الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

مبالغة وأرقام غير واقعيّة... "لبنان في صدارة ترتيب الدول الأكثر إنفاقاً في عيد الميلاد"؟ FactCheck#

المصدر: النهار
هالة حمصي
هالة حمصي
فرقة تعزف موسيقى فولكلورية حول شجرة عيد الميلاد في ساحة الشهداء في بيروت (24 ك1 2022، أ ف ب).
فرقة تعزف موسيقى فولكلورية حول شجرة عيد الميلاد في ساحة الشهداء في بيروت (24 ك1 2022، أ ف ب).
A+ A-
"لبنان في صدارة ترتيب الدول الأكثر انفاقاً في عيد الميلاد" سنة 2022. الخبر الذي انتشر في مواقع اخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي أخيرا، استند الى دراسة نشرها موقع World Remit، وخلصت الى ان تكلفة عيد الميلاد في لبنان سنة 2022 تبلغ 2058 دولارا اميركيا، ليحل بذلك لبنان في المرتبة الثانية، بعد كندا، التي تبلغ فيها التكلفة 2100 دولار. غير أن الرقم المتعلق بلبنان استوقف خبراء لبنانيين عدة وجدوا فيه "مبالغة كبيرة"، رقماً لا يمكن ان يكون "واقعياً" او "منطقياً". 
 
"النّهار" سألت من أجلكم
 
ما القصة؟ 
اهتمام كبير استقطبته نتائج دراسة لموقع World Remit (هنا) بعنوان: تكلفة عيد الميلاد حول العالم عام 2022، لكونها تقدّم صورة عن حجم الانفاق في عيد الميلاد في عدد من الدول، بينها لبنان. ووفقاً للمنهجية التي اتبعتها الدراسة في بياناتها، فقد اعتمدت ثلاثة أوجه للإنفاق في عيد الميلاد، هي تكلفة الطعام، التزيين، وهدايا العيد. وهذه التكلفة المعلنة هي "التكلفة الإجمالية لكل أسرة"، وفقا للموقع. 
 
وكانت المفاجأة تخطي التكلفة في لبنان، الذي يعاني انهيارا في عملته الوطنية وازمة اقتصادية خانقة، الفي دولار. الرقم الدقيق الذي اعلنته الدراسة هو 2058 دولارا، يتوزع كالآتي: 940 دولارا لطعام العيد، 180 دولارا لزينة العيد، و938 دولارا للهدايا. وقد حددت متوسط دخل الأسرة بـ3587 آلاف دولار (هنا الأسعار في لبنان التي اعتمدتها الدراسة).
 
 
 
 
وبموجب قيمة هذه التكلفة، حلّ لبنان في المرتبة الثانية بعد كندا (2100 دولار)، متقدما على المانيا (1453$) والولايات المتحدة (1236$) وفرنسا (1127$) واوستراليا (1077$)  والمكسيك (1076$) وبريطانيا (1075$) وهولندا (679$) والكاميرون (612$) والفيليبين (569$) واسبانيا (499$)... 
 
ومن استنتاجات هذه الدراسة أن "التضخم العالمي سيؤثر بدوره على التسوق في عيد الميلاد سنة 2022. ووفقًا لها، ينبغي على العديد من العائلات في جميع أنحاء العالم أن تتوقع إنفاق ما يصل إلى 156% من دخلها الشهري في عيد الميلاد، بسبب زيادة التضخم.

العام الماضي، تناولت الدراسة 14 دولة، حيث تم تخصيص الجزء الأكبر من متوسط التكاليف، للطعام في العيد. وعام 2022، شهدنا زيادة في أسعار سلع عيد الميلاد لدى بعض هذه البلدان الأربعة عشر. وقد أضفنا اليها 9 دول أخرى. 

ومن بين 23 دولة شملها الاستطلاع عام 2022، من المرجح أن تنفق الاقتصادات النامية مثل الفيليبين وأوغندا ونيجيريا أكثر من 100% من إجمالي دخلها الشهري في عيد الميلاد، بينما يكلف عيد الميلاد في المملكة المتحدة 65% أكثر مما كان عليه عام 2021". 
 
- "مبالغة" -
هذه الارقام والاستنتاجات نشرتها مواقع اخبارية وحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي. "لبنان في صدارة ترتيب الدول العربية الأكثر انفاقاً عالمياً في عيد الميلاد"، وايضا "لبنان في المرتبة الثانية من حيث الإنفاق في ليلة عيد الميلاد"، و"رغم شبح الإفلاس لبنان الأكثر إنفاقًا على احتفالات الكريسماس"، وفقا لعناوين متداولة (مثل هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا...). 
 
وفي وقت استحوذت النتيجة حول لبنان على تفاعل بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، توقف خبراء لبنانيون عدة عندها، مشككين في صحتها. 
 
ويقول الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين لـ"النهار" إن "تكلفة عيد الميلاد في لبنان كما وردت في الدراسة يبدو انها غير دقيقة، ربما لانها استندت الى معطيات واسعار غير واقعية. ومن المستحيل ان تبلغ تكلفة العيد للأسرة في لبنان 2058 دولارا في الليلة". 
 
ويضيف: "صحيح ان هناك أزمة اقتصادية وانهيارا لسعر صرف الليرة امام الدولار في لبنان، الا ان هذا يعني ان اسعار السلع الغذائية والاستهلاكية ارتفعت بالليرة اللبنانية، بينما انخفضت مقارنة بالدولار الاميركي". 
 
ويشرح ان "تكلفة السلة الغذائية والاستهلاكية لأسرة مؤلفة من 4 اشخاص كانت تبلغ قبل الازمة 450 الف ليرة، اي ما كان يوزاي 300 دولار (الدولار=1500 ل.ل). غير ان هذه التكلفة انخفضت بالدولار الى 200، لأنها اصبحت تساوي 800 الف ليرة (او اقل من 200 دولار). اذاً، ارتفعت التكلفة بالليرة من 450 الف ل.ل الى 8 ملايين ل.ل. اما بالدولار، فقد انخفضت من 300$ الى اقل من 200$". 
 
ويخلص الى انه "من المستحيل ان تبلغ تكلفة الانفاق في عيد الميلاد في لبنان 2058 دولارا، كما ذكرت الدراسة. وبالتالي هناك مبالغة في الارقام. وقد يكون من المفيد عدم الاستناد اليها". 
 
- ارقام "غير ممكنة" -
ويتفق مدير شركة سوفريس للدراسات والاحصاءات فضول فضول مع رأي الخبير شمس الدين. فالأرقام التي حدّدت الدراسة لتكلفة طعام العيد في لبنان (940$)، والزينة (180$) والهدايا (938$) "غير ممكنة"، "مبالغ جدا فيها"، على قوله لـ"النهار".
 
ويلفت الى امر آخر في الدراسة، هو "عدم وضوح" سعر صرف الليرة امام الدولار، والذي اعتمدته الدراسة للتوصل الى رقم 2058$ لتكلفة العيد في لبنان. ويبدي خشيته من "ارقام غير دقيقة" اعتمدتها الدراسة للتوصل الى نتيجتها بشأن لبنان. 
 
- غير منطقية -
ويضيف خبير ثالث سألته "النهار" وطلب عدم ذكر اسمه، الى ملاحظات شمس الدين وفضول، ان "المنهجية التي اعتمدتها الدراسة غير منطقية، لا سيما لجهة احتساب اسعار سلع عيد الميلاد بالليرة اللبنانية، ومن ثم التكلفة العامة بالدولار، من دون ذكر سعر صرف الليرة امام الدولار الذي اعتمدته الدراسة". 
 
"هفوة" لا يمكن تجاوزها. فعدم ذكر سعر الصرف المتعمد يضفي "التباساً، عدم وضوح في عملية التوصل الى التكلفة العامة للعيد"، على ما يشرح. وبالنسبة اليه ايضا، هذه التكلفة التي حددتها الدراسة بـ2058$ "مبالغ فيها جدا"، "غير منطقية"، ولا يمكن ان تنطبق على الوضع الراهن في لبنان.  
 
- تزايد الفقر والجوع في لبنان -
نقطة أخيرة. متوسط دخل الأسرة في لبنان، والذي حددته دراسة World Remit بـ3587 آلاف دولار. هذا الرقم ايضا مبالغ جدا به. 
 
فوفقا لتقرير نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش'' في 12 كانون الاول 2022 (هنا)، عن المستويات المقلقة للفقر وانعدام الأمن الغذائي في لبنان بسبب تراجع النشاط الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي، وارتفاع تكاليف المعيشة، "بلغ متوسط الدخل الشهري للأسر 122 دولارا أميركيا فقط، علما ان التضخم استمر في الارتفاع بشكل كبير منذ إجراء المنظمة المسح بين تشرين الثاني 2021 وكانون الثاني 2022 على عينة تمثيلية شملت 1,209 أُسرة في لبنان لجمع معلومات عن الظروف الاقتصادية للأفراد وقدرتهم على تحمل تكاليف الطعام، والأدوية، والسكن، والتعليم...".
 
واوضحت المنظمة في بحثها ان "متوسط حجم الأسرة هو أربعة أشخاص، بينهم طفل واحد عمره أقل من 18 عاما. ونسبة الأسر التي تعيش على دخل محدود للغاية كانت عالية: على الصعيد الوطني، يكسب 40% من الأسر تقريبا 100 دولار أو أقل شهريا ويكسب 90% من الأسر أقل من 377 دولار شهريا".
 
ونبهت الى ان "غالبية الناس في لبنان عاجزون عن تأمين حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية وسط أزمة اقتصادية متفاقمة، حيث تتحمل الأسر ذات الدخل المحدود العبء الأكبر. وينبغي للحكومة اللبنانية و"البنك الدولي" اتخاذ إجراءات عاجلة للاستثمار في نظام حماية اجتماعية قائم على الحقوق ويضمن مستوًى معيشيا لائقا للجميع".
 
يبلغ عدد سكان لبنان نحو 6.7 ملايين نسمة. وقد قدّرت الأمم المتحدة في أواخر العام 2021 أن نحو نصفهم، أي قرابة 3.28 ملايين شخص، دُفعوا إلى فقر الدخل منذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان العام 2019 (هنا، هنا، هنا، هنا ايضا). 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم