الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

صيف تلك السنة!

صيف تلك السنة!
صيف تلك السنة!
A+ A-

صيف تلك السنة. المخرجة الإسبانيّة كارلا سيمون في السادسة من عمرها وقد خسرت لتوها والديها بمرض "الأيدز" (فقدان المناعة المُكتسبة). لا يُمكن تغيير الظروف، والصغيرة لا تبكي الرحيل المفاجئ الذي سيُبعثر أوراق طفولتها الزاهية. وكأنها تعرف بطريقة غريزيّة أن الحياة لن تستعيد بريقها في الوقت الحاضر، فإذا بها تستقبل ثوب الأيام الجديد بلامُبالاة سنفهم لاحقاً أنها تخفي موكباً من الظلال، ولا بد لها من أن تجمعها تدريجياً لخلق قصّة جديدة. حان وقت الرحيل. لا يُمكنها التكهّن بأن ملامح حياة جديدة ستظهر لا محال أمامها لتتجسّد يوميّات بارزة مشعّة، وأن ثوب الأيام الجديد، في الواقع، مُزخرف بالكشكش الذي يليق بالصبا. الصغيرة لا تذرف الدموع ولا تُكثر من الكلام الذي لا فائدة منه، "يالّلي راح، راح". بطلب من والدتها تنتقل المُتمرّدة القريبة من القلب للعيش مع خالها وزوجته وابنته في إحدى القُرى النائية. بيئة جديدة وكارلا سيمون فاترة الشعور تعيش لحظات لا تُعد ولا تُحصى. وتتأرجح في مُحيطها الجديد ما بين اللهو والتمرّد. كيف ستتمكّن من التعامل مع حياتها الجديدة؟ وهل ستفهم المعنى الحقيقي لفقدان الأب والأم بمرض يُحكى عنه الكثير "بنبرة سريّة"؟ والأهم من ذلك هل ستتقبّل عائلتها الجديدة؟ وفي الوقت عينه هل ستحافظ على رونق "الولدنة"؟ ها هي ملامح حياتها الجديدة تظهر بارزة مُشعّة وتتفتّح وردة جريحة تتأقلم مع يوميّات تُسيّجها الطفولة. والصغيرة لا تبكي، وشيء ما في حزنها المُستتر يشير إلى الجمال البالغ الرقّة.

الوقت يمرّ.

كارلا سيمون تعيش طفولة جميلة مع عائلتها الجديدة على الرغم من كل التغيرات، والوقت يُسعفها في إستعادة بريق الصبا. وفي لحظة ما تذرف دموعاً غزيرة وتعرف الحب الحقيقي مع عائلتها المؤلفة من أب وأم وشقيقة يعشقونها، وبفضلهم بكت ونقلت إليهم من خلال الدموع كل الذي عجزت عن التعبير عنه عندما رحل في المرحلة الأولى والدها البيولوجي وبعده والدتها. وهي اليوم مُخرجة شابة في الثلاثين من عمرها تقدّم فيلمها الطويل الأول الذي استوحت خطوطه العريضة من صيف تلك السنة، وأضافت إليه الكثير من التفاصيل الروائيّة التي تليق بالسينما. أطلقت على الفيلم عنوان "صيف 1993"، وقد حلّت أخيراً ضيفة على السفارة الإسبانيّة في لبنان، واحتسينا معاً فنجان قهوة.

تروي بفرح هادئ أنها أرادت، بداية، أن تُصبح صحافيّة انطلاقاً من عشقها للسفر. "أردت أن أنجز الأفلام الوثائقيّة لأتمكن من التجوّل في مختلف أنحاء العالم". ولكن عندما عرضت المعلمة في المدرسة أحد الأفلام، "تفاعلت مع قدرة السينما على التعبير عن أشياء عميقة بأسلوب جميل. وقعت في حب الاحتمالات".

كان لا بد لها من أن تكتب قصّة فيلمها الأول انطلاقاً من قصتها الشخصيّة. أول صيف تمضيه مع عائلتها الجديدة. الفيلم يروي الحياة الجديدة من منظار الطفلة التي تُدعى في الفيلم، فريدا. "إنها طريق طويلة من الحداد". اكتشفت أنها، في الواقع، نسيت حوادث صيف تلك السنة، وأنها ذرفت الدموع الحقيقية للمرة الأولى لدى قراءتها أحد الكتب الذي تموت فيه البطلة. شعرت بالذنب لأنها لم تتمكّن من البكاء على والدتها، وكان عليها أن تقرأ كتاباً يُحاكي الموت لكي تتصالح مع دموع لم تذرفها طفلة. جلست لساعات طويلة مع عائلتها بالتبني عندما حان وقت الكتابة عن صيف تلك السنة. وضع والدها أمامها عشرات الصور التي تظهرها طفلة سعيدة "ما بالها إلا باللعب". لم تكتب لتشفى من الماضي، على اعتبار أن صغر سنها حماها آنذاك من الواقع. ولكن الساعات الطويلة التي أمضتها إبنة الـ32 عاماً مع والديها بالتبني ساعدتها لتفهم قصتها بشكل أعمق. "وأصر والدي على المشاركة في الفيلم. أمي أشرفت على النص وأبي ساعدنا في تركيب الديكور. وقد صورنا الفيلم في القرية التي نشأت فيها".

كان عليها أن تنتظر 6 أشهر لتجد الصغيرة التي ستضطلع بدور فريدا في الفيلم. في المشهد الأخير تذرف الصغيرة الدموع التي أخفتها لفترة طويلة. تضحك كارلا سيمون وهي تروي، "لم تتمكن لايا الممثلة من البكاء في المرحلة الأولى. ولكنها تمكّنت أخيراً من إظهار الانفعالات والدموع الصادقة عندما شعرت كما أخبرتني لاحقاً بأنها خذلتني وخيّبت ظنّي. بكت لشدّة غضبها من نفسها".

 [email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم