الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

اجتماع مسار أستانا: لقاء آخر أم انطلاقة جديدة؟

الدكتور ناصيف حتي
اجتماع مسار أستانا: لقاء آخر أم انطلاقة جديدة؟
اجتماع مسار أستانا: لقاء آخر أم انطلاقة جديدة؟
A+ A-

الجولة الثالثة عشرة من اجتماعات مسار أستانا التي ستعقد مطلع شهر آب في نور سلطان عاصمة قازقستان لن تشكل اختراقاً في ما يتعلق بإطلاق عمل اللجنة الدستورية. اللجنة التي تشكل آلية العملية السياسية التي استقرّ عليها الاطراف الدوليون والإقليميون للتسوية "الداخلية" للأزمة السورية كافة، باعتبار ان المطلوب دائماً في أزمات من هذا النوع تسوية خارجية تشكل مدخلاً ضرورياً مواكباً وضامناً للتسوية الداخلية.

هنالك أكثر من فهم لهذه التسوية: بين تغيير في النظام أياً كانت درجات هذا التغيير، أو تغيير النظام عبر عملية دستورية سياسية تدريجية.

المواقف تتغيّر بالطبع حسب لحظة توازن القوى المحيطة بالأزمة وبالتالي تغيّر الأولويات. وللتذكير فان الخلاف ما زال قائماً في شأن تشكيل اللجنة وبالأخص في شأن كيفية اتخاذ القرار واختيار بعض المشاركين في فئة المجتمع المدني إلى جانب فئتي ممثلي النظام والمعارضة، أو لنقل المعارضات، وأيضاً في شأن تحديد صلاحيات اللجنة. لكن هذا البند سيبقى ضاغطاً على جدول أعمال مسار أستانا الذي وصفه بعضهم بأنه صار بمثابة منتدى حوار بين الضامنين الثلاثة لهذا المسار (روسيا، إيران وتركيا) وليس منتدى للتفاوض برعايتهم بين فريقي النظام والمعارضة. وللتذكير ، فإن هذا المسار قد حلّ كمسار واقعي وفاعل مقارنة بمسار عملية جنيف. المسار الذي سينتظر لإعطاء المشروعية الأممية لاحقاً لما يتمّ الاتفاق عليه في مسار أستانا، كونه المؤتمن على تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

علاقات "ضامني أستانا"، وبالأخص روسيا، مع القوى الدولية والإقليمية المعنية بالملف السوري كافة تساهم في اشراك هؤلاء، ولو بشكل غير مباشر، في التعامل مع بعض النقاط الخلافية وفي صياغة بعض التفاهمات التي يتمّ التوصل اليها.

صحيح ان ثلاثي أستانا هو الأكثر تأثيراً في مسار الأزمة السورية، لكنه لا يستطيع ان يفرض الحل وحده بسبب تأثير الأطراف الآخرين في الوضع الراهن بدرجات مختلفة، وبالأخص في صياغة وبناء السلام متى حان وقته.

ما يزيد من تعقيدات المشهد ان هناك تفاهمات تبنى بين الخصوم وخلافات يعمل على احتوائها بين الحلفاء وذلك "بالقطعة" الجغرافية أو الموضوعية.

مشاركة لبنان المعني بملف اللاجئين/النازحين - ولكل تسمية معناها القانوني والسياسي-، وكذلك العراق المعني بالبوابة السورية العراقية وبمن يمسك بمفتاح هذه البوابة في "لعبة الأمم" الاستراتيجية في المنطقة، تمثل خطوة مهمة كمراقبين إلى جانب المشاركة القائمة للأمم المتحدة والأردن بالصفة ذاتها. وقد عملت روسيا دائما دون نجاح لتوسيع المشاركة العربية بهذه الصفة.

من المنتظر ان يدفع حوار أستانا إلى إحراز تقدّم ولو طفيفاً في ملفات ساخنة، منها موضوع أدلب والصدام السوري التركي حولها والذي يشكل مواجهة غير مباشرة بين تركيا من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى. موضوع آخر ساخن يتعلق بإقامة منطقة آمنة في شمال شرق سوريا: تركيا تدفع لتوسيع الرقعة الجغرافية للمنطقة التي تريدها تحت سيطرتها وتعلّق أهمية خاصة على شرق الفرات وعلى منبج غرب النهر للتخلّص من "الورقة الكردية" في اللعبة. وهي "الورقة" التي تدعمها واشنطن وأوروبا ولا تعارضها موسكو بغية "تشليح" إيران مفتاح البوابة السورية العراقية. الولايات المتحدة تصر على إقامة منطقة عازلة لحماية الأكراد. نقاط بالغة التعقيد مع رفض عربي من خارج مسار أستانا يلتقي مع الموقف السوري برفض تمكين تركيا من إقامة منطقة نفوذ مطلق في شمال شرق سوريا. وهنالك تخوّف من عملية التتريك في عفرين التي قد تتوسع، والحاملة لتغيير ديموغرافي واسع. وجدير بالذكر ان هنالك أربعمائة الف نازح جديد في الأشهر الأخيرة بسبب التصعيد في شمال غرب سوريا أيضاً.

من النقاط "غير الرسمية" على جدول ضامني أستانا، ازدياد التنافس الروسي الإيراني في شمال غرب سوريا والذي انعكس توترات واشتباكات محدودة بين قوات نظامية سورية تتبع لكل من الطرفين. أضف أيضاً موضوع الجولان الذي يعود بقوة إلى الواجهة، على رغم التفاهمات التي حصلت بإبعاد إيران عن جنوب غرب سوريا وذلك عبر عودة إيرانية غير مباشرة إلى أطراف الجولان السوري بواسطة حلفائها الموجودين بقوة على المسرح الاستراتيجي السوري. يدفع نحو تلك العودة تصاعد سخونة المواجهة الاميركية الإيرانية السياسية بشكل مباشر وعبر الحلفاء على الأرض، واهمية ورقة الجولان فيما لو تحقق سيناريو مواجهة عسكرية اسرائيلية مع حلفاء إيران وأصدقائها في غزة وجنوب لبنان وبالتالي الجولان. يزيد من مخاوف هذا السيناريو ازدياد التوتر والتصعيد في "الملف" الفلسطيني الإسرائيلي.

كل هذه العناصر الذي ستتناولها هذه الجولة من مسار أستانا ستكون على الطاولة في القمة التي سيعقدها ضامنو أستانا نهاية شهر آب. ربما استطاعوا حينذاك إطلاق العملية الدستورية للتسوية السورية ولو على المستوى الرسمي وليس بالضرورة على المستوى الفعلي، بانتظار القمة الرباعية التي ستصبح تقليداً بدأ منذ سنة وتضمّ إلى جانب روسيا وتركيا كلاً من فرنسا وألمانيا، العضوين في المجموعة المصغرة حول سوريا.

انها مرحلة اجتماعات وقمم احتواء النقاط المشتعلة في المسرح الاستراتيجي السوري ومنعها من التمدّد جغرافياً وعنفياً بانتظار وقف التصعيد في الصدام الاميركي الإيراني والعودة إلى التهدئة وبلورة التفاهمات التي توفر شرطاً ضرورياً لانطلاق قطار التسوية في سوريا، اذ ان الاكتفاء بالترتيبات المجزّأة والموقتة يبقى هشّاً في مناخ إقليمي يتسم بتصعيد مفتوح.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم