الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كيف يمكن أبحاث الفضاء حماية الأرض من التدهور البيئي والمناخي؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

منافع محقّقة

لا يزال العالم في أجواء الاحتفال بالذكرى الخمسين لهبوط الإنسان على سطح القمر. قوبلت فكرة استكشاف الفضاء بتشكيكات شعبيّة في الولايات المتّحدة نظراً إلى الكلفة الكبيرة التي يتكبّدها دافعو الضرائب لتمويل البحث الفضائيّ من دون أن يكون هنالك فوائد "ملحوظة" في المقابل. أحياناً، تسعى الجماهير إلى معرفة الربح المباشر من أيّ مشروع من دون النظر إلى الأرباح البعيدة المدى، متجاهلة حتى المكاسب المعنويّة التي قد تنتفع بها بطريقة غير مباشرة لكن مؤكّدة. قبل توجّه أبولو-11 إلى القمر، ظلّ حوالي نصف الأميركيين معارضاً لتلك المهمّة حتى الأيام الأخيرة التي سبقت انطلاق الرحلة حين بدأت النظرة تصبح أكثر إيجابيّة. لكنّ هبوط الإنسان على سطح القمر لا يرتبط فقط بإنجاز إرسال الإنسان إلى مسافات بعيدة جدّاً (حوالي 400 ألف كيلومتر) وإعادته سالماً إلى الأرض.

يحوي الفضاء على ثروات جمّة، مادّيّة ومعنويّة ومعرفيّة وحتى عسكريّة. من هنا، تبدو الحكومات مهتمّة بالاستثمار في هذا المجال إذ ترى أنّ منافع البحث الفضائيّ، بالأخص على المستويين العسكري والاستراتيجي، تتخطّى إجمالاً النفقات الهائلة التي تتكبّدها.

معرفة أدقّ

في وقت تواجه الأرض مشكلة التغيّر المناخيّ ومشاكل بيئيّة متنوّعة، يرتدي علم الفضاء أهمّيّة بارزة. على سبيل المثال، يصعب معرفة حجم تراجع المساحات الخضراء على الأرض بدقّة من دون الصور التي ترسلها الأقمار الاصطناعيّة. تتعرّض الغابات الاستوائية التي تعدّ رئة الأرض إلى تقلّص مستمرّ بفعل المتطلّبات الصناعيّة والحرائق وتمدّد الأراضي الزراعيّة الذي يتّخذ طابعاً عشوائيّاً. وبما أنّ الاحترار العالميّ ناتج عن زيادة نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوّي، يحتاج العلماء إلى دراسة تراجع المساحات الخضراء لمعرفة كيف سيضاعف ذلك من آثار ارتفاع حرارة الأرض بعد تقلّص القدرة على امتصاصه خلال عمليّة التمثيل الضوئيّ. والأرقام بالغة السوء في هذا الإطار، وليست تغريدة هولثوس سوى جزء من أدلة كثيرة على ذلك.

وتفيد الأقمار الاصطناعيّة عمليّة قياس تراجع حجم الجليد في القطبين ولهذا أيضاً أثره على تزخيم الاحترار العالمي. وهي قادرة أيضاً على إعطاء صورة للمتغيّرات البيئيّة والجغرافيّة التي تتسبّب بها الطبيعة أو تلك التي تحدث بفعل تدخّل الإنسان. هذا جزء من منافع العلم المرتبط بالفضاء القريب من الأرض. فماذا عن المكاسب الممكنة من الفضاء الأبعد الذي يضمّ كواكب المجموعة الشمسيّة؟

معرفة المستقبل مشروطة بمعرفة الماضي

تمكّن دراسة كواكب أخرى شبيهٍ تاريخُها بتاريخ الأرض من معرفة نقاط التشابه والاختلاف بينهما في نطاق العوامل المناخيّة. تُوصف الأرض ب "الكوكب الأزرق" نظراً لتغطية المحيطات والبحار حوالي 70% من مساحتها. بالمقابل، المرّيخ المعروف بكونه "الكوكب الأحمر" نظراً لتركّز كميات كبيرة من الحديد في تربته مما يجعلها تميل إلى اللون الأحمر، وكان يحتوي أيضاً على مساحات من المياه أكبر بكثير مما هي عليه اليوم. المياه الموجودة في المريخ حالياً تتّخذ شكل الجليد عند قطبي الكوكب، مع توقعات بوجود بحيرة كبيرة تحت سطحه.

تتبخّر مياه الجليد في المرّيخ ووتحوّل سريعاً إلى غاز بسبب حجم الضغط الجوّي الضئيل جداً مقارنة بذاك الموجود على الأرض (حوالي 1%). على الرغم من التقارب الجغرافيّ بين المرّيخ والأرض اختلف المسار المناخيّ لكلّ من الكوكبين بسبب اختلاف حجم كلّ منهما. مكّن الحجم الكبير نسبيّاً للأرض من الاحتفاظ بالحقل المغناطيسيّ الذي يولّده الجزء الخارجيّ السائل الموصل من نواتها والذي يضمّ كميات كبيرة من الحديد إضافة إلى الحرارة الهائلة الموجودة في باطن الأرض. وبما أنّ نواة المريخ أصغر من نواة الأرض فقد برد سريعاً ممّا أفقده الحقل المغناطيسيّ الذي يحميه من الأشعة والعواصف الشمسيّة.


هذه المقارنات التي توفّرها مركبات فضائيّة مثل "مايفن" و "كوريوزيتي" وغيرهما تمكّن العلماء من دراسة مصير الأرض أيضاً بناء على الصور والتحليلات المرتبطة. لكن ثمّة فرص أكبر بكثير يقدّمها الفضاء من المستويين الإدراكي والتداركيّ لبعض المشاكل الأساسيّة. تصل هذه الفرص إلى حدود معالجة هذه المشاكل.

كوكب جهنّمي يمطر أحماضاً

يقدّم مدير مبادرة رحلات الفضاء التجاريّة في جامعة كاليفورنيا الجنوبية غريغ أوتري أمثلة عدة عن مكاسب العلوم الفضائية. يذكّر في نسخة صيف 2019 من مجلّة "فورين بوليسي" بأنّ بيانات الأقمار الاصطناعية هي التي كشفت وجود ثقب في الأوزون سنة 1987. وتدرس "ناسا" حالياً كيف أدّى تسرّب غازات الدفيئة في الزهرة لتحويلها إلى كوكب "حار، جهنّمي غير قابل للعيش فيه ومُسقط للأمطار الحمضية".

ويضيف أنّ منشآت "ناسا" الفضائية العاملة على الطاقة الشمسية هي مثال عن أهمّيّة استخدام تلك الطاقة على الأرض، فيما يساعد التنقيب عن الهيليوم في القمر أو عن الموارد الأخرى في الكواكب البعيدة على تأمين الأرض بالطاقة النظيفة المستقبلية. وأمضى أوتري جلسات مع روّاد فضاء قادوا رحلات تجاريّة للأثرياء إلى الفضاء الخارجيّ حيث رأوا الأرض من بعيد. وأخبره هؤلاء كيف أنّ هذا المشهد خطف مشاعر كثير من الزبائن وخلق فيهم إلهاماً واحتراماً جديدين للأرض.

أمل

قدرة هذه الرحلات على التأثير في الأثرياء يمكن أن تسخّر إمكاناتهم بالمساهمة في حماية الأرض وكبح جماح التغيّر المناخيّ. وفيما تعدّ الأمثلة المذكورة غيضاً من فيض مكاسب استكشاف الفضاء، يبقى على الحكومات الاستعداد لوضع المزيد من خطط وتمويل المشاريع الفضائيّة المخصّصة لحماية الأرض من الاحترار العالميّ. وعلى أي حال، حتى لو برز تلكّؤ رسميّ في هذا المجال، قد يوفّر القطاع الخاص أملاً بوجود بديل مهمّ عن الحكومات، إن لم يكن جهداً مضافاً إليها، لتفعيل وقيادة برامج من هذا النوع.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم