السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

واشنطن ترى في "جنيف 2" عملية تفاوضية طويلة الامد نجاحها غير مضمون\r\n

المصدر: النهار
هشام ملحم
هشام ملحم
A+ A-

رحب وزير الخارجية الأميركية جون كيري بقرار "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" المشاركة في مؤتمر جنيف 2 ، معتبرا انه خطوة "شجاعة" تخدم مصلحة الشعب السوري "الذي عانى في شكل مرّوع في ظل وحشية نظام الاسد وحرب اهلية". واضاف في بيان له ان الولايات المتحدة ستواصل دعم المعارضة السورية في استغلال "افضل فرصة لتحقيق انتقال سياسي من خلال المفاوضات وفقاً لما ورد في بيان جنيف 1 بما في ذلك تشكيل هيئة حكومية انتقالية بالتوافق تمارس صلاحيات تنفيذية كاملة، بما في ذلك الجيش والمؤسسات الامنية ".


واضاف: "ومع معالجتنا للعملية الانتقالية السياسية، سوف نواصل ايضا المطالبة بانهاء النظام لهجمات صواريخ سكود، والبراميل المتفجرة وغيرها من الاسلحة المروّعة التي يستخدمها ضد المدنيين، وسوف نواصل الدفع بتحسين تسليم المساعدات الانسانية، وتبادل الاسرى، والافراج عن الرهائن من الصحافيين والعاملين في مجال الاغاثة". وتعهد العمل المباشر مع المعارضة السورية والمجتمع الدولي في المؤتمر بدءا من 22 الجاري، وفي كل يوم يلي ذلك. نحن نعلم ان العملية امامنا سوف تكون صعبة، لكنني اقول للشعب السوري مباشرة : سوف نقف معكم في كل ميل تمشونه في هذه المسيرة في سعيكم لتحقيق الحرية والكرامة التي يستحقها جميع السوريين".


وكان مسؤولون اميركيون تحدثت معهم "النهار" قالوا ان رئيس الائتلاف أحمد الجربا قد ابلغهم انه شخصيا يؤيد المشاركة في المؤتمر ويدرك المضاعفات السلبية التي ستنجم عن المقاطعة، ولكنه اوضح ان المشاركة سوف تزيد من حدة التوتر داخل الائتلاف ومع بعض التنظيمات الفاعلة على الارض، وان كانت هناك تنظيمات اسلامية تميل لدعم الائتلاف في المشاركة.


وقالت المصادر الاميركية انه منذ ان رفضت "الجبهة الاسلامية" الاجتماع مع ممثلين عن الحكومة الاميركية في تركيا لان السفير روبرت فورد، المسؤول عن تنسيق الاتصالات مع المعارضة لم يكن في الوفد الاميركي "توقفت الاتصالات بيينا وبين الجبهة الاسلامية". وسيشارك السفير فورد في افتتاح المؤتمر في مدينة مونترو السويسرية في 22 الجاري، وسوف ينضم ايضا الى المتفاوضين في جنيف لاحقا، لكنه وفقا للمصادر الاميركية، لن يبقى في المفاوضات حتى نهايتها "ويعتزم التقاعد قريبا". وكانت الحكومة الاميركية، في خطوة مفاجئة، قد تراجعت عن تعيين فورد سفيرا في القاهرة كما كان متوقعا، وذلك في ضوء الحملة الشرسة في الاعلام المصري التي شوهت سجله ومواقفه.


مواقف وتقويمات المسؤولين الاميركيين في الاسابيع والايام التي سبقت المؤتمر تظهر ان واشنطن، على رغم الجهود المكثفة والمضنية التي بذلها الوزير كيري لضمان انعقاد المؤتمر لديها توقعات متواضعة للغاية منه –على الاقل في مراحله الاولية- وان تحديدها لنجاح المؤتمر هو مجرد انعقاده. ايضا، صحيح ان الوزير كيري يتحدث دوماً عن دور روسيا واهمية نفوذها في قرارات الرئيس بشار الاسد، وخصوصاً بعد دورها المحوري في موافقة الاسد على تسليم ترسانته الكيميائية للامم المتحدة، الا ان هناك ادراك واسع الان في اوساط الحكومة الاميركية بان دور ايران في بقاء الاسد في دمشق بات أهم بكثير من دور روسيا في هذا السياق. والاعتقاد السائد في واشنطن، داخل الحكومة وفي اوساط المحللين في مراكز الابحاث هو ان تدخل ايران في القتال بشكل مباشر من قبل عناصر في "الحرس الثوري "الباسدران"، الى التقنيين والمدربين، والدور القتالي المهم ل"حزب الله" والميليشيات الشيعية العراقية، واستخدام الاراضي والاجواء العراقية لنقل السلاح الايراني لسوريا، كلها تطورات تؤكد ان ايران عمليا هي التي انقذت نظام الاسد، او على الاقل منعت المعارضة من عزله جغرافيا عن المناطق العلوية على الساحل السوري. وفي هذا السياق كشفت مصادر اميركية لـ" النهار" ان الوزير كيري بعد مشاركته في افتتاح المفاوضات في مونترو، سوف ينتقل بعد ذلك الى مدينة دافوس السويسرية للمشاركة في المنتدى الاقتصادي الدولي الذي يعقد سنويا في هذه المدينة، حيث يأمل في الاجتماع بالرئيس الايراني الجديد حسن روحاني كي يناقش معه الصراع في سوريا، الى الملف النووي وقضايا اخرى. وقالت المصادر ان الاتصالات الاميركية-الايرانية في هذا الصدد مشجعة ولكنها تفادت الجزم بان الاجتماع سينعقد.


وعندما تسأل المسؤولين الاميركيين عن مفهومهم لنجاح "جنيف 2" يقولون ان موافقة النظام في دمشق والمعارضة على التفاوض على اساس بيان "جنيف 1" هو بحد ذاته نجاح كبير. وكما قال لنا احدهم " اطلاق عملية المفاوضات هو النجاح في هذه المرحلة، لاننا لا نتوقع التوصل الى حل في أي وقت قريب". واوضح: " يهمنا جدا ان نبين للشعب السوري ان "هناك بداية لعملية تفاوضية طويلة الامد". ويردد السفير فورد دوماً للعاملين معه انه يتوقع مفاوضات "تستمر لاشهركثيرة". ويسخر المشككون بنجاح المؤتمر او الذين يرفضون مرجعيته او امكانية قبول الاسد بعملية سياسية تؤدي الى اطاحته خصوصاً وهو يحقق تقدما عسكريا، من هذه الجهود ويقولون انه سيكون لسوريا من الان فصاعدا "عملية سلام" مفتوحة كما هو الحال في "عملية السلام" بين اسرائيل والفلسطينيين. ويتخوف هؤلاء من ان يتركز اهتمام المسؤولين الاميركيين بعد جنيف على صون "العملية" التفاوضية السلمية أكثر من الضغط للتوصل الى اتفاق، لا سيما وان ذلك يتطلب دورا قياديا مكثفا ومباشرا، ربما من الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي تفادى في الاشهر الاخيرة التطرق او التدخل مباشرة –علنيا على الاقل- في نزاعات سوريا والعراق ومصر.


وتوقع مفاوضات طويلة، يستمر خلالها سقوط الاف الضحايا كان من بين الاسباب التي جعلت المعارضة تتحفظ على المشاركة في مؤتمر مفتوح، وخصوصاً بعدما عزز النظام وضعه العسكري بحيث يستطيع المماطلة ومواصلة التفاوض الى ما لا نهاية. ويتوقع المسؤولون الاميركيون ان "تواصل واشنطن وموسكو في جنيف استخدام نفوذهما مع المعارضة والنظام لدفع المفاوضات". وسوف تتضح الصورة اكثر بعد الجلسات الاولى" كما قال احدهم. وليس من الواضح حتى الان، ما هو دورواشنطن وموسكو او الامم المتحدة التي سيمثلها وكيل الامين العام للامم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان في المؤتمر، خصوصاً حين وصول المفاوضات كما يتوقع العديد من المراقبين وبسرعة الى طريق مسدود.وحين سؤالهم عن ذلك يقولون : من السابق لاوانه التكهن بذلك. وهناك قناعة لدى الوزير كيري والسفير فورد (وربما الاصح وصفها بانها امنية) من ان موقف روسيا من بقاء الاسد في السلطة يمكن ان يتغير في المفاوضات وخاصة اذا نجحت المعارضة في طرح تصور لمستقبل سوريا يشمل مختلف مكونات المجتمع السوري الدينية والاثنية والمذهبية وان مصالح موسكو لن تتضرر في سوريا الجديدة. ويعتقد كيري ان موسكو التي ضغطت على الاسد للتخلي عن ترسانته الكيميائية يمكن ان تضغط عليه لابداء مرونة اكبر والقبول بعملية انتقالية لا تشمل بقائه في السلطة اذا حصل على بعض الضمانات.


واكد المسؤولون الاميركيون ان ايران لن تشارك في المؤتمر بشكل مباشر وحتما ليس على مستوى وزراي لانها لم تقبل حتى الان ببيان جنيف1 وخاصة مسألة العملية الانتقالية الى نظام بديل للاسد، ولكنهم لم يستبعدوا دورا ايرانيا "على هامش" المؤتمر، لا سيما اذا حصل كيري على تطمينات في هذا الشأن من روحاني. ويرى الاميركيون ان البدء في تنفيذ الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة الخمسة زائد واحد، يجب ان يساهم في تحسين الاجواء بين الحكومتين الاميركية والايرانية لاستكشاف امكان تعاون أكثر بالنسبة للصراع في سوريا. لكن هؤلاء يدركون ايضا ان الشخصيات والقوى المتشددة التي تدير او تشرف على سياسة ايران في سوريا، (الحرس الثوري وقائد فيلق القدس قاسيم سليماني) ليسوا هو الذين يشرفون على الملف النووي مثل روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف الاكثر اعتدالا.


ويرى العديد من المراقبين ان تخلي ايران عن الاسد غير متوقع لان ايران ترى في الاسد شخصيا الضامن الاساسي لعلاقتها الاستراتيجية المهمة مع "حزب الله" في لبنان واهمية الحزب وترسانته الصاروخية في أي مواجهة محتملة بين اسرائيل وسوريا بسبب البرنامج النوي الايراني. ويقول السفير السابق فريدريك هوف الذي كان مسؤولا عن الملف السوري في ولاية اوباما الاولى والباحث حاليا في مركز رفيق الحريري للشرق الاوسط التابع للمجلس الاطلسي، ل"النهار" ان ما اعطاه الاسد لايران تخطى بكثير ما اعطاه في السابق والده حافظ الاسد ما كان يمكن ان يعطيه لو بقي على قيد الحياة. واضاف :" بشار الاسد لا يسمح فقط بنقل السلاح الايراني المتطور لحزب الله لا ويخزنه لصالح الحزب في سوريا، بل انه وفر للحزب سلاحا من المخازن السورية، وهو مثله مثل ايران كان يرى في حزب الله قبل الانتفاضة احد المكونات الرئيسية في سياسة ردع ايران كما تبين من حرب 2006 ". وقال :" لن تجد ايران في سوريا أي رئيس مقبل يمكن ان يعطيها الامتيازات التي اعطاها اياها بشار الاسد، وخاصة بالنسبة للتنسيق مع حزب الله. وطالما لم يتم الاتفاق على اتفاق نهائي بين طهران ومجموعة الخمسة زائد واحد حول البرنامج النووي الايراني، يمكن ان يطمأن اسرائيل كي تتخلى عن الخيار العسكري، ويمكن ان يطمأن ايران بان السيف الاسرائيلي لن يبقى مسلطا فوق رأسها، لا اعتقد ان ايران سوف تتخلى عن بشار الاسد".


وبما ان واشنطن تدرك وتتوقع مفاوضات طويلة وصعبة وغير مضمونة، ستسعى مع موسكو والامم المتحدة للتعويض عن الحل السياسي صعب المنال ان تحقق انجازات او نجاحات محدودة، كما يكرر الوزير كيري في مجال الممرات الامنة لنقل الاغذية والادوية الى الاماكن المحاصرة، الافراج عن الاسرى من المقاتلين او الرهائن، او التوصل الى اتفاقات لوقف اطلاق النار في بعض المناطق اذا رآت الاطراف المتقاتلة ان ذلك يخدم احتياجاتها واوضاعها التكتيكية. كل هذه الاعتبارات تبين ان "جنيف 2" سيكون "عملية سياسية" طويلة ومضنية ونجاحها غير مضمون.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم