السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

حين تحدّثت نوال السعداوي لـ"النهار" عن تمرّد مصر وتحرّر العرب... لا استسلام للقضاء والقدر

المصدر: "النهار"
ديانا سكيني
ديانا سكيني
الراحلة نوال السعداوي.
الراحلة نوال السعداوي.
A+ A-
في العام 2013، كان الاحباط يسود المتطّلعين الى التغيير في مصر والعالم العربي، وقد بدأت موجات الانقلاب على أحلام الثورة "الطوباوية" تتظهر، وخرج الخطاب الاسلاموي الى الفعل والتحكم الاجتماعي، ليقبض على مشهد ميدان التحرير، في مقابل انكفاء شرائح مدنية وشبابية ونخب نتيجة عوامل اقتصادية وعددية وسياسية خارجية وداخلية. 
 
كانت نوال السعداوي واحدة من المفكرين المنظّرين للتغيير الاجتماعي الذي لا ينفصل عن النضال السياسي ويمهّد له، ولم تفاجئها الانقلابات ولا ازدياد مشاهد النقاب حينها في الشارع المصري. هي التي خاضت حروبها الفكرية مع الاسلاميين ومن يشبّكون مصالحهم، من الليبراليين، مع رجال الدين، في وقت مبكر من مسيرتها.
 
كانت نوال السعداوي في طليعة من قادَ الموجة النسوية الفكرية الثانية في مصر وبلاد العرب، وتمكّنت كتاباتها التحرّرية عن الختان والمرأة والدين من إحداث صدمات اجتماعية وكسر تابوهات، ما أدى الى اشتباك عنيف مع قوى الاستبداد والظلام في آن. هكذا اختبرت قضبان السجن وواجهت دعوى "الحسبة" للتفريق بينها وبين زوجها بتهمة "ازدراء الأديان".
 
في العام المذكور، عام سقوط "الاخوان" في مصر وتقدّم العسكر من جديد، أتيحت لي فرصة إجراء حوار مع السعداوي، عبّرت فيه عن غضبها من مآل أمور الثورة، ومن قوى المعارضة المصرية، ووجهت نقداً لاذعاً لبعض الجمعيات النسائية.
 
"نحن في حاجة الى نخب ثورية جديدة نابعة من الثوار والثائرات ومستعدة لدفع ثمن الحرية بدمائها وأموالها، وهذا هو طريق المستقبل". إنه حسب نوال السعداوي التي ترى "استحالة وجود ديموقراطية حيثما يوجد فقر"، وترفض الاستسلام للقضاء والقدر.
 
رحلت أمّ النسويات، والمفكرة والطبيبة والناشطة المتمردة، وابنة القيلوبية، وكاتبة "المرأة والجنس" و"توأم السلطة والجنس" و"الحاكم بأمر الله" و"مذكراتي في سجن النساء"، وغيرها العشرات من مؤلفات زرعتها عبر العقود. كلمات وأفكار وأفعال، يستحيل أن تهمد، فاذا بتراكمها يشبه البذور المنثورة في حقول قمح تنتظر شمساً لابدّ أن تشرق.

هنا استعادة للحوار:
 
ما تشهده الميادين المصرية من ثورة داخل الثورة يؤكد للمفكرة نوال السعداوي ما تردّده من أن "العجز ليس قدراً". تقول السعداوي لـ"النهار": "أؤمن بالإرادة والعزيمة في المجتمع المصري، وأرفض الإستسلام لمقولة القضاء والقدر". وبعزم تردّد: "الثورات الشعبية لا تموت، والثورة في مصر هي شعب وليست ثورة أقطاب معارضة".
 
 
وترى السعداوي أن "محاولة إجهاض الثورة المصرية وغيرها من الثورات العربية، أتت في سياق مؤامرة داخلية وخارجية في وقت واحد، لذا علينا ألا نفصل بين القوى الاستعمارية الخارجية والقوى الاستبدادية في الداخل، فهي تعمل معاً لضرب الحركات الشعبية التي تنشد الحرية والاستقلال والكرامة والعدالة الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية للنساء والرجال والشباب والأطفال".
 
المعارضة المصرية
 
في نقدها للحركات المعارضة المصرية، تقول السعداوي أن "الأحزاب المعارضة نشأت في عصر السادات - ريغان، تحت اسم الديموقراطية، وهي جزء من النظام الرأسمالي الأبوي الديني، ولا يهمها تحرير الفقراء والنساء والأطفال، أو استقلال البلاد عن السوق العالمية والمعونات الخارجية". وتضيف: "هم يدورون في حلقة الإنتخابات "الحرة" المفرغة الفارغة، التي تواصل قمع الثورة وانتاج نظام السوق نفسه تحت اسم الديموقراطية".
وفي رأيها، أن "أقطاب المعارضة المدنية يتنافسون اليوم مثل أقطاب الحكومة الدينية على كسب رضى القوى الرأسمالية العسكرية النووية". وتستدرك "بالطبع هناك بعض المخلصين لكنهم يطاردون ويهددون حتى اليوم".
 
دور النخب
 
وحول دور النخب المصرية في مرحلة ما بعد الثورة، تقول أن "الثورات اثبتت في بلادنا ثانوية دور النخب المصرية والعربية في الثورات أو في التغيير السياسي والفكري والاجتماعي والأخلاقي، ذلك أن معظم هذه النخب ترتبط بالسلطات الحاكمة المدنية والدينية عائليا وطبقيا، ولا يمكن أن تثور النخبة ضد نفسها".
 
وتجد "أننا في حاجة الى نخب ثورية جديدة نابعة من الثوار والثائرات ومستعدة لدفع ثمن الحرية بدمائها وأموالها، وهذا هو طريق المستقبل".
 
ورغم ما تعتقد به من "ثانوية دور النخب في الثورة"، تفاخر السعداوي بدور نتاجاتها الأدبية والفكرية والتي حطمت تابوهات دينية واجتماعية وتمردت على "النظام الطبقي الابوي"، في "تمهيد الأرضية للتمرد في المجتمع المصري وخصوصا لدى الشباب"...
 
الفكر الجاهلي
 
تعتبر السعداوي أن "الفكر الجاهلي تمدّد بعد الثورة في مصر، مما يكشف عن القوى التي أرادت إجهاض الثورة وعدم تمكينها من اسقاط جسد النظام بعد أن أسقطت رأسه ( مبارك )". وهي ترى أن "المشكلة لا تكمن في أن الحرية سيف بحدين، لأن الحرية تفتح العقول للحوار الخصب البناء بل لأن القوى الدينية السلفية والرجعية المصرية و العربية تعاونت مع القوى الاستعمارية الخارجية على تقسيم بلادنا طائفياً واشعال الفتن الدينية لتمزيق الشعوب واضعافها وبالتالي تجريدها من القدرة على المقاومة والثورة ". وتردف: "انظري ما يحدث في العراق وسوريا ومصر وليبيا ولبنان والسودان وغيرها".
 
مشاكل النساء
 
لماذا تزايدت مشاكل النساء ومنها التحرش الجنسي بعد الثورة؟ سؤال تجيب عليه السعداوي بالقول: "زادت هذه المشاكل بعد اجهاض الثورة، وتصاعد القوى الدينية السلفية والرجعية، لكن دور المرأة المصرية في الثورة كان رائدا، واريقت دماء النساء والرجال والشباب دون تفرقة".
 
أما دور الجمعيات النسوية فهو محط انتقاد قاس من السعداوي، فـ"هذه الجمعيات تكونت في عصر جيهان السادات و سوزان مبارك، وعلى مدى السنوات الأربعين الماضية، كان النظام المصري المستبد الفاسد يضرب أي حركة نسائية ثورية بما فيها الاتحاد النسائي المصري الذي وقفت سوزان مبارك ضده بمساعدة وزيراتها للشؤون الاجتماعية، لكننا أعدنا تنظيم الاتحاد النسائي في ميدان التحرير خلال فبراير 2011 بعد سقوط مبارك، وانضم الى الاتحاد الآلاف من الشابات والشبان، وهم يعملون معا على استعادة روح الثورة ونشاطها في مجال تحرير العقل وتحرير المرأة".
 
بالنسبة للسعداوي "ستنتصر القوى الشعبية الثورية في مصر وكل البلاد شرقاً وغرباً لأن الثورات الشعبية لا تموت وتستمر نحو الأمام ، وإن تراجعت خطوة أو أكثر فهي تستمد قوتها من قوة الشعب".
 
رغم تفاؤل السعداوي بنبض الشعب المصري الذي لا يستكين، فان القلق، كل القلق، سيبقى مرده الى "استحالة وجود ديموقراطية حيثما يوجد فقر".
وهنا تسترجع روايتها الشهيرة "زينة" حيث قادت طفلة من أطفال الشوارع رفاقها "نحو الثورة ضد الظلم والكذب والفساد".
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم