الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

حقّ الوصول إلى المعلومات في لبنان يصطدم بذرائع السلطة والترهّل الإداريّ... "المرصد الوطنيّ" نموذجاً

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
تصوير نبيل إسماعيل.
تصوير نبيل إسماعيل.
A+ A-

يتقاطع "اليوم الدوليّ لتعميم الانتفاع بالمعلومات"، بتطوّر قانونيّ هامّ اختبره لبنان في هذا المجال، عبر أربع محطّات أساسيّة، أكان في إقراره قانون "حقّ الوصول إلى المعلومات" رقم 2017/28، أم بصدور المرسوم التطبيقيّ رقم 6940 في أيلول 2020، ونشر تعديلاته في الجريدة الرسميّة في تموز 2021، وصولاً إلى إطلاق رئاسة مجلس الوزراء في آب الماضي "المرصد الوطنيّ" لتعزيز الوصول الى المعلومات والوثائق الرسميّة.

من ناحية ثانية، تبقى الأطر القانونيّة جوفاء، ما لم تترافق بتطبيق عمليّ. وتبرز أهميّته في رعاية حقّ كلّ مواطن في الوصول الى المعلومات، وهو حقّ إنساني مطلق. أمّا عبر شريط الأزمات المتلاحقة، تتدحرج الحاجة اليوم لإخراج ما تجتهد السلطة في طمره ضمن قضيّة 4 آب، التي تشكّل التجلّي المأساويّ لملفّات الفساد الإداريّ، والحاجة إلى إمساك خيوط الفساد، تمهيداً لتنشيط آليات المحاسبة، للتقدّم في إرساء الحكم الرشيد والإصلاحات الإداريّة.

فها هي صرخات أهالي شهداء المرفأ تواصل دويّها المطالب بالعدالة ومحاسبة المجرمين، والصحافة المسؤولة ترفض أن تكون شاهدة زور على جرائم السلطة، وأمامنا بصيص خلاص في مساعدات المجتمع الدولي والمانحين، إلّا أنّها تشترط على لبنان الشروع في محاربة الفساد. فهل حقّ الوصول إلى المعلومات مفعّل حقّاً؟ وأيّ أفق إذاً يلوح أمام توظيف هذا الحقّ في مساءلة السلطة وفضح الفساد؟

تجربة المرصد الوطنيّ

حاول الصحافيّ بلال ياسين الاستفادة من "المرصد الوطنيّ"، فتواصل مع وزارة الداخلية والبلديات، التي أدرجت رئاسة الحكومة قناة التواصل معها عبر "لائحة الاتّصال للوصول الى المعلومات"، وتضمّنت أرقام موظفين في هذه الوزارات والإدارات العامّة، بالاضافة إلى بريدهم الإلكترونيّ، لكنّ محاولاته لم تفلح. فأرسل الصحافيّ بريداً إلكترونيّاً للموظّف المسؤول بتاريخ 3 أيلول، ولم يلقَ رداً حتى الساعة، إشارة إلى أنّ القانون يمنح الحقّ بالحصول على ردّ من الإدارات المعنيّة خلال 15 يوماً من تاريخ تقديم الطلب.

حينها، لمست مؤسسة "مهارات" ضرورة التأكّد من فاعلية المنصّة، فاتصلت الصحافية لورا رحال بوزارات مدرجة في المنصّة، لتتجرّع تجربتها المجهضة على دفعات. "استجابت وزارة المالية مديرية الجمارك ووزارة الخارجية والمغتربين للاتّصال، لكنّ الموظفتين استغربتا الاتصال وتساءلتا عن كيفية الحصول على الرقم الخاصّ"، وفق رواية لورا التي وثّقتها في تسجيل صوتيّ.

أمّا موظفة المعلومات في مديرية الأحوال الشخصية، أغلقت السماعة في وجه المتّصلة، حين عرفت أنّها تتصل بمديرية الأحوال الشخصية، ولم تردّ على محاولات أخرى. ولم  تستجب الأرقام المرتبطة بمصرف لبنان ولا بوزارة الأشغال والنقل.

"لا شكّ أنّه خلال عملنا في الصحافة، نتعرّض أحياناً لهذه المواقف مع متّصلين لا يعرفوننا. لكنّ تجاربنا مع المرصد الوطنيّ تطرح تساؤلاً حول مدى فاعلية المبادرة، بعدما اعتقدنا أنّها خطوة مأمولة في وصولنا إلى المعلومات"، وفق حديث لورا لـ"النهار". وأضافت: "في آخر محاولة، اتّصلت في 10 أيلول بالمديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء لطلب معلومات حول استراتيجية تعزيز الحوكمة المالية، لكنّهم لم يستجيبوا بعد لطلبي."

مديرة البرامج في "مهارات"، ليال بهنام، تعتقد في إنشاء "المرصد الوطني" بروباغندا إعلامية تدّعي فيها السلطة الشفافية أمام المجتمع الدولي، وهي "لم تفعّل المنصّة، باعتقادها أننا لن نستمدّ المعلومات من المصادر الرسمية، وأنّ الصحافي سيستمرّ بالاستعانة بمصادره الشخصية داخل الادارات الرسمية، وهي عادة ما تضمر غايات سياسية. نحن لا نريد إنشاء شبكاتنا الخاصة، بل نسعى إلى حقّنا للوصول الى المعلومة."

ذرائع وثغرات

وفي إطار "تحدّي واختبار آليات تطبيق القانون"، تستعرض بهنام محاولات أخرى، في وصول "مهارات" الى العقود التي أبرمتها وزارة الطاقة مع شركات النفط أمثال "سوناتراك" و"روسنفت"، على خلفية "تمسّك وزارة الطاقة بعدّة حجج مرتبطة بعقودها خلال أزمة الكهرباء المستفحلة، لكنها ترفض الكشف عنها"، مشيرة إلى أنّ المرصد الوطني لم يعرض حتى سبل التواصل مع هذه الوزارة.

وتعتبر أنّ "حق الوصول إلى المعلومة تفعّل بجانبه النظريّ مع كثير من الشوائب التي تعتريه. لكنّ القانون يلحظ شقّاً ثانياً ينصّ على النشر التلقائيّ للمعلومات، وهنا لم نسجّل أيّ خطوة الى الأمام"، إذاً "كيف سيتمكّن الصحافي من تحضير تحقيقات استقصائية ومعمّقة تُعبّد مسار الحوكمة الرشيدة، إن كانت السلطة تحجب المعلومات؟"

وتستأنس الوزارة باستثناءات القانون لتعلّل احتفاظها بالمعلومة، وأهمّها "المتعلقة بالأمن القومي والعلاقات الخارجية، والبيانات الشخصية، والأسرار التجارية."  

وفي اختبار آخر للقانون، يظهر تقرير مبادرة "غربال" لعام 2020، أنّها تقدّمت الى 200 إدارة، بهدف الحصول على البيانات السنوية المالية لعامي 2018-2019، فاستجابت 95 إدارة، أي ما نسبته 47,5 بالمئة، والتزمت 41 إدارة منها بالمهلة القانونية، فيما رفضت إدارتان استلام الطلب، و102 إدارة، لم تستجب لطلب الحصول على المعلومات، على الرغم من عشرات الاتّصالات والزيارات والمتابعات"، بحسب التقرير.

ووفق مؤسّس "غربال"، أسعد ذبيان، في حديث لـ"النهار"، أنّ "حق الوصول إلى المعلومات يعترضه تقاعس الإدارات العامة عن نشر المعلومات حكماً، وهذا أهمّ بنود القانون. واللافت أنّ الرئاسات الثلاث التي يفترض بأنّها أوّل الملتزمين بالقانون، ليست النموذج الذي يحتذى به. كما استخدمت السلطة حججاً واهية كثيرة، منها عدم صدور مرسوم تطبيقي، وبعد صدور المرسوم تذرّعت بـ"الصفة والمصلحة"، و"سوء استخدام الحقّ" وهي عبارة مطّاطة جدّاً، كما تقدّم ذرائع تكلفة تصوير الأوراق والمستندات."

إيجابيّات

على المقلب الآخر، يشير ذبيان الى "تطوّر في تعديل القانون الأخير، حيث استطاع ملء فجوات عديدة، منها أنّ مقدّم الطلب لن ترتبط به الصفة والمصلحة، وأنّ كلفة النسخ لم تعد ذريعة لأنّ المستندات ترسل عبر البريد الإلكتروني، وعدم الرجوع الى سلطة الوصاية للسماح بإعطاء المعلومات، وفي حال لم تستجب الإدارة، يمتلك المواطن الحقّ باللجوء الى القضاء الاداري أو المدني المستعجل لتسريع الإلزام بتطبيق القانون."

ولا تزال غربال تنشط في تعزيز حقّ الوصول الى المعلومات وتقييمها لشفافية الإدارات العامة "من خلال تقارير سنوية تفصّل التجارب وتفندها قانونيّاً، وتقرأ التقارير لجنة الادارة والعدل ونرفعها للادارات العامة والمجتمع الدولي الذي يمتلك أثراً فعّالاً في الضغط"، يضيف ذبيان.

وفي عام 2012، ضغطت في سبيل إقرار القانون، لجنة فرعية منبثقة عن لجنة الادارة والعدل النيابية، ومن أعضائها غسان مخيبر، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الانمائيّ ومنظّمات غير حكومية.

منصّة Impact

في سياق التجارب، أنشأ التفتيش المركزي في أيلول 2019 منصة Impact، بهدف إتاحة الوصول الى بيانات تمّ جمعها رقمياً بطريقة سهلة. وتعتبر هذه الآليّة الأشمل على صعيد الدولة، وأجريت بالتعاون مع مختلف الوزارات والبلديات، في إطار منبر مشترك يوفّر الأدوات والأدلّة لمراقبة عمل الإدارات المركزية والمحلية ورصدها والتدقيق فيها، وينشر الموقع بيانات محدثة على مدار الساعة حول مواضيع محدّدة.

وفي إطار تعاونها المهني مع Impact، تكشف لنا مديرة البحوث في Siren Associates، كارول الشرباتي، أنّ مؤشّرات بيانات التحليل آخذة في التنامي عن عدد الزوار المستخدمين، وأكثرهم يراقبون البيانات المفتوحة. وتظهر البيانات التحليلية استفادة 184 ألف مستخدم حاليّ من المعلومات، من ضمنهم 9 آلاف مستخدم جديد خلال هذا الشهر، ممّا يفسّر تعطّش المواطن للوصول الى المعلومة وسعيه وراء المصادر الموثوقة.

وتهتمّ المنصّة بـ"نشر تقارير مفصلة عن ملف كوفيد-19 في لبنان، والمسح التفصيلي للأضرار الناجمة عن انفجار 4 آب، وقرارات وحاجات وحوادث البلديات، وكذلك قرارات الوزارات والمديريّات العامة."

وحول الأثر، تشكّل Impact "مصدراً هامّاً لجمع المعلومات بالنسبة للأجهزة الرقابية. فمن المسلم به أن الصحافي والمجتمع المدني والمواطن يعانون في الوصول للمعلومات، لكن علينا ألّا ننسى أنّ المفتشين يصطدمون بالحواجز نفسها أمام المؤسسات العامة، فتحول دون إتمام تقاريرهم وتأدية دورهم الرقابي."

وتمثّل الأزمة الصحيّة تجربة هامّة للمفتشين الصحيين، الذين استفادوا من Impact لكتابة تقارير أدرجت على المنصّة بالتوازي مع نشرها على مواقع التفتيش، فتضاعف تعميم الفائدة من المعلومة.

لكن، ماذا عن الوزارات والإدارات الرسمية التي تتمسّك بعدم الإفصاح عن معلوماتها؟ تجيب كارول: هنا تلعب Impact دورها الرقابي، إذ تقوم مجموعة باحثين بإعداد تقارير حول التزام المؤسّسات بهذا القانون، سعياً منّا للمساهمة في الضغط لأجل حقّ الوصول الى المعلومات.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم