الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"الإعدام شنقًا عقاب من كان يحاول الانتحار في بريطانيا خلال القرن التاسع عشر"؟ إليكم الحقيقة FactCheck#

المصدر: النهار
هالة حمصي
هالة حمصي
الصورة المتناقلة مع الشرح الخاطئ المرفق بها (فايسبوك).
الصورة المتناقلة مع الشرح الخاطئ المرفق بها (فايسبوك).
A+ A-
تنتشر معلومة في وسائل التواصل الاجتماعي تزعم ان "القانون البريطاني كان يعاقب من يحاول الانتحار في القرن التاسع عشر باعدامه شنقًا". وقد أرفقت برسم لمشنقة. صحيح ان الانتحار كان يُعتبر جريمة في إنكلترا قبل 1961، الا ان الادعاء بأن أولئك الذين كانوا يحاولون الانتحار في القرن التاسع عشر عوقبوا باعدامهم شنقاً، ادعاء مضلّل، خاطئ. وبالنسبة الى الرسم المتناقل، فلا علاقة له بانكلترا. ويمثل مشهد مشنقة من الغرب الأميركي انجزه مصمم الانتاج الأميركي الشهير جس غونشور عام 2009 من اجل فيلم وسترن أميركي. FactCheck#
 
"النّهار" دقّقت من أجلكم 
 
الوقائع: رسمٌ لمشنقة تحلّق حولها عدد من الاشخاص. وينتشر بكثافة في حسابات وصفحات في الفايسبوك (هنا، هنا، هنا، هنا، هنا...)، وتويتر (هنا، هنا، هنا)، وايضا في مواقع اخبارية (هنا، هنا...). وفي المزاعم المرفقة (من دون تدخل أو تصحيح): "في القرن التاسع عشر كان القانون البريطاني يعتبر الإنتحار جريمة قتل لذا عندما يتم الإمساك بشخص يحاول الإنتحار يتم إعدامه شنقًا!". 
 
كذلك تتشارك حسابات في الصورة مرفقة بالمزاعم ذاتها بلغات عدة، منها الانكليزية (هنا، هنا، هنا، هنا، هنا...)، والكورية (هنا) والاسبانية (هنا)... 
 
 
 
التدقيق: 
لكن هذه المزاعم مضلّلة، لا سيما في ما يتعلق باعدام الشخص شنقا عقابا لمحاولته الانتحار، وفقا لما يبيّنه تقصي حقيقتها.  
 
نعم، "الانتحار كان يُعتبر جريمة في إنكلترا تاريخيًا"، على ما يقول الأستاذ المساعد في العدالة الجنائية في جامعة ليدز الدكتور ديفيد تشرشل Dr David Churchill، لـ"النهار"، مشيرا الى ان "هذا التجريم يرجع إلى ما قبل القرن التاسع عشر بوقت طويل، ويتعلق بالفهم اللاهوتي والقانوني للانتحار باعتباره قتلًا للنفس".
 
في الواقع، يمكن ارجاع أصل قانون معاقبة الانتحار في أوروبا الى "إدانة القديس أوغسطين لقتل النفس، في القرن الخامس الميلادي" (شيلا مور Sheila Moore - اطروحة دكتوراه). ومنذ ذلك الحين الى عام 1961، "مرّ قانون معاقبة الانتحار في إنكلترا بخمس مراحل: الاولى، دمج إدانة القديس أوغسطين لقتل النفس بالقانون الكنسي في القرن السابع. الثانية، أصبحت الدولة المدنية في القرن العاشر متورطة من خلال فرض مصادرة ممتلكات المنتحر. الثالثة، اقترحت عقلانية التنوير في القرنين السابع عشر والثامن عشر أن الانتحار ليس خطيئة ولا جريمة. الرابعة، أصبحت محاولة الانتحار جريمة في القرن التاسع عشر، على خلفية تغيير واسع النطاق في السيطرة على الانحراف. الخامسة، أدت الحماسة لتفسيرات وضعية/ حتمية إلى استنزاف مناقشات الانحراف وخلق سياق يتيح علاج الانتحار". 
 
- ادعاء مضلّل -
خلال القرن التاسع عشر، وهو المرحلة التاريخية التي تهمنا، "كان هناك تحوّل على ما يبدو في التفسير القضائي، أدى إلى تجريم فعال لمحاولة الانتحار، والذي كان له تأثير عملي أكبر في القضايا الجنائية"، على ما يوضح تشرشل، وهو اختصاصي بالعلم التاريخي للجريمة تاريخ العدالة الجنائية.
 
عام 1854، تم إعلان القانون الذي يجرّم محاولة الانتحار (السير جون فينسنت باري Sir John Vincent Barry هنا). ومع ذلك، فإن "الادعاء بأن أولئك الذين كانوا يحاولون الانتحار في القرن التاسع عشر قد تمّ شنقهم عقابا لهم، أمر مضلّل"، على ما يؤكد تشرشل.
 
ويؤيده في هذا الرأي البروفسور روبرت شومايكر Professor Robert Shoemaker، أستاذ التاريخ البريطاني في القرن الثامن عشر في جامعة شيفيلد. ويقول لـ"النهار": "صحيح ان الانتحار كان يُعتبر جريمة في بريطانيا قبل عام 1961، لكن على حد علمي لم يتم شنق أي شخص بسبب الانتحار" في القرن التاسع عشر. 
 
ويوضح أنه "على الرغم من وجود عقوبات لمحاولة الانتحار، إلا أن الشنق لم يكن واحدًا منها آنذاك. وكانت إحدى هذه العقوبات مصادرة التاج لممتلكات المنتحر. وخلال القرن الثامن عشر، كان هناك عقاب ديني على الانتحار، وهو دفن الجثة عند مفترق طرق (وليس في فناء الكنيسة)، مع وضع خشبة في القلب. لكن هذه العقوبة نادرا ما نُفّذت، وأصبحت بالية". 
 
عام 1823، شهدت انكلترا "آخر ممارسة لدفن مماثل، ليتم إلغاؤها رسميًا بموجب القانون" (ديفيد أس ماركسون David S. Markson هنا). كذلك، "تم انهاء قانون مصادرة الممتلكات كنتيجة قانونية محتملة للانتحار في إنكلترا عام 1870، وفي فيكتوريا عام 1878" (السير جون فينسنت باري Sir John Vincent Barry هنا).
 
ويخلص شومايكر قائلا: "ربما كان الانتحار جريمة في بريطانيا، لكن نادرًا ما كان يُعاقب على هذا النحو، وبالتأكيد ليس بالاعدام شنقًا".
 
الفكرة ذاتها يشير اليها الدكتور تشرشل، ويتعمق فيها. "أعتقد أن محاولة الانتحار كانت من الناحية الفنية جريمة يعاقب عليها بالإعدام، وبالتالي يمكن أن يُشنَق المرء بسببها، على الرغم من أن الحالات الفعلية لهذا كانت قليلة العدد. في القرن التاسع عشر، لم يتم إرسال الغالبية العظمى من الأشخاص الذين قُبض عليهم بتهمة محاولة الانتحار الى المحاكمة، ولكن تم توجيه تهم إليهم بارتكاب جريمة أخف (مثل السكر) أو تم تسريحهم بعد فترة قصيرة في الحجز. وتم التعامل مع آلاف الأشخاص بهذه الطريقة كل عام بحلول أوائل القرن العشرين. واستمر اعتقال العديد من الأشخاص واتهامهم حتى الخمسينيات من القرن الماضي".
 
بعض الأرقام التعبيرية. "في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، اعتقلت الشرطة البريطانية نحو 50 شخصًا في المتوسط سنويًا بتهمة محاولة الانتحار. وبحلول سبعينيات القرن التاسع عشر، تم اعتقال ما يزيد عن 800 شخص سنويًا في إنكلترا وويلز بهذه التهمة... ومع ذلك، تشير الإحصاءات القضائية إلى أن القضاة كانوا مترددين في إرسال الأشخاص إلى جلسات المحاكمة بهذه التهمة. وعلى الرغم من اعتقال الشرطة لـ587 رجلاً وامرأة بتهمة محاولة الانتحار في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، لم يتم تقديم أي منهم إلى المحكمة العليا (Anderson 1987: 291). وقد تعامل القضاة معهم عادة بموجب تهم أخرى أخف، مثل السكر واخلال النظام أو التشرد، أو أطلقوا لعدم وجود أدلة ضدهم. وقد استمر هذا الوضع طوال القرن التاسع عشر، بحيث تم تقديم نسبة صغيرة فقط من آلاف تم اعتقالهم بتهمة الانتحار، الى المحاكمة" (اطروحة مور). 
 
في آب 1961، أصدر البرلمان البريطاني قانون الانتحار لعام 1961/ Suicide Act 1961، الذي الغى تجريم فعل الانتحار في إنكلترا وويلز، وايضا محاولة الانتحار، في وقت تمثل مساعدة الانتحار جريمة محددة في المملكة المتحدة اليوم. 
 
والآن... ماذا عن الصورة المتداولة؟ 
البحث العكسي عنها، بواسطة مختلف محركات البحث، يقودنا الى موقع مجلة exhibitor online الذي ينشرها (هنا، هنا)، ضمن صور او رسوم عدة لجس غونشور Jess Gonchor، مصمم الانتاج الأميركي الشهير. وقد أرفقها غونشور بالشرح الآتي: True Grit, The Gallows, Sketch#2, 12/30/2009، اي عزم حقيقي (اسم فيلم)، المشنقة، رسم 2، (التاريخ) 12/30/2009.     
 
 
وTrue Grit (أو عزم حقيقي) هو فيلم وسترن أميركي أنتج عام 2010، من إخراج وكتابة الأخوين كوين Joel and Ethan Coen. وتتحدث قصة الفيلم عن فتاة عنيدة تجند مارشالا أميركيا قويا لتعقب رجل قتل والدها في الأراضي الهندية (هنا، هنا، هنا...).
 
وهذا يعني، اذاً، ان الرسم الذي انجزه غونشور من اجل الفيلم يمثل مشهد مشنقة من الغرب الأميركي، بما ان الفيلم وسترن أميركي. ولا علاقة له بمشهد شنق في بريطانيا. 
 
النتيجة: اذا، المزاعم ان "القانون البريطاني كان يعاقب من يحاول الانتحار في القرن التاسع عشر باعدامه شنقًا"، مزاعم مضللة، غير دقيقة. وبالنسبة الى الرسم المتناقل، فلا علاقة له بانكلترا. ويمثل مشهد مشنقة من الغرب الأميركي انجزه مصمم الانتاج الأميركي الشهير جس غونشور عام 2009، من اجل فيلم وسترن أميركي.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم