الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

اتفاق المنطقة الآمنة... مصير مشابه لخريطة طريق منبج؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
اتفاق المنطقة الآمنة... مصير مشابه لخريطة طريق منبج؟
اتفاق المنطقة الآمنة... مصير مشابه لخريطة طريق منبج؟
A+ A-

نتائج اسطنبول في البال

قالت وزارة الدفاع في أنقرة إنّ الهدف النهائي إقامة "ممرّ سلميّ" من أجل "ضمان أن يتمكّن أشقّاؤنا السوريون من العودة إلى بلادهم". يُبرز هذا التعليق أهمّيّة العمليّة العسكريّة بالنسبة إلى تركيا، لا على مستوى التخلّص من "حزام كرديّ جزئيّ" على حدودها وحسب، بل أيضاً على مستوى البدء بإعادة بعض اللاجئين السوريين إلى المناطق التي ستسيطر عليها تركيا. ويتّهم الأكراد أنقرة بأنها غيّرت الوجه الديموغرافيّ لمنطقة عفرين التي احتلّتها أوائل سنة 2018 فيما تتخوّف "وحدات حماية الشعب" الكرديّة التي تشكّل غالبيّة مقاتلي قوات سوريا الديموقراطية "قسد" من إعادة تكرار هذه التجربة شرقي الفرات.

تعدّ الخسارتان المتتاليتان ل "حزب العدالة والتنمية" في انتخابات رئاسة بلديّة اسطنبول (آذار وحزيران) أقصى هزيمة له منذ مجيئه إلى السلطة سنة 2002. وستكون هذه النتيجة أحد المرتكزات الأساسيّة في تحديد السياسات التركيّة خلال المرحلة المقبلة. قبل الانتخابات وبعدها، برز استياء تركيّ من اللاجئين السوريّين خصوصاً في اسطنبول عبّر عنه الحزب الحاكم وكذلك "حزب الشعب الجمهوريّ" إضافة إلى القوميّين الأتراك. ولأنّ الاقتصاد التركيّ المنكمش ما عاد قادراً على تحمّل عبء اللاجئين، تعرّض هؤلاء للمضايقة والتهديد. لذلك يرى أردوغان أنّ تخفيف أعداد اللاجئين عبر نقلهم إلى شمال سوريا حيث يُفترض أن تكون هذه المنطقة تحت سيطرة قوّاته سيكسبه على الصعيد الشعبيّ.


أنقرة أكثر ارتياحاً من واشنطن؟

بدا أنّ التهديدات التي أطلقتها تركيا أثمرت بعض المواقف الإيجابيّة بالنسبة إليها. قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار "إنّنا رأينا بارتياح أنّ شركاءنا اقتربوا أكثر من موقفنا" واصفاً الاجتماعات بأنها "كانت إيجابيّة وبنّاءة". وكان نظيره الأميركي مارك إسبر قد حذّر من أنّ هجوماً أحاديّاً تركيّاً ضدّ الأكراد سيكون "غير مقبول". وذكّر أردوغان الأميركيّين بأنّ قواته شنّت عمليّتين عسكريتين خلال السنوات القليلة الماضية (درع الفرات وغصن الزيتون) في إشارة إلى أنّ العمليّة الثالثة وشيكة.

إنّ "الاقتراب" الأميركيّ المفترض من الموقف التركيّ قد يُفسّر بأنّه محاولة لتفادي أيّ عمليّة عسكريّة يمكن أن تعرّض القوّات الأميركيّة للخطر. وذكرت صحيفة "ذا واشنطن بوست" أنّ المسؤولين الأميركيين كانوا يتخوّفون من إطلاق تركيا عمليتها العسكريّة بحلول أمس الخميس. لكنّ مسؤولاً أميركيّاً آخر وصف الاتّفاق بانّه "بارز" من دون أن يخفي وجود مسائل أخرى تحتاج إلى حلّ. على الرغم من التهديدات الكثيرة، قد لا يكون الأتراك مستعجلين فعلاً للتحرّك بسبب تقديرات تظهر أنّ الأميركيّين ليسوا في وضع بالغ الارتياح للتفاوض.

تعمل الولايات المتّحدة على إقناع شركائها الأوروبيين بزيادة قوّاتهم في شمال شرق سوريا بموازاة تقليص جنودها في تلك المنطقة. لكن يظهر أنّ هذه الجهود لم تبلغ هدفها لغاية اليوم. ولا يُستبعد أن يكون تهويل تركيا حول مسألة أمنها القوميّ محاولة لتشتيت الانتباه عن مشكلتها الكبرى المتمثّلة بإتمام صفقة أس-400 الروسية. وبما أنّ ترامب غير راغب حاليّاً بفرض عقوبات على أنقرة، يبدو إردوغان متمتّعاً بهامش مناورة أكبر. بذلك، يعدّ خروج أنقرة بتسوية مع واشنطن حول بعض نقاط المنطقة الآمنة إشارة إلى أنّ تركيا ترغب بتخفيف حدّة التوتر بين البلدين. لكنّ النقاط الخلافيّة حول المنطقة الآمنة يمكن أن تعرقل التسوية في المستقبل القريب.


"التفكير الرغبوي"

لا تزال أنقرة مصرّة على أن يكون عمق المنطقة بحدود 30 كيلومتراً أو أكثر بقليل، فيما ترفض الولايات المتّحدة أن يتخطّى هذا المدى نصف ما تطالب به تركيا. إلى جانب هذه النقطة، يستمرّ الخلاف بين الطرفين حول هويّة من سيتولّى قيادة الدوريات المسيّرة في تلك المنطقة. وللمفارقة قال وزير الخارجيّة التركي مولود جاويش أوغلو أمس "إنّنا لن نسمح بتحوّل هذه الجهود (لإقامة المنطقة الآمنة) إلى خريطة منبج" موضحاً أنّ "الولايات المتّحدة أرجأت (تطبيق الخريطة) بكثير من الأعذار مثل الدوريّات المشتركة". وتقول أنقرة إنّ جيشها مستعدّ للانتشار بانتظار تحرّك الأميركيّين، فيما نصّ الاتفاق على التطبيق "السريع" للإجراءات الأساسيّة لمعالجة "المخاوف الأمنية لتركيا".

لا يخفي المراقبون بمن فيهم مسؤولون أميركيّون عدم تفاؤلهم كثيراً باتّفاق الأربعاء. في صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، نقل المراسلان مارتن شولوف وجوليان بورغر عن أحد هؤلاء المسؤولين قوله: "إنّه أساساً اتّفاق على الاستمرار في الحوار". وأضاف أنّه مع تخفيض واشنطن قوّاتها بشكل حاد "يمكننا القيام بالشيء القليل حقاً لدعم منطقة آمنة. لذلك إنّه الكثير من التفكير الرغبوي".

إضافة إلى عدم قدرة واشنطن على التمتّع بهامش كبير في المفاوضات، يُبرز الاتّفاق الأخير نقطة ضعف أخرى يتحدّث عنها الباحث في "معهد أبحاث السياسة الخارجيّة" آرون شتاين للصحيفة نفسها: "لا يصالح البيان هذه المسألة الجوهريّة (الدعم الأميركي ل ‘قسد‘) ولا يعالج اختلافاً أساسياً حول العمق الذي ستكون عليه أي منطقة. سيبقى على هذه المسائل أن تُحلّ، وبصراحة شديدة، لا أرى كيفية فعل ذلك".


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم