الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

حادثة الاغتصاب في بيروت... حاسبوا المجرمين و"لا تقطعوا عنّا النفس"

المصدر: النهار
ليلي جرجس
ليلي جرجس
المنطقة التي وقعت فيها جريمة الاغتصاب. (تصوير حسن عسل)
المنطقة التي وقعت فيها جريمة الاغتصاب. (تصوير حسن عسل)
A+ A-
 لا شيء يُبرر هذا الفلتان الذي يتمدد كالفطريات في المناطق اللبنانية. غياب الأمن وزيادة جرائم السرقة والقتل تكشف هشاشة الدولة وانهيارها المتواصل. بالأمس، كان لنا موعد مع وجه آخر مخيف، مع جريمة اغتصاب شابة في وسط العاصمة، على مسافة قريبة من ثكنة عسكرية، وفي منطقة من المفترض أن تكون آمنة وهادئة.
 
وسط تكتّم شديد، وتناقض الروايات بين مصدر أمني يؤكد أن ما جرى هو "محاولة اغتصاب"، وبين رواية صديقات الضحية اللواتي أكدن عبر تغريداتهنّ أنها "تعرّضت للاغتصاب"، يتخطّى الخوف والهاجس الأمني كل المعطيات الموجودة، ويضعنا أمام سؤال: هل فقدنا السيطرة حتى أمننا الشخصي؟. 
 
تتوالى الأسئلة تباعاً من دون أن يتكبد أحد عناء الإجابة عنها، هل وصلنا إلى مرحلة الخوف من فتح الباب والخروج من المنزل؟ هل علينا أن نقلق من ممارسة الرياضة في الوقت الذي نريده من دون هاجس القلق الذي بات يعترينا عند سماع حادثة اغتصاب أو قتل أو سرقة؟
 
لا يمكن أن نمرّ مرور الكرام على حادثة الاغتصاب التي أشعلت الرأي العام منذ ليلة أمس، أسئلة كثيرة تُطرح حول غياب دوريات الأمن والإنارة والكاميرات في مثل هذه المنطقة الحيوية في العاصمة. كيف لحادثة مثل هذا النوع أن تحصل من دون أن نسمع أيّ إدانة رسمية أو وعد بتوقيف الجاني ومحاسبته؟
 
ما نعلمه من الوقائع، أن شابة تعرضت لاغتصاب من يومين قرابة التاسعة مساء قرب محلة "كيدز موندو" في "البيال"، ونقلت الى المستشفى. وتمتنع الضحية راهناً عن الحديث إعلامياً، في حين لا يزال المعتدي متوارياً وفالتاً من العقاب. 
توجّهت جمعية بيروت ماراثون بإرسال 4 كتب إلى الجهات المعنية وهي محافظ بيروت، سوليدير، وزارة الداخلية والمديرية العامة للأمن الداخلي. لكن كيف سيكون ردّ هذه الجهات ومن سيتحمّل مسؤولية ما حصل؟
 
لم تعد بيروت المدينة التي نعرفها، تلك التي كانت تضج حياة وحباً، أصبحت اليوم ظلاماً وبقعة مخيفة تكسر صمتها أصوات بعض السيارات وضحكات بعض المتجولين. سكون رهيب يسكن عاصمتنا التي تغيّرت ملامحها بعد انفجار 4 آب وصفعة الأزمات الاقتصادية التي ألمّت بالبلد. لم نعتد على بيروت بهذه الصورة، لكن ما يُخيفنا أكثر أن يلاصق السكون انعدام الأمن لتصبح بيروت محرومة منّا، أو ممّن بقي منا.
 
 
هذه الجريمة ليست الأولى من نوعها، وطالما لم يُحاسب عليها أحد كما تجري العادة في أحيان كثيرة، ستبقى مثل هذه الحوادث تغتصب حياتنا اليومية من دون حسيب أو رقيب.
لم تكن الشابة التي خرجت لممارسة رياضة الجري تعرف أن هناك من ينتظرها لينقض عليها بهذه الطريقة الوحشية، ويغتصب حريتها وحياتها من دون أن يوقفه أحد. نحن أمام جريمة شنيعة، فيما الشابة ملقية على فراش المستشفى تُعالج جروحها الجسدية والنفسية.
 
ما نعيشه مسلسل رعب، هذه الحادثة تفتح الباب واسعاً أمام مصير عشرات ومئات النساء والشابات اللواتي يبحثن عن مساحة حرة وهادئة للاسترخاء وممارسة هواياتهنّ بعد يوم شاق ومتعب. وليس من حقّ أحد أن يسلبهنّ هذه الحرية، ولا يوجد مبرّر لما جرى، خصوصاً أن هذه الحادثة وقعت في العاصمة وليس في منطقة نائية بعيدة.
 
تؤكد مؤسسة ورئيسة جمعية ماراثون بيروت مي الخليل لـ"النهار" أن ما جرى بالأمس دفعنا إلى الاجتماع كهيئة إدارية وفريق العمل في بيروت ماراثون، واستنكاراً لما حصل، تقرّر توجيه 4 كتب، واحد إلى سوليدير حيث وقعت الحادثة فيها، والثاني إلى محافظ بيروت، وكتاب ثالث إلى وزير الداخلية، وكتاب آخر إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.
 
أمّا مضمون الكتاب فهو المطالبة بتوفير الإنارة لهذه المنطقة وتكثيف الحرس في مدينة بيروت، وتركيب كاميرات مراقبة وتسيير دوريات في كلّ محيط المنطقة حيث يتواجد العدّاؤون والعدّاءات لممارسة رياضة الجري.
 
وتطلب الخليل "ألّا يحرمونا ويقطعوا عنا النفس لأنهم عاجزون عن توفير كل هذه الإجراءات المطلوبة والأساسية. في المقابل، ستُصدر جمعية بيروت ماراثون توجيهات للعدّائين والعدّاءات والمدرّبين للحفاظ على سلامتهم، والتوصية بعدم الجري والركض بشكل فرديّ في أوقات معينة، بل ممارسة التمارين بشكل جماعي في ظلّ هذه الظروف.
 
وعادة عندما تطلق جمعية ماراثون بيروت برنامجها التدريبي، تكون نقطة الانطلاق "الزيتونة باي" نحو الطريق البحرية.
 
 
تعيد هذه الحادثة الأرقام المخيفة الى الواجهة، وكيفية تعاطي المجتمع مع هذه الجرائم، وبالتفصيل أكثر من 6 من أصل 10 نساء تعّرضن للاعتداء الجنسي في لبنان لم يبلّغن عن الجريمة بسبب العرض والشرف، في وقت اعتبرت 75 في المئة من النساء أنّ #الاعتداء الجنسيّ هو بالدرجة الأولى اعتداء جسديّ ونفسيّ على المرأة، وأكّدت 71 في المئة أنّ المجتمع يراه بالدرجة الأولى اعتداءً على عرض العائلة.
 
هذه الأرقام كشفت عنها منظمة "أبعاد" في تشرين الثاني من خلال دراسة إحصائية أجرتها شركة Statistics Lebanon Itd، شملت 1800 سيدة تتراوح أعمارهنّ بين 18 و50 سنة، تكشف الواقع الأليم للنساء اللواتي تعرّضن للعنف الجنسيّ، حيث الخوف من العار وشرف العائلة أكبر من حقوق المرأة في لبنان.
في المقابل، تكشف أرقام القوى الأمنية حول جرائم الاعتداء الجنسيّ المبلّغ عنها في لبنان عن تسجيل 57 حالة اعتداء جنسي منذ مطلع العام 2022 لغاية شهر تشرين الأول، أي بمعدل 6 حالات في الشهر، من بينها 20 حالة اغتصاب (جريمتا اغتصاب شهرياً)، و37 حالة تحرّش جنسيّ ( نحو 4 جرائم شهرياً).
 
وفي هذا السياق توضح المحامية في منظمة أبعاد دانيال حويك في حديثها لـ"النهار" أنّ "من المهم جداً تفادي وقوع مثل هذه الجرائم ، ومهما كانت الظروف ووضع الضحية، سواء في مكان عام أو في مكان قليل الحركة، أو في وضح النهار أو الليل، فهذا ليس مبرراً ولا يجب أن يكون بشكل من الأشكال، لخلق إمكانية حدوثه. وعليه، يجب أن يكون هناك رادع وغياب كلّ الأعذار والحجج التي تُبرّر مثل هذه الحوادث."
 
المطلب واضح وصريح، وفق الحويك "يجب أن تكون القوانين صارمة والعقوبات قاسية، لأنّ هذه الجرائم ضخمة، فبعد أن بدأنا ننظر إليها على انّها جريمة وليست اعتداءً على العار، وانّما جرائم اعتداء على الإنسان وحرية الشخص والجسد. وبالتالي هي ككلّ الجرائم الأخرى تستوجب إنزال العقوبات المطلوبة، ولا يسمح بالنظر إليها على انّها جريمة خاصة، أو التعامل معها بطريقة أخرى."
 
 
والأهم، تجب ملاحقة هذه الجرائم بجدية ومن دون مماطلة وبالشكل الذي يمنع فرار الجاني واختفاءه، والتعاطي معها كأيّ جريمة أخرى فيها اعتداء على المجتمع والحقّ العام (وليس على شرف الشخص وعاره)، وكلما عاقبنا الجاني وتمّ سجنه بعقوبات مشدّدة، نجحنا في إحقاق العدالة للنساء والفتيات وأيّ شخص تعرّض لاعتداء جنسيّ، ومنعنا تكرار مثل هذه الجرائم.
 
وترفض الحويك الحديث عن ذرائع والظروف، نحن نتحدث عن اعتداء على جسد الشخص وحياته، ولكن في المقابل، واجبنا التحذير وتوجيه النصائح لتفادي أي خطر لأننا للأسف نحن في بيئة ومجتمع يفتقر إلى رادع، وهناك بعض الأشخاص يُجيزون لأنفسهم أيّ سلوك. لذلك نتمنى على وسائل الإعلام متابعة الموضوع حتى نهايته، ونشر الأحكام الصادرة المنصفة، ليعرف الجميع أنه لا يمكن الهروب من الجريمة من دون أيّ محاسبة".
 
وفي العودة إلى مسار النضال الطويل، نجحت المساعي النسوية في إلغاء المادة 522 التي تعفي المغتصب من العقاب في حال تزوّج الضحية. أمّا المطلب اليوم هو إعادة النظر في جميع موادّ الفصل القانوني المتعلّق بالجرائم الجنسية، وإنزال العقوبات الشديدة بحقّها، بعد أن كان يُنظر إلى هذه الجرائم على انّها "اعتداء على العرض والشرف" وليس على انّها جرائم كبيرة تستوجب أحكاماً قاسياً.
 
فهل يتمّ ايقاف الجاني ومحاسبته بعقوبة توازي حجم الجريمة المرتكبة في حقّ الفتاة، أم أنّ المماطلة وغياب المحاسبة ستُبقي البلد مفتوحاً على كلّ الاحتمالات والفوضى؟



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم