الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل "خسرت" لندن حرب الناقلات مع إيران بسبب ترامب؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
هل "خسرت" لندن حرب الناقلات مع إيران بسبب ترامب؟
هل "خسرت" لندن حرب الناقلات مع إيران بسبب ترامب؟
A+ A-

بين الاستقلالية والتنسيق

احتجزت لندن "غرايس-1" التي أصبح اسمها لاحقاً "أدريانا داريا-1" بناء على كونها تنقل حمولة نفطيّة إلى سوريا وبناء على معلومات استخباريّة من الأميركيّين. أوضحت بريطانيا أنّ خطوتها لم ترتبط بالسياسة الأميركيّة بل بالسياسة الأوروبية التي فرضت عقوبات على نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وقبل الإفراج عنها بساعات، طالبت الإدارة الأميركيّة سلطات جبل طارق تسليمها الناقلة، لكن من دون جدوى.

أمكن فهم الخطوة وكأنّها نوع من الاستقلاليّة البريطانيّة عن السياسة الأميركيّة في وقت يترقّب كثر تعزيزاً للعلاقات البريطانيّة-الأميركيّة في عهد رئيس الحكومة الحاليّ بوريس جونسون. وكان القضاء المحلّي قد أعلن أنّه لا يصنّف الحرس الثوريّ إرهابيّاً كما تفعل الولايات المتّحدة. لكن بين التنسيق والاستقلاليّة، بدا أنّ الحكومة البريطانيّة لم تحقّق المكاسب التي أمِلتها.

فالبريطانيّون أفرجوا عن ناقلة النفط الإيرانيّة مقدّمين تنازلاً قد لا يضمن لهم استعادة "ستينا إمبيرو" فيما الأميركيّون يراقبون الناقلة الإيرانيّة ويحاولون منعها من الرسوّ في المرافئ المتوسّطيّة. وقال نائب وزير الماليّة اليونانيّ ميلتياديس فارفيتسيوتيس إنّ الحكومة اليونانيّة "واجهت ضغوطاً" من واشنطن بسبب الناقلة لكنّ بلاده وجّهت "رسالة واضحة بأنّها لا ترغب في تسهيل نقل النفط إلى سوريا تحت أيّ ظروف". وأضاف أنّ الناقلة كبيرة جدّاً ولا يمكنها الرسوّ في أي ميناء يوناني.

أولويّة

من جهة أخرى، ليس معروفاً ما إذا كانت الولايات المتّحدة ستنجح في احتجاز السفينة أو أنّ إيران ستسترجعها في نهاية المطاف. يهدف التنسيق الأميركيّ-البريطانيّ المفترض في بعض التحليلات إلى تذكير دول العالم بجدّيّة التحرّك ضدّ من يتعامل تجاريّاً مع إيران. في هذا الشأن، يقول محلّل الشؤون الإيرانيّة في "مجموعة يورايجا" هنري روم لمراسل شؤون الأمن القوميّ في مؤسّسة "ذا ناشونال إنترست" ماثيو بيتي إنّ "واشنطن ولندن حسبتا على الأرجح أنّ احتجاز ‘غرايس-1‘ كان يستحقّ العناء – خصوصاً لأنّه وفّر تذكيراً مستمرّاً لمجتمع الأعمال الدوليّ بمخاطر التعامل مع إيران".

لكنّ هذا الهدف قد لا يتحقّق، إذا نجحت إيران في إيصال ناقلتها إلى سوريا، أو على الأقلّ، إذا تمكّنت من استرجاعها لاحقاً. فناقلات النفط الإيرانيّة ليست وحدها الخاضعة للرقابة الأميركيّة المشدّدة. فرضت واشنطن الشهر الماضي عقوبات على شركة "زوهاي زينرونغ" الصينيّة ومديرها التنفيذيّ لشرائهما النفط من إيران.

بذلك، كلّما نجحت واشنطن في خطواتها باعتراض صادرات النفط الإيرانيّة، نجحت أيضاً في توجيه رسالة إلى المتعاملين مع طهران، ومن بينهم بعض الشركات الصينيّة، بضرورة الامتناع عن ذلك. ولهذا السبب، يشكّل إفشال وصول "غرايس-1" إلى سوريا أولويّة قصوى بالنسبة إلى الأميركيّين اليوم. لكن لماذا تخلّت لندن عن واشنطن في ملفّ الناقلة الإيرانيّة؟

دلالة

ثمّة اعتقاد لدى البعض بأنّ العكس هو صحيح. ينقل بيتي عن نائب الرئيس التنفيذيّ ل "معهد كوينسي" تريتا بارسي قوله إنّ الولايات المتّحدة تدفع حلفاءها للتشدّد إزاء إيران، لكن عندما تردّ الأخيرة، يجد الحلفاء أنّ واشنطن ليست هنا لمساعدتهم. بالاستناد إلى هذا التحليل وغيره توصّل بيتي إلى خلاصة مفادها أنّ بريطانيا "خسرت حرباً لم تردها قط مع إيران".

لكنّ الجزم بأنّ بريطانيا "لم ترد" تلك الحرب السياسيّة يبقى صعباً. فبريطانيا لا تزال تشارك في القوّة البحريّة التي تقودها الولايات المتّحدة في الخليج العربيّ لحماية الملاحة، وقد أرسلت منذ حوالي عشرة أيّام الفرقاطة "أتش أم أس كَنت" لتنضمّ إلى تلك القوّة. وعلى الرغم من أنّ البربطانيّين يؤكّدون نيّتهم خفض التصعيد مع إيران، تمثّل مشاركتهم دلالة لافتة إلى تقارب في وجهات النظر مع الأميركيّين حول حرّيّة الملاحة في الخليج.

"لا انفصال؟"

مجلّة "إيكونوميست" البريطانيّة لم تعطِ إيران "نصراً" في الإفراج عن ناقلتها. فالردّ باحتجاز "ستينا إمبيرو" أمكن أن يعطي الإيرانيّين مكسباً تفاوضيّاً لولا تعهّدهم عدم إرسال ناقلتهم إلى أيّ دولة معاقبة أوروبيّاً، وفقاً للمجلّة. ولندن اليوم لم تصل إلى حدّ الموقف الموحّد من إيران مع واشنطن. لذلك، إنّ تحليل نقاط الفوز والخسارة بالنسبة إلى العلاقات البريطانيّة-الأميركيّة قد لا يكون في محلّه حاليّاً.

فقد أضافت المجلّة أنّ جونسون يحاول اعتماد سياسة إيرانيّة "متوازنة" بين الأميركيّين والأوروبّيّين، إذ إنّ انخراطه في مهمّة بحريّة أميركيّة، لا أوروبّيّة، في الخليج العربي يعني اعتماده سياسة أكثر تشدّداً من الحكومة السابقة. "لكنّ الإفراج عن أدريانا داريا-1 يظهر أنّه حتى السيّد جونسون لا يريد الانفصال عن أوروبا والانضمام إلى ترامب في خنق إيران. على الأقل، ليس بعد".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم