الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

العنف يحصد أرواح 4 نساء منذ بداية العام: أي حلول؟

جودي الأسمر
جودي الأسمر
زينة توفيت ولارا نجت... ضحيتان للعنف.
زينة توفيت ولارا نجت... ضحيتان للعنف.
A+ A-

في ظل أزمة أمنية مربكة لم يعهدها لبنان، تتجسد أبشع الجرائم في العنف الأسري وبالتحديد الذي يمارسه رجال ضد الزوجات. وفي آخرها، وقعت الشابة لارا شعبان ضحية عنف بليغ، وضعها في حالة صحية حرجة بعد اعتداء زوجها س.س. عليها بضربات على الرأٔس، وطعنات بسكين أدت إلى تمزيق رئتيها، وجروح بالغة في الكبد فضلاً عن تشويه وجهها.

 

وقبل ذلك بأيام، فارقت المغدورة زينة كنجو الحياة بعدما قتلها زوجها ابرهيم الغزال خنقًا ثم فرّ إلى تركيا. وبرغم من توقيف المعتدي س.س. واستدعاء الغزال عبر كل دوائر الانتربول، يتباطأ مجرى القضيتين بسبب توقف الجلسات في المحاكم، الأمر الّذي يعزز شعورًا بالتسيب الأمني وتأجيل العقاب أو الإفلات منه.

 

وأفادت مصادر القوى الأمن الداخلي بتلقي الخط الساخن 116 بلاغ عنف أسري في الشهر الأول من عام 2021. وقبل انتهاء الشهر الثاني من العام، وقعت أربع جرائم ضد نساء وفتيات. فيما أشارت إحصاءات موقع "شريكة ولكن" الى ارتفاع هذه الجرائم وعددها 27 جريمة، بنسبة 107% في عام 2020 مقارنة بالعام 2019.

 

هذا الواقع المخيف، تردّه الدراسات وبيانات قوى الأمن لتداعيات الحجر المنزلي الطويل وأزمات الاقتصاد والمال والمجتمع. إلّا أنّ هذه التفسيرات وبمنأى عن تبريرها للعنف، غير كافية لتدارك المحظور، إنما تطرح أسئلة حول تعزيز سبل الوقاية من هذا العنف، وهل بمستطاع المرأة التعرف إلى شخصية الرجل المعنّف، قبل إقدامها على زواج قد يكلّفها حياتها؟

أولاً: تسريع الطلاق

لا يمكن تحييد المحاكم الشرعية والروحية التي تمتلك سلطة واسعة في تحديد مصير القضايا الزوجية وتشكيل مفاهيمها.

رئيسة حملة رفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية زينة إبرهيم تقول لـ"النهار" إنّ "لارا شعبان التي تخوض دعاوى قضائية مع زوجها في المحكمة الجعفرية بسبب تعنيفه لها فهجرته، الأمر الذي دفعه لرفع دعوى "طاعة ومساكنة"، هي "حالة من آلاف الحالات التي تستغرق أحيانًا ست سنوات للبتّ بها. في حالة لارا، جرى تحديد الجلسة في 19 شباط منذ خمسة أشهر وهي مدّة زمنية مقبولة نسبيًا. لكن المحكمة تستطيع اليوم إنصاف لارا من خلال تعجيل البتّ بدعوى الطلاق التي تقدم بها المحامي جعفر شحيمي لصالح الضحية، ومنح الأم حقّ حضانة الطفلة بدون انتقالها للأب الذي ثبت قطعًا عدم أهليته".

وتعتبر أنّ المحاكم الشرعية تضطلع بدور في الحد من العنف الممارس ضد النساء "من خلال تسريع الحكم بالطلاق عمومًا، لتجنيب المرأة عناء المحاكمات لشهور قد تمتد لسنوات. فالتجربة جعلتنا نلاحظ أن المماطلة بإقرار الطلاق يُشعر الرّجل بأنّه وصيّ على الزوجة المتضررة ويعزّز شعوره بالتملك والتحكم بمصيرها، وإن كانت لديه نزعة عنف يستعملها للضغط ضدها".

ثانياً: تعديلات قانونية

قانونيا، سجلت المرأة في لبنان مكاسب جديدة لحمايتها ضد العنف، من خلال تعديلات القانون 2014/293 لحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري التي أقرت في الجلسة التشريعية بتاريخ 21 كانون الأول 2020.

وتلخص هذه المكتسبات بتجريم العنف المعنوي والإقتصادي وتجريم المرتكبين وتنفيذ قرار الحماية، وتكليف قضاة ومحامين متخصصين بقضايا الأسرة، وتعديلات لمصلحة حماية القاصرين وتشديد العقاب.

 

إلا أن القانون الراهن ما زال يحمل منافذ لارتكاب العنف، يصح بها تأكيد أن لارا ومثيلاتها يتعرضن للعنف القانوني قبل العنف الجسدي، بحيث الأوّل لا يزال يجعل الأخير مباحًا ويضعف سبل الحماية.

 

المحامية فاطمة الحاج تشرح لـ"النهار" أن القانون "لم يلحظ تعديل تعريف الأسرة ليشمل "أياً من الزوجين أثناء قيام الرابطة الزوجية أو بعد انحلالها". جرى عوضًا من ذلك تعديل تعريف العنف الأسري عبر إضافة عبارة "يقع أثناء العلاقة الزوجية أو بسببها"، الأمر الذي يناقض تعريف الأسرة  في المادة 2، وقد تطال حالات العنف نساء في العائلة الممتدة، لذلك اعتبرنا أن هذا التعبير غير كاف لحماية الضحية".

وتضيف أن "تعريف العنف الأسري لم يدرج مفهوم سوء إستعمال السلطة داخل الأسرة بالقوة الجسدية أو غيرها"، ولم تأخذ التعديلات بـ"اقتراح إلزام المعنف بالتأهيل في موازاة قرار الحماية. العنف سلوك، يحتم أن يخضع ممارسه لجلسات تأهيل من شأنها حماية الضحية. قرار الحماية غير كاف في حال لا تزال المرأة أو أي ضحية تعيش مع المعتدي تحت سقف واحد، لأن عدم تغيير السلوك سيؤدي بالمعنّف إلى إعادة ارتكاب العنف".

ومنذ صدور القانون عام 2014، تبيّن أنّه "من الأنسب خضوع المعتدي لجلسات تأهيل منذ صدور الحكم لدى قاضي الأمور المستعجلة وعدم انتظار الأحكام الجزائية التي تستغرق وقتًا طويلاً".

 

ثالثاً: اكتشاف المعنّف وتأهيله

أمام تزايد الجرائم، ترتفع اليوم أسئلة بمعنى "كيف تزوجت هذا المجرم؟"، و"لم تكن تشعر بإجرامه قبل الزواج؟"، و"لماذا صمتت عن العنف"؟

المعالجة النفسية ومنسقة القسم النفسي في منطمة "كفى"، جيزيل الياس نادر، تقدم تفسيرا "من خلال التجارب، تثبت أنّ غالبية هؤلاء النساء يتسرعن في الزواج بدون دراسة شخصية الشريك المعنف وسلوكه. وكثيرات يعانين في الأصل مشاكل في أسرهن أو يتعرضن للضرب، أو تلقين تربية تسمح بممارسة العنف والسكوت عنه لأنها امرأة، وعليها القبول به للحفاظ على أولادها وتجنب الـ"عيب"، فضلا عن تفسيرات للدين. وقد تصمت المرأة بسبب تهديدات المعنف، مثلما يحدث في بلدان متقدمة في دعم حقوق المرأة حيث تصمت السيدات لتجنب أذية المعتدي".

 وتوصي كل امرأة بـ"عدم السكوت عند أول اعتداء مهما بدا لها بسيطًا. سكوتها سيصعّد العنف وقد يؤدي للموت، لأن مواكبتنا للحالات أثبتت أن العنف يتخذ شكلا تصاعدياً".

استباقيًا، تمتلك المرأة خيار العودة عن فكرة الزواج بالرجل، حين تظهر لديه أمراض نفسية تدفعه لممارسة العنف، مثل "الذهان والعصاب وهما من الأمراض النفسية الكبيرة".

وفي استعراض سريع، توضح أن "مرضى الذهان يعانون الهلوسة والتوهم. وغالباً ما يستوجب ذلك دخولهم المستشفى للعلاج، ثم يتعاطون دواء لمدى الحياة وبعض الحالات يجب ألا تقدم على الزواج. والعصاب أيضًا قد يدفع لارتكاب جريمة، ويترجم بالفوبيا والقلق والوسواس والانحرافات السلوكية الجنسية التي تظهر لدى الشخصية السادية".

أما حين ينتقل المعنف لارتكاب جريمة، نتحدث هنا "عن "شخصية المجرم"، وتتجلى في: أولاً، شخصية الـ anti-social  أو "اللامتكيف اجتماعيًا" التي تكسر بسهولة قوانين وقيم المجتمع. ثانياً، شخصية الـpsychopath أو "الفاقدة للتعاطف مع الآخر" ولا تهمها معاناة الضحية."

وتضيف "عمومًا، تلعب الموروثات الإجتماعية والتربية دورًا كبيرًا في تكريس الذكورية لدى الرجل، فيشعر بأنّ العنف هو حقه المكتسب".

وحول التأهيل المقترح، تقول نادر: "نبدأ أولا بفهم شخصية المعنف لتحديد طريقة تدخل، بعد إحالة المحكمة المعنّف على مركز التأهيل النفسي. ثم يتسلم القاضي تقريراً حول التطوّر النّفسي لدى المريض، فيأخذ به عند البت بالدعاوى المتعلقة بالطلاق والحضانة. وقد يخضع المريض لتأهيل نفسي-إجتماعي، حيث يُدَرّب على استبدال العنف بوسائل أخرى للتعبير عن نفسه، وذلك في ضوء خضوعه لتمارين تساعده في الوعي بأسباب لجوئه للعنف".

رابعًا: أهمية التبليغ

ممّا لا شكّ فيه أن التبليغ يشكّل رادعًا لتفشي العنف. وهو خطوة أولى إيجابية تشهد ارتفاعًا في لبنان، في ضوء إعلان رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي العقيد جوزف مسلم أنّ "الخط الساخن الذي وضعته قوى الأمن الداخلي شكّل خلاصًا للمعنفات، حيث قامت المعنفات بـ 62% من التبليغات، يليها الجيران ثم الأهل والأصدقاء".

وتختم منسقة قسم الدعم في منظمة "كفى"، سيلين الكيك، بأنّ "غالبية النساء اللواتي لجأن لمركز الدعم، تعرضن للعنف النفسي من خلال التحقير والقمع ومنع المرأة من المشاركة في القرار. كما تلجأ بعض المعنفات إلينا عند الشعور بخطر داهم، وبأن المعنف قد يقتل قبل إقدامه على الفعل"، الأمر الذي يشكّل تطوّرًا في وعي المرأة بالعنف وبتعددية أشكاله. بصيص نور في استباق المرأة للعنف، ومنع تطوّره إلى إجرام قد يكلّفها حياتها.

 

 



 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم