الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

انسحاب ترامب من معاهدة القوى النوويّة.. لِمَ الحديث عن "يوم القيامة"؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

بعد هذه الخطوة، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتّحدة إلى إطلاق محادثات جديدة لتجنّب "الفوضى". تنفي موسكو أن تكون صواريخها منتهكة للمعاهدة وترى بالتالي الانسحاب الأميركيّ خطوة أحاديّة الجانب. كذلك، طالبت موسكو واشنطن بتدمير منظومة صواريخ "إيجيس" البالستية التي نشرتها في رومانيا لكنّ الأميركيّين شدّدوا على أنّ هذه المنظومة لا تخرق المعاهدة التي تمّ توقيعها سنة 1987.

"عودة إلى يوم القيامة"

اللوم المتبادل بين واشنطن وموسكو مسألة طبيعيّة عند حدوث خلافات بهذه الأهمّية. المهمّ ما يلي التصريحات الإعلاميّة خلف الكواليس. إلى الآن، لم تعلن الولايات المتّحدة اتّخاذ خطوات جدّيّة نحو إطلاق محادثات مع بوتين على الرغم من إبدائها استعداداً للأمر. حتى لو قبلت إدارة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب عزمها على إجراء المحادثات من غير المتوقّع أن يكون الكونغرس متساهلاً في شروط وبنود أيّ حوار وربّما أيّ معاهدة مستقبليّة. وكان الكونغرس نفسه قد صادق على المعاهدة في أيّار 1988.

قد تعبّر "الفوضى" التي تحدّث عنها بوتين في جانب منها عن الضغط أو التهويل الروسيّ لدفع الولايات المتّحدة إلى مفاوضات جديدة. لكنّها في جانب آخر، غير بعيدة من أن تعبّر عن وضع دوليّ متوقّع إذا لم تعد الدولتان إلى تطبيق المعاهدة أو التوقيع على أخرى مطوّرة. بل إنّ كلمة "فوضى"، بالنظر إلى بعض التحليلات، ستكون قاصرة عن توصيف الخطر المحدق في العالم.

تحت عنوان "العودة إلى يوم القيامة" كتب وزير الطاقة الأميركي السابق إرنست مونيز والسيناتور السابق عن ولاية جورجيا سام نون مقالاً في مجلّة "فورين أفّيرز" جاء فيه أنّه "منذ أزمة الصواريخ الكوبيّة سنة 1962، لم يكن خطر المواجهة الأميركيّة الروسيّة التي تنطوي على استخدام الأسلحة نوويّة مرتفعاً كما هو الأمر عليه اليوم. لكن على عكس الحرب الباردة، يبدو الطرفان أعميين عن الخطر".

علاقات دوليّة هشّة

أتت الخطوة الأميركيّة في ظلّ وضع أمنيّ دوليّ هش: المفاوضات بين واشنطن وبيونغ يانغ حول ملفّها النوويّ متعثّرة ويظهر أنّ المناورات العسكريّة المشتركة بين الولايات المتّحدة وكوريا الجنوبيّة قد تطيل مدّة التعثّر. الملفّ النوويّ الإيرانيّ ليس أقلّ إشكاليّة مع مباشرة إيران خرقها لبعض القيود المفروضة عليها في ظلّ اتّفاق 2015 وتهديدها بالمزيد من الخروقات في حال لم تستطع أوروبا تخفيف آثار العقوبات الاقتصاديّة الأمركيّة عنها. وبين هذين الملفّين، يظهر أخيراً التوتّر بين قوّتين نوويّتين أساسيّتين، الهند وباكستان، بسبب إلغاء الأولى الوضع الخاص بمنطقة كشمير.

يضاف إلى كلّ ذلك، قلق واشنطن من تطوير بيجينغ لصواريخها النوويّة الخاصّة بما أنّها غير مشمولة بمعاهدة 1987. وبالحديث عن الصين أيضاً، حذّرت بيجينغ اليابان وكوريا الجنوبيّة وأوستراليا أمس من قبولهما بنشر صواريخ أميركيّة متوسّطة المدى على أراضيها، لأنّ ذلك "لن يخدم مصالح الأمن القوميّ لهذه الدول". وقالت الصين إنّها "لن تقف مكتوفة الأيدي" إذا قامت الواشنطن بنشر صواريخها هناك بعد أن كان وزير الدفاع الأميركيّ مارك إسبر قد أشار إلى أنّ بلاده قد أصبحت حرّة من قيود المعاهدة. كلّ هذه العوامل تجعل إطلاق محادثات جديدة بين الولايات المتّحدة وروسيا أكثر إلحاحاً، لكن ليس بالضرورة أكثر سهولة.

هل الكرة لا تزال في ملعب واشنطن؟

في حين تحظّر المعاهدة حتى إجراء التجارب على الصواريخ التي تُطلق من منصّات برّيّة والتي يترواح مداها بين 500 و 5500 كيلومتر، تتّجه الأنظار إلى واشنطن لمعرفة ما إذا كانت ستجري تجارب كهذه في المستقبل القريب، علماً أنّ "نيويورك تايمس" نقلت عن مسؤولين في البنتاغون ترجيح ذلك خلال أسابيع. إنّ إطلاق تجارب صاروخيّة قد يعرقل العودة إلى الديبلوماسيّة من أجل إيجاد الحلّ. وإذا كان ترامب يسعى إلى إدخال الصين في أيّ معاهدة مقبلة فستصبح المفاوضات أكثر صعوبة. لكنّ عدم إشراكها في معاهدة جديدة محتملة قد لا يترك الأميركيّين وحتى الروس في موقف استراتيجيّ مريح.

إذا كان ترامب قد استهدف الصين أيضاً حين انسحب من المعاهدة فسيكون التفاوض على واحدة أخرى أصعب مع إدخال طرف ثالث إلى المحادثات. فالصين قد ترفض التفاوض بناء على كون صواريخها المتوسّطة المدى تحمل رؤوساً تقليديّة لا نوويّة خصوصاً أنّها بعيدة جدّاً عن امتلاك العدد الكبير من الرؤوس النوويّة المخزّنة في الترسانتين الأميركيّة والروسيّة. بالمقابل، قد يكون نشر الأميركيّين صواريخ متوسّطة المدى في شرق آسيا محاولة لتطويق الصين وإجبارها على الانضمام إلى معاهدة جديدة. هذا الأمر ليس واضحاً الآن مع رفض أوستراليا وكوريا الجنوبيّة هذا الموضوع لغاية اليوم.

"إنجازات تاريخيّة بخطر"

في جميع الأحوال، سيرخي الانسحاب الأميركيّ من المعاهدة بظلّه الأمنيّ أوّلاً على حلفاء واشنطن الأوروبيين والآسيويّين. وقدرة الولايات المتّحدة في فرض ضغوط على روسيا والصين ترتبط بشكل كبير بردّ فعل هؤلاء الحلفاء.

ترى الدكتورة لوري موراي في "المجلس الأميركيّ للعلاقات الخارجيّة" أنّ انهيار المعاهدة يقلّص الأمن الأوروبيّ ويمكن أن يجعل التصعيد النووي بين حلف شمال الأطلسي وروسيا أمراً أكثر احتمالاً خلال أيّ نزاع. وأضافت أنّ الدولتين قلّصتا مخزون الأسلحة النوويّة بحوالي 80% منذ التوقيع على المعاهدة، لكنّ "هذه الإنجازات التاريخيّة في خطر الآن"، مشيرة إلى أنّ "جولة جديدة من التنافس حول الأسلحة النوويّة جارية بالفعل".

إذاً، الخوف من سباق تسلّح مستقبليّ ليس في مكانه لأنّ السباق "جارٍ بالفعل" وفقاً لموراي ولأنّ عناصر الانفجار التي تولّدها الحوادث الأمنيّة موجودة وفقاً لنون ومونيز. يضاف إلى ذلك أنّ الأزمة لن تُحصَر بالتنافس النوويّ وحسب. ثمّة صعوبة مرتقبة في إطلاق مفاوضات بين ثلاث قوى كبرى متناقضة بشكل جوهريّ في ما بينها على مستوى النظرة إلى موقعها الدوليّ. تناقض المصالح في ملفّ الأسلحة النوويّة المتوسّطة قد يساهم أكثر في زعزعة العلاقات الدوليّة، ما يعني أنّ سباق التسلّح قد يتوازى على الأرجح مع توتّرات دوليّة. لكن هل يصل الأمر فعلاً إلى اقتراب البشريّة من "يوم القيامة"؟ لن يكون الأمر محقّقاً بهذه السرعة، لكنّ الطريق قد تكون معبّدة لذلك في نهاية المطاف.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم