الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

روسيا المنتصر الأكبر من تمديد عمل معبر باب الهوى؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
سلسلة بشرية خلال إدخال مساعدات إنسانية من معبر باب الهوى (أ ف ب).
سلسلة بشرية خلال إدخال مساعدات إنسانية من معبر باب الهوى (أ ف ب).
A+ A-

جسّد تمديد إيصال المساعدات الإنسانية الأممية إلى سوريا عبر معبر باب الهوى اختباراً أولياً لقمة جنيف التي استضافت الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين أوساط الشهر الماضي. واجهت النقاشات في أروقة مجلس الأمن مفاوضات صعبة لكنّ الطرفين نجحا في الدقائق الأخيرة بالتوصل إلى اتفاق لمواصلة إرسال المساعدات إلى سوريا لاثني عشر شهراً إضافياً. وكانت المهلة الأساسية التي بدأت سنة 2014 ستنتهي يوم أمس السبت. وحظي الاتفاق بدعم الأعضاء الخمسة عشر الذين يتشكل منهم المجلس.

كان بايدن وبوتين قد تطرقا إلى هذا الملف في سويسرا حيث ربط الرئيس الأميركي أي تعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في الشأن السوري باستمرار عمل المعبر. في حديث إلى شبكة "أن بي سي"، قال مسؤولان أميركيان إنّ بوتين لم يعطِ جواباً حاسماً على الموضوع خلال القمّة. لكنّ مستشار بايدن لشؤون الأمن القومي جايك سوليفان وصف لاحقاً المحادثات المرتبطة بهذا الملف بـ"البناءة".

 

الرؤية الروسية

تخوّف كثر من أن يؤدي فشل الاتفاق إلى نتائج كارثية. قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إنّ 72% من السوريين يعتمدون على هذا الدعم في ظل ظروف اقتصادية تزداد صعوبة. وفاقمت موجة الجفاف الأزمة الحالية إضافة إلى انهيار الليرة السورية وتفشي جائحة "كوفيد-19". وأضاف غوتيريش أنّ البديل عن الاتفاق هو "تداعيات مدمرة" مطالباً الدول الكبرى بإنهاء "الكابوس" المستمر منذ عشرة أعوام. وقالت الأمم المتحدة إنّ 13.4 مليون مواطن في سوريا، من بينهم مليونان في إدلب وحدها، بحاجة ماسة إلى الغذاء ومساعدات أخرى.

ترى موسكو أنّ نظام المساعدات ينتهك السيادة السورية ووحدة أراضيها. بفعل التدخل العسكري الروسي المباشر بدءاً من أيلول 2015، استطاعت الحكومة السورية استرجاع القسم الأكبر من الأراضي التي وقعت سابقاً بيد المعارضة المسلحة، باستثناء شمال شرق البلاد الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديموقراطية (قسد) ومحافظة إدلب. ويفصل معبر باب الهوى بين تلك المحافظة وتركيا. إنّ إغلاق هذا المعبر يشكل مبدئياً هدفاً لموسكو على طريق استرجاع شرعية وسيادة حكم الرئيس السوري بشار الأسد على كامل أراضيه. لذلك، كانت صعوبة التفاوض بين الأميركيين والروس أمراً متوقعاً. وفي السابق، قال السفير الروسي إلى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا إنّ الإرهابيين يستخدمون المعبر لغاياتهم الخاصة كما يستخدمون المدنيين في إدلب كدروع بشرية.

 

"مسألة حياة أو موت"

تؤوي إدلب الكثير من المعارضين المسلحين الذين خسروا جولات القتال في المحافظات الأخرى إضافة إلى عائلاتهم. لكنها أيضاً مقر لـ"هيئة تحرير الشام" التي تخلت عن اسمها السابق (جبهة النصرة) كي تفكّ ارتباطها بتنظيم "القاعدة" وهي محاولة لتسويق صورة إيجابية عن نفسها. لكنّ أدلّة قليلة تؤكّد ذلك، بينما لا تزال الولايات المتحدة تعتقد بوجود رابط بين "الهيئة" و"القاعدة" بحسب تقرير لـ"مركز الدراسات الدوليّة والاستراتيجية". من جهتها، تخوّفت تركيا من أن يؤدّي إقفال المعبر إلى تدهور إضافيّ للأوضاع المعيشيّة داخل المحافظة، أمرٌ سينتج عنه موجة جديدة من اللجوء إلى أراضيها. وهذا ما لا قدرة لتركيا على تحمّله في ظلّ تراجع أدائها الاقتصاديّ. من هنا، وفي ظلّ مخاوف من توسّع أزمة إنسانيّة كي تصبح أيضاً أزمة جيوسياسية، أمكن فهم توصيف السفيرة الأميركية إلى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد للمحادثات حول تمديد عمل المعبر بأنّها "مسألة حياة أو موت".

لكنّ الاتّفاق الأمميّ وبالأخص الاتفاق الأميركيّ-الروسيّ لا يحمل تفسيراً موحداً. تبنّى مجلس الأمن قراراً يطلب تقريراً أممياً عن نتائج المساعدات بعد ستة أشهر، يتطرّق إلى شفافية توزيع المساعدات كما ضرورة زيادتها عبر الخطوط الأمامية الداخلية. لكنّ واشنطن تقول إنّ الاتّفاق لا يتطلب تصويتاً آخر في كانون الثاني لتمديد العملية. غير أنّ موسكو أشارت إلى أنّ المجلس يمكنه التصويت مجدداً إذا لم تتحدث الأمم المتحدة عن تقدم في تسليم المساعدات عبر الخطوط الأمامية من داخل سوريا وعن شفافية العمليات بشكل عام.

 

فوز لكلّ الأطراف؟

تراجعت واشنطن عن طلب إقامة معبرين آخرين عبر الحدود مع العراق، كما تراجعت روسيا عن معارضتها لعمل معبر باب الهوى. بذلك، تمكن الطرفان من الوصول إلى تسوية سيتبيّن مدى صلابتها في كانون الثاني 2022. وأشاد بايدن وبوتين بالاتفاق الصادر عن مجلس الأمن خلال اتصال هاتفيّ بينهما دام حوالي الساعة. وصف نيبينزيا ما حصل بـ"اللحظة التاريخية" التي يمكن أن تتحول إلى منعطف لا يفيد سوريا وحسب بل الشرق الأوسط ككل بحسب رأيه. وكان لتوماس-غرينفيلد رأي مشابه إذ تحدثت عن أنّ الآباء سينامون ليلة السبت مدركين أنّ أطفالهم لن يجوعوا خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة كما تطلعت إلى فرص أخرى للتعاون مع روسيا في مجالات الاهتمام المشترك.

توضح كبيرة مستشاري نائب رئيس "معهد الولايات المتحدة للسلام" منى يعقوبيان أنّ روسيا رفضت سابقاً فكرة تأمين المساعدات بطريقة لا تمرّ عبر دمشق وتشدّدت في رؤيتها بعد فوز الأسد بالانتخابات الرئاسية في أيار الماضي لأنّ الفوز أكّد شرعيته بحسب المنظور الروسي. وتوقّعت قبل أيام من التصويت الأممي، أن يتوصّل الطرفان إلى تسوية تدعم مطلبيهما معاً: ضمان إيصال المساعدات عبر الخطوط الأمامية داخل سوريا (مطلب موسكو)، كما عبر الحدود بين تركيا وسوريا (مطلب واشنطن)، مضيفة أنّ تسوية "الوصول مقابل الوصول" تؤمّن فوزاً لجميع الأطراف. لكن يبدو أنّ حجم الانتصار قد لا يكون متناسقاً.

 

الانتصار الأكبر لروسيا؟

الديبلوماسي الفرنسي السابق شارل تيبو وصف في تغريدة ما توصّل إليه مجلس الأمن بـ"الغموض البنّاء" حيث يتمّ تعليق تفسير النقاط الغامضة إلى مرحلة لاحقة. ففي كانون الثاني، ستقول واشنطن إنّ عملية التمديد لستة أشهر أخرى هي تلقائية بمجرّد صدور التقرير الأمميّ، بينما يمكن أن تردّ موسكو بأنّ التمديد مرتبط بمحتوى التقرير، وبالتالي، قد يكون خاضعاً لحقّ النقض الروسيّ. ويضيف أنّ موسكو، وبعكس تصريحاتها العلنية، لم تكن مهتمّة فعلاً بإغلاق المعبر بالنظر إلى علاقتها السياسية مع تركيا.

يبدو إذاً أنّ موسكو حقّقت انتصارات عدّة في مجلس الأمن أهمّها منع الغرب من تأسيس أكثر من معبر إقليميّ لتمرير المساعدات إلى سوريا. أدّى ذلك خصوصاً إلى حرمان منطقة الإدارة الذاتية الحليفة نظرياً للأميركيين، من معبر لإيصال المساعدات إلى سكّانها. بالفعل، انتقدت الإدارة الذاتية "ازدواجية المعايير" في التعامل الإنسانيّ مع المناطق السورية المختلفة.

وقدّمت روسياً أيضاً "هديّة شبه مجّانيّة" إلى تركيا بتخفيف احتمالات بروز موجة لجوء كبيرة إليها، في وقت تتعرّض أنقرة لضغوط غربيّة كي تخفّض علاقاتها السياسية والعسكرية مع موسكو. ولا تزال الأخيرة قادرة على التلويح بورقة ضغط لمنع التمديد التلقائيّ لعمل معبر باب الهوى بعد ستة أشهر. وأظهرت أيضاً بادرة "حسن نية" تجاه الإدارة الجديدة تلقّفها مسؤولوها سريعاً. فكيف ستعمل روسيا على الاستفادة عملياً من هذه المكاسب؟ هل تنجح لاحقاً بتحويلها إلى نفوذ أكبر لدفع الولايات المتحدة إلى بدء رفع العقوبات عن الأسد؟

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم