الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

عيد البربارة... بين القداسة والتراث

المصدر: النهار
ريم قمر
القدّيسة بربارة بريشة الفنّان جان فان أيك.
القدّيسة بربارة بريشة الفنّان جان فان أيك.
A+ A-

ينتظر أطفال لبنان حلول عيد البربارة بفارغ الصبر. فهو العيد الذي يرتدون فيه أزياءهم التنكرية المفضلة، ويطرقون أبواب الجيران والأقارب والأصدقاء، لملء أكياسهم وسلالهم بما توفَر من حلويات وسكاكر ومكسرات. وذلك، على أنغام أغنية "هاشلة بربارة" التي حفظتها الأجيال لتصبح الأغنية التراثية الخاصة بهذه المناسبة.

 يُعتبرعيد القديسة بربارة، من أقدم التقاليد في الكنائس المسيحية، فيُحتفل به في لبنان وعند الطوائف الغربية  في الرابع من كانون الأول، بينما يحتفل به الشرقيون في السابع عشر منه.

من هي القديسة بربارة؟

تختلف الروايات حول قصة القديسة بربارة وأصلها، ولكننا في لبنان نؤمن بأنها وُلدت في بعلبك في أوائل القرن الثالث الميلادي، في حين يرى آخرون أنّها وًلدت في مدينة نيقوميديا الواقعة في تركيا حالياً. هي إبنة رجل وثني يدعى "ديوسقوروس" وكان يشتهر بثرائه. ولأنها كانت على قدرعالٍ من الجمال، خاف والدها عليها وسجنها في برجٍ عالٍ حيث بقيت هناك إلى أن أصبحت شابة. وكان الخدم والمعلّمون يزورونها لتقديم العلم والطعام لها. ولقد تلقت بربارة علمها على يد العالم اللاهوتي المصري أورتجانوس.

 إعتنقت الديانة المسيحية سرًا، فرفضت الزواج بهدف تكريس حياتها لخدمة الديانة التي اعتنتقتها. هذا الرفض أحرج والدها أمام نبلاء قومه، الأمر الذي جعله يشكَ بها وبتأثير المعتقدات المسيحية عليها. وعندما صارحته بإيمانها، حاول قتلها، فهربت منه وصارت تركض في الحقول والبراري.

وللإختفاء عن عيون والدها وحرّاسه، أخذت بربارة تتنكر بلفَ نفسها بملابس ممزقة، وتلوّن وجهها لإخفاء ملامحها وكذلك حاولت ان تختبئ بين سنابل القمح الناضجة. ولكن بالرغم من ذلك، تمكن أحد الرعاة من التعرّف إليها، بسبب يديها وعينيها الجميلتين. وعندها قام والدها بتعذيبها ريثما تتراجع عن إيمانها. ولكن، وبعد أن فشل بذلك، لجأ إلى الحاكم الذي أمر بقطع رأسها، وطلب منه تنفيذ الحكم بنفسه. عندها هبّت لنجدتها شابة أخرى، تدعى يوليانة، كانت قد تأثرت بها، فأعلنت إيمانها بالمسيح. فقتلت الاثنتان معاً، وهما تعتبران أول شهيدتين من شهداء الكنيسة. ويقال أن والدها وبعد أن نفّذ إعدامه لها، أصابته صاعقة وتحوّل إلى رماد.

رفاتها

أما بالنسبة لرفاتها، فبحسب المعتقدات المحلية، فإن جسدها نقله الملوك المسيحيون من بعلبك إلى مدينة القسطنطينية وبقي هناك. ومن ثم قام الإمبراطور البيزنطي باسيليوس الثاني بإعطاء أخته، وبعد أن تزوجت بأمير كييف "فلاديمير"، رفات القديسة بربارة كهدية. فأخذتها معها إلى كييف. ويقال أن الرفات موجودة اليوم في دير القديس ميخائيل في أوكرانيا.

 عيد البربارة والتقاليد الموروثة

من أكثر العادات المعتمدة في هذا العيد هو التنكر بأزياء مختلفة والتي بدأت تتطور أشكالها وتصاميمها مع الوقت. وتعتبر الحلويات والسكاكر والمكسرات من رموز العيد أيضًاً. فكلَما كانت الضيافة غنية، كانت دليلاً على كرم صاحبة المنزل التي يُطرق بابها.

وتعتبرأنشودة "هاشلي بربارة" من العادات التراثية أيضًا إذ يرددها الكبار والصغار بالإضافة إلى بعض الاقوال الشعبية التي تترافق مع المناسبة، والتي تحكي أحداث قصة القديسة بربارة والظلم، والعذاب والمعاناة التي عاشتها.

ومن المأكولات الشهيرة المرتبطة مباشرة بهذا العيد، القمح المسلوق والمزين بالمكسرات والقلوبات اللذيذة. يأتي هذا التقليد كونه يرمز إلى حياة القديسة وموتها: " فالقديسة بربارة ماتت فداءً للمسيحية كما تموت حبّة القمح لتأتي بأكثر"، كما قال السيد المسيح: " إن لم تمت حبّة الحنطة فإنها تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمرٍ كثير"!

 

تقع في المنطقة، وحيث تنتشر حكاية القدّيسة بربارة وتَتنازع في نسبتها إليها، عدة كنائس تحمل اسمها. وتمارس في هذه المناطق أيضًا الطقوس الاحتفالية المميزة بعيد البربارة . نذكر من هذه الكنائس:

كنيسة البربارة في مدينة بعلبك

يرجّح اللبنانيون أن القديسة بربارة هي ابنة مدينة بعلبك. لذلك فهي تعتبر شفيعة مدينة بعلبك وحاميتها. فلقد تمَ تحويل معبد فينوس إلى كنيسة تحمل اسمها. ويعتقد أيضًا سكَان المدينة أن مدفن القديسة موجود في الموقع أيضًا. وتشتهر في بعلبك مقولة أن القديسة بربارة هي"شفيعة بعلبك، وشباب المدفعية"، ويعزو البعض تلك المقولة إلى رمزية القديسة بسبب ما تعرّضت له من مخاطر، ما يجعلها "تحمي  المدينة من الأخطار".



كنيسة البربارة في رأس بعلبك

في وسط بلدة راس بعلبك تبدو معالم كنيسة بيزنطية تحمل اسم القديسة بربارة. يعتقد الأهالي المحليون أن القدّيسة بربارة هي إبنة بلدتهم. أما الكنيسة فهي بازيليكية التصميم، وتتألف من ثلاثة اروقة. تتصدر رواقها الوسطي حنية كبيرة لا تزال تحتفظ بعدة صفوف من مداميك جدارها. والجدير بالذكر، أن الكنيسة بنيت على أنقاض معبد قديم. من الروايات المتوارثة في البلدة، أن القديسة بربارة هي التي أشرفت على تغيير المعالم الهندسيّة لهذا الموقع وتحويله من معبد روماني الى كنيسة.

 

كنيسة البربارة في مصر

بنيت كنيسة البربارة  في مصر في أواخر القرن الرابع الميلادي وهي تقع تحديدًا في منطقة   بابليون. تتميز هذ الكنيسة  بهندستها العريقة والجميلة. فيزورها المؤمنون من كل مكان. خصوصًا وأنه وبحسب المعتقدات المحلية، جسد القديسة بربارة يرقد فيها. ولقد تم وضعه على يمين المذبح داخل صندوق خشبي يسمح للزائرين برؤيته ولمسه.

 

كنيسة البربارة في فلسطين

يعتبر أهالي منطقة عامود الفلسطينية أن حقل القمح الذي اختبأت فيه القديسة بربارة بعد فرارها من والدها يقع في منطقتهم. فأصبحت تعتبر القديسة بربارة ابنة البلدة وشفيعتها.

كما ويعتقد السكان أن القديسة دفنت في المكان حيث أقيم مقام يحمل اسمها. ولقد عُثر في الموقع على مدفنين بجوارالمغارة حيث اختبأت، أحدهما لها والآخر لمساعِدتها التي تُدعى "يوليانا". لكن القبر فارغ الآن، حيث أنه تم نقل رفاتها من هذا الموقع الى القسطنطينية ومن ثم الى كنيسة القديسة بربارة في كييف. وتقع كنيسة بربارة على تلة صخرية غرب القرية، وقد بنيت في القرن السادس الميلادي كما هو موثَق على مدخلها. وكانت تتكون من ثلاث غُرف لم يبق منها سوى أساساتها، وبجوارها بعض الكهوف. وتنتشر حولها العديد من معاصر الزيتون والعنب والآبار، بالإضافة إلى قبورمنحوتة في الصخر تعود إلى العصر الروماني. يحتفل اهالي المنطقة بعيد القديسة بإضاءة الشموع  في الموقع.

 

معلومات مفيدة

  • - يقدَس الغربيون أيضًا القديسة بربارة فهي تحميهم من المخاطر والبلاء. فيكرَمها  أصحاب المهن الخطرة كعمَال  المناجم، وصانعي الأسلحة، والمهندسون العسكريون والمحاربون.
  • - أدّت الفنانة الراحلة صباح أغنية "هاشلة بربارة" في الستينيات، وهي من تأليف فيليمون وهبي. ولقد أصبحت أغنية عيد البربارة الفلكلورية.
  • - قبل انتشار الأزياء التنكرية الشائعة اليوم، كان أهل القرى يلوّنون وجوههم، ويرتدون ملابس ممزقة وخرقاً بالية بهدف التنكر.
  • - تعدّ قصة رابونزل الشهيرة، نسخة منبثقة عن قصة القديسة بربارة، سجينة البرج العالي. 
  • - تعتبر العوّامات، والمشبّك، والمعكرون والقطايف من الحلويات اللبنانية التقليدية التي يتم تحضيرها في هذا العيد
  • - يترافق مع هذا العيد البدء بالتحضيرات لعيد الميلاد المجيد من تزيين شجرة الميلاد، والمغارة إضافة إلى زرع الحبوب كالقمح، والعدس والحمّص داخل أوعية منزلية صغيرة بحيث يتم استبدال التراب بالقطن.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم