السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

سيبيريا... وجهة مستقبليّة مثاليّة للهاربين من التغيّر المناخيّ؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
سيبيريا... وجهة مستقبليّة مثاليّة للهاربين من التغيّر المناخيّ؟
سيبيريا... وجهة مستقبليّة مثاليّة للهاربين من التغيّر المناخيّ؟
A+ A-

لكنّ بابادوبولوس نفسها لم تنفِ سلبيّات هذه الظاهرة كاتبة عن "نتيجة إيجابيّة محتملة غير مقصودة للكارثة البيئيّة". ونقلت دراسة أجراها فريق بحثيّ مشترك بين "مركز كراسنويارسك الفيديراليّ للأبحاث" في روسيا (وكراسنويارسك تشهد حاليّاً موجة الحرائق المستمرّة في غاباتها)، و"المعهد الوطنيّ الجوّي-الفضائيّ" في الولايات المتّحدة، وبيّنت أنّه مع أواخر القرن الحاليّ يمكن أن تصبح أجزاء كثيرة من سيبيريا أكثر قابليّة للسكن.

تكيّف مع أرقام وأخطار

في الدراسة التي نشرها العلماء في موقع "رسائل البحث البيئيّ"، الكثير من الأرقام اللافتة للنظر. وفقاً لسيناريوهات مسار التركّز التمثيليّ "آر سي بي" لثاني أوكسيد الكربون، يمكن أن ترتفع الحرارة ب 3.4 درجات (إذا كان مسار التركّز عند 2.6 وصولاً إلى 9.1 درجة إذا وصل مسار التركّز إلى 8.5 وسط الشتاء. ويمكن أن ترتفع الحرارة ب 1.9 درجات (2.6) إلى 5.7 (8.5) وسط الصيف.



إذا صحّ سيناريو تركّز ثاني أوكسيد الكربون بحدود 8.5، ستكون روسيا الآسيويّة تحت غطاء ثلجيّ أقلّ (من 65% إلى 40%) بحلول ثمانينات القرن الحالي. حتى وفقاً لسيناريو مسار التركّز الأدنى (2.5) ستكبر المساحات القابلة لاستيعاب البشر بحوالي خمسة أضعاف.



هنالك العديد من العوائق التي تمنع سيبيريا من أن تكون وجهة مثاليّة للعديد من سكّان الأرض الهاربين من لهيب المناطق ذات المناخ المعتدل تاريخيّاً. فسيبيريا ستكون بحاجة لاستثمارات هائلة لتغيير البنية التحتيّة من أجل استيعاب الوافدين الجدد. وحتى لو تمّ تأمين ذلك، سيكون على الوافدين تقبّل "حرائق الغابات الهائجة، الدببة القطبيّة الشرهة، البعوض الغازي، وخطر الوفاة بسبب الجمرة الخبيثة" وفقاً لما كتبه مراسل الموقع البيئي "إيرثر غيزمودو" براين كاهْن في 10 حزيران.

أفاعٍ وقوارض في سيبيريا... وأكثر!

الدراسة المشتركة التي نُشرت في 7 حزيران الماضي شكّلت دليلاً إضافيّاً على ما سبق أن بدأ سكّان بعض مناطق سيبيريا الأكثر برودة بالشعور به من تغيّرات مناخيّة. في 25 نيسان الماضي، ذكر أليك لوهن في صحيفة "ذا دايلي تيليغراف" البريطانيّة أنّ قرية أويمياكون التي تضم 500 نسمة هي البلدة المأهولة الأكثر برودة حول العالم. وهي تشهد تراجعاً في الغطاء الجليديّ واحتراقاً أكثر تواتراً للغابات فيما الحيوانات تواجه مفترسين وأمراضاً جديدة. إذاً ما نقله لوهن من مشاهداته على الأرض يتطابق مع ما ذكره كاهْن وآخرون.



كان لوهن قد زار المنطقة في ذاك الشهر ودرجة الحرارة ناقص 22 لكنّ السكّان وصفوا الجوّ ب "الدافئ". حتى حين انخفضت الحرارة إلى ناقص 45 درجة مئويّة، كانت الحرارة أعلى بكثير ممّا كان السكّان يشهدونه في الماضي (حوالي ناقص 60 درجة مئويّة). كذلك، يشاهد السكّان طيوراً جديدة ملوّنة تستوطن المنطقة قادمة من الجنوب إضافة إلى الأفاعي والقوارض والدببة البنّيّة. ومع تكرّر الحرائق إضافة إلى حالة الذوبان-التجمّد المتكرّرة التي تؤدّي إلى فيضانات كما إلى تفسّخ الجدران، تضطرّ روسيا إلى تقديم مئات ملايين الدولارات خلال السنوات الأخيرة لترميم المنازل أو لإعادة نقل الناس إلى مساكن جديدة.

ليست محميّة

هذا التحوّل الدراميّ في مناخ أقرب المناطق إلى الدائرة القطبيّة الشماليّة يؤكّد أنّ ما من منطقة تقريباً على الأرض بعيدة عن التأثّر بتداعيات التغيّر المناخيّ. بالتالي، تصبح الحرائق التي تشهدها مناطق واسعة من سيبيريا اليوم أكثر قابليّة للفهم.



ومع استمرار الحرائق في كراسنويارسك، إحدى أكثر المناطق تضرّراً من الحرائق، غطّت السبت سحابة دخان كثيفة مناطق واسعة من أرجاء سيبيريا، فيما وصفها مختصّون بيئيّون بأنّها "حالة طوارئ مناخيّة". واتّصل الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب بنظيره الروسيّ فلاديمير بوتين في 31 تمّوز الماضي عارضاً مساعدة بلاده في إخماد الحرائق التي على الرغم من اشتعالها في وسط وشرق سيبيريا، وصل دخانها إلى بلدات في غربها.


احترقت غابات بمساحة النمسا

منذ ثلاثة أيام، كتب الخبير في الشؤون الروسية ليونيد بيرشيدسكي مقالاً في شبكة "بلومبيرغ" أوضح فيه أنّ ازدياد الحرايق في سيبيريا يعود إلى التغيّر المناخيّ. لكن ثمّة وقائع أكثر إثارة للقلق ذكرها في مقاله، منها أنّ الحرائق قضت هذه السنة على غابات تعادل مساحة دولة النمسا. وبما أنّ الغابات السيبيريّة بعيدة عن العاصمة، عهدت الحكومة أمر مكافحة الحرائق إلى السلطات المحلّيّة التي لا تستطيع سوى التفرّج على الحرائق وانتظار هطول المطر بسبب عدم تحويل الأموال الكافية إليها، بحسب الكاتب نفسه.



وأضاف أنّ معدّل المساحة المحترقة من 1 كانون الثاني حتى 1 آب خلال السنوات العشر الماضية، ارتفعت بحوالي 66% عمّا كان عليه في العقد الذي سبقه، مشيراً إلى أنّ الغابات الروسيّة تعادل مساحة أوستراليا وهي كافية لامتصاص حوالي 600 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون سنويّاً أي ما يوازي ربع الامتصاص العالميّ الذي تساهم به جميع المساحات الخضراء.


هل يصحّ توقّعه؟

ليس مفاجئاً أن تكون سيبيريا معرّضة بعنف لآثار التغيّر المناخيّ والاحترار العالميّ. فالتداعيات غير مقتصرة على مجرّد الشعور بمزيد من الدفء شتاءً أو مزيد من الحرّ صيفاً. كلّ ارتفاع في الحرارة حتى ولو كان بدرجة واحدة يحمل معه مجموعة من النتائج البيئيّة والاقتصاديّة والصحّيّة على حياة الإنسان والغالبيّة الساحقة من الكائنات الحيّة. على سبيل المثال، ليس مصادفة أن تتوجّه الدببة البنّيّة من جنوب روسيا إلى شمالها بفعل ارتفاع الحرارة وتغيّر أماكن غذائها. وينطبق الأمر نفسه على الدببة القطبيّة التي تنزح من القطب الشماليّ باتّجاه سيبيريا بحثاً عن الغذاء وهذا ما يجعل احتكاك البشر بالدببة أكثر شيوعاً. وسبق لبلدة روسيّة أن أعلنت حال الطوارئ في وقت سابق من السنة الحاليّة إثر دخول عشرات الدببة الجائعة إلى مبانيها العامّة بحثاً عن الطعام.



ذكر كاهْن أنّ التأقلم مع الأخطار البيئيّة والصحّيّة والسكنيّة في سيبيريا سيظلّ أفضل من لهيب الحرّ الذي سيجتاح سائر المناطق حول الكرة الأرضيّة مع نهاية القرن الحالي. وحده الزمن سيثبت ما إذا كان هذا التوقّع صحيحاً. لكن حتى مع افتراض صحّة هذه النظريّة، فإنّ البشريّة ستكون بعد عدّة عقود أمام مجرّد مفاضلة بين الخطِر والأخطر.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم