها أكّدت أهمية دور أوكرانيا في عمليّة نقل الغاز إلى أوروبا "وأنّ الرئيس الروسيّ شدّد دوماً لي أنّه يفهم ذلك".

على الصعيد الفرنسيّ، لا تقلّ المبادرات إيجابيّة عن تلك التي قدّمتها ألمانيا. الزيارات بين الرئيسين الفرنسيّ والروسيّ لم تنقطع وآخرها كان حين زار بوتين فرنسا الشهر الماضي، كما أنّ نظرة إيمانويل ماكرون إلى روسيا تعبّر عن استراتيجيّة إيجابيّة بالنسبة إلى موسكو. فهو كرّر أنّ أوروبا ممتدّة من "ليشبونة إلى فلاديفوستوك" في تحوّل سياسيّ بارز إزاء موقع روسيا ودورها في القارّة العجوز.

تحادث بوتين وماكرون هاتفيّاً الأحد بعد يوم على تبادل سبعين أسيراً وقد رحّبا بهذه الخطوة. وجاء في البيان الصادر عن قصر الإليزيه أنّ "الرئيسين أكّدا أنّ الديناميّة الحاليّة ستتيح عقد قمّة خلال الأسابيع القليلة المقبلة في باريس على غرار ما كان يحصل في النورماندي للدفع باتّجاه تطبيق اتّفاق مينسك". في المقابل، كانت فرنسا وألمانيا قد دعمتا إعادة روسيا إلى حقّ التصويت في مجلس أوروبا حزيران الماضي الأمر الذي أثار استياء واحتجاج أوكرانيا في حينه. حدث ذلك بعد حوالي أسبوع على زيارة زيلنسكي ألمانيا.

الجندي المجهول

في هذا الإطار، ليس مستبعداً أن يكون الفاتيكان قد أدّى دور "الجنديّ المجهول" في هذه الصفقة بفعل استراتيجيّة خاصّة يطبّقها البابا فرنسيس. في مجلّة "فورين أفيرز"، أضاء فيكتور غايتان، مراسل بارز لصحيفة "السجل الكاثوليكي الوطني" الأميركيّة، على ديبلوماسيّة الفاتيكان في أوكرانيا انطلاقاً من الإرشاد الرسوليّ "فرح الإنجيل" سنة 2013 والذي شدّد على أربعة مرتكزات فكريّة.

الكلّ أهمّ من الجزء هو المرتكز الأوّل الذي حثّ عبره البابا فرنسيس الكنيسة الأوكرانيّة الكاثوليكيّة إلى الحياد في الصراع مع روسيا معتبراً ما يجري في أوكرانيا "حرب إخوة" لا "احتلالاً". المرتكز الثاني هو تفوّق الوحدة على النزاع. اهتمّ البابا بتعزيز الأخوّة بين الكاثوليك والأرثوذكس، وانفتح بالتساوي على بطريركي القسطنطينية وموسكو كيريل الأول وبرثلماوس الأول. يكمن المرتكز الثالث في أنّ الواقع أهمّ من الأفكار. ازدرى البابا الحاليّ العقائد السياسيّة فاهتمّ بالمساعدات الميدانية وجمعَ لمتضرري الحرب الأوكرانية حوالي 18 مليون دولار. أمّا المرتكز الرابع فهو أهمّية الوقت في معالجة الخلافات، إذ يقتنع البابا بأنّ الأفضليّة للتقدّم ببطء ولبناء الثقة والمحبّة عبر اللقاءات وتشجيع المصالحات من دون التحكم بالنتيجة.

دلالة هذه الديبلوماسية أميركياً

استطاع البابا أن يكوّن علاقة شخصيّة مع الرئيس الروسيّ الذي التقاه مرّات عدة، كان آخرها في تمّوز الماضي. ويبدو أنّ البابا فرنسيس لم يعطِ أهمّيّة لتأخّر بوتين عن مواعيده الثلاث معه (2013، 2015، 2019) بمعدّل ساعة لكلّ لقاء، وربّما بسبب اهتمامه بتعزيز الثقة فوق أيّ اعتبار آخر. فتحت مرتكزات هذه الديبلوماسيّة الباب أمام تحسّن العلاقات الروسيّة-الأوكرانيّة، علماً أنّ الحذر واجب إزاء احتمال المبالغة في توقّع استمرار التحسّن لفترة طويلة قبل بروز مؤشّرات أخرى ترسم نمطاً في هذا المجال. وساعدت التطوّرات الأوروبية ديبلوماسيّة الفاتيكان في أن تؤتي ثمارها، بينما لا يظهر أنّ العلاقات بين روما وواشنطن في أفضل أحوالها.

سبق للبابا أن انتقد "الذين يريدون بناء الجدران لا الجسور" في إشارة ضمنيّة إلى سياسة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب علماً أنّه استقبله بعد ذلك في الفاتيكان سنة 2017. في أوكرانيا أيضاً، دعمت الإدارة الأميركيّة الحاليّة استقلال الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة عن بطريركيّة موسكو وهو الموضوع الذي رفض الفاتيكان الانخراط فيه. ديبلوماسيّة الفاتيكان الحاليّة في أوكرانيا هي أبرز دليل على أنّ العلاقات بين روما وواشنطن لم تعد اليوم كما كانت عليه خلال عهد ريغان-يوحنا بولس الثاني، وفقاً لغايتان. على أيّ حال، ومهما عنت بالنسبة إلى العلاقات مع الأميركيّين، يبدو أنّ الديبلوماسية البابوية في أوكرانيا وروسيا بدأت تؤتي بعض الثمار.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم