الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

جونسون يعلّق عمل البرلمان... "تشيرشل يتقلّب في قبره"؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
جونسون يعلّق عمل البرلمان... "تشيرشل يتقلّب في قبره"؟
جونسون يعلّق عمل البرلمان... "تشيرشل يتقلّب في قبره"؟
A+ A-

لماذا وافقت الملكة إليزابيت؟

قبل أن يخطو جونسون خطوته، طلب الموافقة من الملكة إليزابيت الثانية وقد حصل على مراده. مع ذلك، رأى معارضوه أنّ هذا الطلب "غير قانونيّ وغير دستوريّ" علماً أنّ تعليقه عمل البرلمان ليس مفاجئاً بالكامل، بل يعود إلى زمن التنافس على رئاسة حزب المحافظين في أيار وحزيران الماضيين. حينها، طرح دومينيك راب (وزير الخارجية الحالي) هذه الفكرة عندما كان يخوض حملته، ولم ينفِ جونسون احتمال تبنّيها لاحقاً. غير أنّ السؤال البارز يبقى في السبب الذي دفع الملكة للاستجابة إلى جونسون بما أنّ طلبه، وربّما غايته، غير شرعيّة. يمكن فهم السبب من خلال ما طرحته البروفسورة المشاركة في مادّة التاريخ في الجامعة الأميركيّة بواشنطن لورا بيرز عن الملكة إليزابيت: "لم تملك أيّ خيار".

تكتب بيرز في موقع "ذا كونفرسايشن" الأوسترالي أنّ الملكة البريطانيّة حرّة مبدئيّاً في اتّخاذ ما تراه مناسباً، لكنّ شرعيّة حكمها مستمدّة من إرادة الشعب البريطانيّ المفترض أنها ممثّلة عادة في الحكومة، لذلك، إنّ استقلاليّتها محدودة. بيرز، وهي باحثة أيضاً في تاريخ بريطانيا المعاصر، تشير إلى أنّ والد الملكة الحاليّة، الملك جورج السادس، لم يرفض طلب رئيس الوزراء كليمنت أتلي بتعليق البرلمان في تشرين الأوّل 1948 لتمرير إصلاحات قانونيّة عرقلها مجلس اللوردات. ولو رفضت الملكة طلب جونسون لكانت أقحمت الملكيّة في صراع سلطة بين رئيس الوزراء والبرلمان، في قرار من شأنه أن يطلق "أزمة دستوريّة أعظم". لكن عوضاً عن ذلك، وافقت على طلب جونسون وتركت البتّ في مسألة الشرعيّة للمحاكم.


"تشيرشل يتقلّب في قبره"

أطلقت مسألة "بريكست" سجالاً داخليّاً حادّاً حول الركن الأساسيّ للديموقراطيّة البريطانيّة: البرلمان أم الحكومة؟ تعدّ بريطانيا رائدة نظام الحكم البرلمانيّ الذي يقوم على التوازن والفصل المرن بين السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة أي مع الإبقاء على التعاون بينهما، بعكس نظام الحكم الرئاسيّ الأميركيّ الذي يقوم على الفصل الحادّ بين السلطتين علماً أنّ السلطة التنفيذيّة يمثّلها الرئيس. في الحالات الطبيعيّة، لا يواجه هذا النظام مشاكل كبيرة. لكن في أزمة كـ "البريكست"، أعيد السجال الإعلاميّ والقانونيّ حول من يمثّل حقيقة إرادة الشعب البريطانيّ.

حذّرت مدّعي عام الظل لإنكلترا وويلز شامي شاكرابارتي في "الغارديان" من التعب الشعبيّ في إبداء الغضب بحيث أنّ الشعب الذي كان غاضباً لفترة طويلة جداً أنهِك لدرجة أنّ "الانتهاكات الرهيبة للسلطة الآن تكاد تبدو طبيعيّة". تستشهد شاكربارتي بحكم المحكمة العليا سنة 2017 بالإجماع على أنّ سيادة البرلمان تبقى أهم مبدأ في الدستور، وأنّه لا يحق للحكومة اللجوء إلى المادّة 50 من دون تفويض تشريعيّ، والأمر نفسه ينطبق على مناقشة "بريكست".

يعكس هذا النقاش القانونيّ جزءاً من الصراع السياسيّ بين معسكري "المغادرة مع اتّفاق" و "المغادرة في جميع الأحوال". ومع كلّ نقاش قانويّ وسياسيّ يُستحضر التاريخ كشاهد على ما آلت إليه بريطانيا اليوم، أو من أجل الاهتداء بمسيرة السياسيّين البريطانيّين البارزين مثل ونستون تشيرشل.

شاكرابارتي على سبيل المثال، تذكّر بأنّ مجلس العموم اجتمع خلال القصف النازيّ على بريطانيا حتى حين تعرّض المجلس للغارات الجوّيّة، مضيفة أنّه "لا بدّ من أن يكون ونستون تشيرشل يتقلّب في قبره".


"أكثر الجنرالات وحشيّة"

لم تكن شاكرابارتي الوحيدة التي أتت على ذكر تشيرشل. تذكر أليستر هيث في صحيفة "التيليغراف" البريطانية كيف رفض سنة 1940 إعطاء عطلة عيد الميلاد لمساعديه "متعجّباً" من طلبهم هذا، ولم يسمح لهم إلا بحضور القدّاس الإلهيّ. كان مساعدوه يغادرون عند الساعة السادسة صباحاً ويصلون إلى عملهم عند العاشرة، أمّا هو فلم يأخذ سوى ثمانية أيّام عطل طوال الحرب العالميّة الثانية. تتابع هيث أنّ جونسون معجب بتشيرشل ويسعى إلى أن يُقارن به. لكن ما يميّز تحليل الكاتبة هو تركيزها على أنّ معركة جونسون ليست "بريكست" فقط.

هي أيضاً الفوز بغالبيّة في الانتخابات المقبلة، تدمير جيريمي كوربن، إعادة "حزب العمّال" إلى يسار الوسط، وإدخال إصلاحات تاريخيّة للتعليم والضرائب والتخطيط والهجرة. ما يريده جونسون بحسب الكاتبة، البقاء في السلطة لعشر سنوات وأن يتمّ ذكره كثالث أفضل زعيم للمحافظين خلال قرن. رئاسة الوزراء هذه، هي "كأكثر الجنرالات وحشيّة، مستعدّة لتحمّل الخسائر على طول الطريق، وللتضحية بأيّ شيء وأيّ شخص غير أساسيّ، في السعي للحصول على الجائزة النهائيّة".


طموح مهلك؟

خطوة جونسون قد تكون صادمة لقسم كبير من البريطانيّين، وإذا صحّ أنّه مهتمّ بترسيخ ديمومته في السلطة إلى جانب الاهتمام بمسألة "بريكست" فإنّ طموحه الواسع قد يكون مهلكاً له ولحزبه. لكن يبدو أنّه لا يزال هنالك جانب من شخصيّة جونسون يتمتّع ببعض المرونة، أقلّه على المستوى الدوليّ. فهو كان أقرب للأوروبيّين من الأميركيّين في مسألتي الحرب التجاريّة مع الصين وإعادة روسيا إلى مجموعة السبع خلال القمّة الأخيرة في بياريتز.

كذلك، يظهر أنّ جونسون تراجع عن فكرة عدم التحاور مع الأوروبيين حول "بريكست" إذا لم يتخلّوا عن "شبكة الأمان" الآيرلنديّة. فهل من بوادر كي يتفوّق الجانب الديبلوماسيّ على الجانب العسكريّ في "جنرال" 10-دوانينغ ستريت، أم يستمرّ بالتضحية بكلّ ما أمكن للوصول إلى جائزته النهائيّة؟

قد يحمل الأسبوع المقبل ملامح إجابة. لكنّ التضحية "بأيّ شيء وأيّ شخص" قد لا تنفعه بالضرورة في بلوغ "الجائزة".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم