الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

علاقات لندن وطهران في عهد جونسون... ما الذي قد يعرقل تحسنها؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

تحفيز

جاء تردّد لندن باتّخاذ إجراءات حاسمة للرد على احتجاز إيران ناقلة النفط التابعة لها كمحفّز واضح لاعتماد الخارجية الإيرانية أسلوب تخاطب متشدّد اللهجة مع رئيس الحكومة الجديد. وفي وقت تتجه الأنظار الدولية إلى السياسة التي سيعتمدها جونسون مع طهران أكان في الأزمة المستجدة أم في سياسته الإيرانية ككل، تلقّف ظريف خبر وصول نظيره البريطاني السابق إلى "10 داونينغ ستريت" كي يبادر هو إلى تحديد أطر العلاقة المستقبلية.

تجد بريطانيا نفسها اليوم في موقف لا تُحسد عليه. فالفوضى الداخلية الناتجة عن "بريكست" أرخت بثقلها على سياستها الخارجية. وأضيف إلى ذلك الخلاف الديبلوماسي بين لندن وواشنطن على خلفية نشر مذكرات سرية وصف فيها السفير البريطاني في الولايات المتحدة كيم داروك سياسة ترامب بأنها خرقاء قبل أن يردّ الأخير عليه بنعوت سلبية أيضاً. انتهى الخلاف بتقديم السفير استقالته. ومع تهنئة الرئيس الأميركي لجونسون بمنصبه وقوله إنّه "سيكون عظيماً"، ستنجلي على الأرجح غيوم التوتر بين البلدين. وقد ينعكس ذلك على التنسيق في سياسة الخليج العربي. لكنّ ذلك لن يعني حكماً مزيداً من التشدد إزاء طهران.

تحدّ "صعب جداً"

رأى نايل غاردينر من مؤسسة "هيريتدج" أنّ الأزمة مع إيران ستكون التحدي "الأكبر" وتحدياً "صعباً جداً" أمام جونسون. وفي حديث إلى شبكة "فوكس نيوز"، أرجع غاردينر سبب ذلك إلى مقاربة تيريزا ماي والأوروبيين الضعيفة تجاه إيران والتي "ينقصها الحزم" داعياً إياهم للانضمام إلى سياسة الضغط الأقصى وفرض عقوبات عليها.

لكنّ جونسون كان قد أعلن الأسبوع الماضي أنّه لا ينوي مشاركة واشنطن في عمل عسكري ضد إيران "في الوقت الحالي". وعلى الرغم من سياسة الضغط الأقصى التي يمارسها على إيران، يواصل ترامب إطلاق المواقف الملتبسة كما حصل حين قال أمام مجموعة من الطلاب في معرض حديثه عن مشاركة بلاده في مجموعة الدول العشرين إنّ واشنطن لن تلعب دور "الشرطي" في مضيق هرمز لحماية الدول الغنية مثل الصين واليابان والسعودية.

ليس واضحاً إلى الآن ما إذا كان ذلك الخطاب تعبيراً عن استعداد أميركي لخفض التصعيد في الخليج أم مجرد كلمة انتخابية على بعد حوالي 15 شهراً من الانتخابات الرئاسية الأميركية. كذلك، ليس واضحاً ما إذا كان كلام جونسون محصوراً في السياق الانتخابي الذي شهده حزب المحافظين، علماً أنه أيّد المسار الأوروبي الديبلوماسي مع إيران بما فيه مناقشة سلوكها الإقليمي.

مؤشرات ضعف استغلتها إيران

قدّمت لندن للإيرانيين مؤشرات عن نيتها بخفض التصعيد معهم. لكنّ خطوات التهدئة التي اعتمدتها لندن قبل احتجاز "ستينا إمبر" فشلت في تفادي تصاعد التوتر بين البلدين على الرغم من أنّ وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت أبلغ ظريف استعداد بلاده تسهيل الإفراج عن ناقلة النفط إذا حصلت على ضمانات بعدم توجهها إلى سوريا. وأكّد له أيضاً أنّ القلق البريطاني ينصبّ على وجهة النفط لا على مصدره في إشارة إلى أنّ خطوة لندن لا علاقة لها بالعقوبات الأميركية على القطاع النفطيّ الإيرانيّ.

إنّ النظرة الإيرانية المشككة بالبريطانيين عميقة ولا ترتبط فقط بالأزمة المستجدة. تشكل قضية اعتقال إيران للمواطنة البريطانية-الإيرانية الأصل نازانين زاغاري-راتكليف مشكلة خلافية كبيرة بين البلدين. لم ينجح جونسون حين كان وزيراً للخارجية أن يحل المسألة (إن لم يكد يفاقمها بسبب تصريح غير دقيق) على الرغم من تخصيصه زيارة إلى إيران لهذه الغاية في كانون الأول 2017. ومنذ أيام قليلة، نُقلت زاغاري-راتكليف إلى أحد مستشفيات طهران لتلقي العلاج النفسي قبل أن تعاد إلى سجنها.

تُبيّن السلوكيات الإيرانية أنّ طهران تمارس بدورها "الضغط الأقصى" حتى على حلفاء واشنطن الأقل تشدداً تجاهها. ليس الأمر مدعاة للمفاجأة بما أنّ إيران انتقدت الأوروبيين والبريطانيين، بصرف النظر عن إنشائهم قناة "إنستكس" للدفاع عن الاتّفاق النووي قدر الإمكان.

عمق الأزمة

بغض النظر عن سياسة جونسون الإيرانية في المستقبل، ثمة حالة من التشكيك الإيراني العميق ببريطانيا نظراً إلى وجود تاريخ من المظاهر العدوانية بين البلدين. سنة 2018، أشار المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي إلى "عدم ثقة" إيران بالأوروبيين وإلى "غياب نزاهتهم" في مفاوضات نووية سابقة تعود إلى مطلع القرن الحالي.

كذلك، ترتبط ريبة الإيرانيين من البريطانيين إلى أسباب تاريخية تتعلق باحتلالهم الأراضي الإيرانية خلال الحرب العالمية الثانية وحتى خلال القرن التاسع عشر. وفي سنة 2011، هاجم إيرانيون غاضبون السفارة البريطانية بسبب فرضها عقوبات على إيران مما دفع لندن إلى سحب ديبلوماسييها من البلاد قبل معاودة افتتاحها سنة 2015.

هذه الأسباب وغيرها تفسّر جزءاً كبيراً من التشدّد الإيراني تجاه بريطانيا، بغض النظر عن هوية رئيس وزرائها. فعلى سبيل المثال، احتُجزت زاغاري-راتكليف سنة 2016 حين دخل الاتفاق النووي حيز التنفيذ بالتوازي مع التحسن البارز في العلاقات الإيرانية-الغربية والبريطانية في عهد دايفد كاميرون.

هل تنجح سياسة وسطية؟

في وقت ليس واضحاً بعد توجه جونسون السياسي تجاه الإيرانيين، اقترح البعض أن يعتمد جونسون سياسة وسطية معهم. نائبة مدير قسم السياسة الخارجية في معهد "بروكينغز" سوزان مالوني كتبت في صحيفة "ذا غارديان" أنّ بإمكان جونسون استخدام علاقته الجيدة مع ترامب من أجل بناء مقاربة موحدة تجاه الخليج وإيصال رسالة لإفهام القادة الإيرانيين أنّ مواصلة مضايقة السفن التجارية في الخليج ستتسبب لهم بكلفة أكبر بكثير من أي نفوذ يأملون تحقيقه. لكنّها في الوقت نفسه، طالبت جونسون بإعادة إحياء ديبلوماسية جدية مع إيران وحث ترامب على تهدئة الأوضاع معها. فهل يثبت هذا المقترح فاعليته في تخفيف توتر لا يخفى على أحد تجذره في تاريخ العلاقات بين البلدين؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم