السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

استدعاءات وتوقيفات وضغوطات... الصحافة في مواجهة السلطة وقضائها

المصدر: النهار
ليلي جرجس
ليلي جرجس
تحرّك احتجاجيّ لـ"تجمّع نقابة الصّحافة البديلة" (نبيل إسماعيل).
تحرّك احتجاجيّ لـ"تجمّع نقابة الصّحافة البديلة" (نبيل إسماعيل).
A+ A-
 
يبدو أنّ الانهيار الذي أصاب لبنان لم يعد محصوراً بالأزمة المالية والاقتصادية والصحية إنّما أيضاً بالحريات العامة، وفي مقدّمها حرية الصحافة. وما جرى منذ 4 أشهر حتى اليوم يؤسّس لمرحلة سوداء في تاريخ الحرّيات في لبنان، ويُعيد إلى الأذهان مرحلة التوقيفات وزمن القمع والترهيب والتخويف.
 
في اليوم العالمي لحرية الصحافة، هل أصبحنا بلداً ينادي بالحرّيات شفهياً ونظرياً في حين أنّ الواقع يكشف عن ممارسات مجحفة تُخالف أصول القوانين؟
 
في نظرة سريعة إلى آخر الانتهاكات التي سُجّلت في الشهر الماضي، فضحت 3 أحداث كيفيّة التعاطي مع حرية الصحافة والرأي. البداية كانت في 3 آذار 2023 عندما أصدر مجلس نقابة المحامين في بيروت قراراً يشترط الاستحصال المسبق على إذن من نقيب المحامين قبل المشاركة في أيّ ندوة أو مقابلة ذات طابع قانونيّ تنظّمها وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعيّ أو المواقع الإلكترونيّة أو المجموعات.
 
وبناءً عليه، استدعت نقاية المحامين المحامي نزار صاغية.
 
في 30 آذار 2023، اعترض عنصران من جهاز أمن الدولة طريق الصحافيّ جان قصير، مؤسّس موقع "ميغافون"، لإبلاغه بوجوب حضوره إلى مديرية التحقيق المركزيّ في المديرية العامّة لأمن الدولة، من دون الإفصاح عن سبب التحقيق.
ما جرى مخالفة واضحة لأصول التبليغ القانونيّة، واستبدال له بأسلوب الترهيب.
 
وفي 31 آذار 2023، أي بعد أقلّ من 48 ساعة من الاستدعاء الأوّل لقصير، استدعى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية الصحافية لارا بيطار، رئيسة تحرير موقع "مصدر عام"، للتحقيق معها على خلفيّة تناولها قضيّة النفايات السامّة في مقال نُشر على الموقع قبل نحو ثمانية أشهر.
 
 
الملاحقات الجزائيّة هي الانتهاك الأبرز
 
الملاحقات الجزائيّة للصحافيين هي الانتهاك الأبرز لحرية الصحافيين في لبنان، خصوصاً أولئك الذين يعملون في المواقع الإلكترونية والفريلانسرز، وفق ما تؤكّده مديرة البرامج في مؤسسة مهارات ليال بهنام. برأيها أنّه ما زال "يتمّ استدعاء الصحافيّين إلى التحقيق من قبل أجهزة متعدّدة في مراكز أمنية"، فإن هذه الاستدعاءات وقوانين القدح والذمّ الجزائيّة تعيق العمل الحرّ للصحافيين في انتقاد الأشخاص العامّين، وبالتالي تعيق الصحافيين في أداء دورهم في مساءلة الأشخاص العامّين، في وقت نحن بأشدّ الحاجة إلى تعزيز آليّات المحاسبة والضّغط.
 
إنّ الاستخدام المتزايد لموادّ القدح والذم، لا تتماشى مع المعايير الدولية لحرية التعبير والصحافة التي التزم لبنان التقيّد بها في مقدّمة دستوره، وأهمّها ضرورة إلغاء القوانين التي تسمح بالسجن والتوقيف على خلفية التعبير، لاسيّما القدح والذم، حيث يجب أن تكون المسؤولية فقط مدنية، والاكتفاء بالتعويض على مَن تضرّرت سمعته.
 
كذلك تحدّثت بهنام عن تحدٍّ آخر يتمثّل بعدم وجود أيّ ضمانات لحماية الصحافيين وحماية مصادر المعلومات، ممّا يجعلهم غير محصّنين ويقيّد أدوارهم، حيث نشهد تردّي أوضاع الصحافيّين، وغياباً لأيّ آليّات تعزّز أوضاعهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة، سواء من قبل المؤسسات الإعلاميّة أو النقابات أو حتّى السلطات العامّة.
 
هذا ليس التحدّي الوحيد، إذ تشير بهنام إلى أنّ حرّية الصحافة تواجه عائقاً آخر يتعلّق بعدم تطبيق قانون الوصول إلى المعلومات خاصّة في الجزء المتعلق بالنشر الحكميّ.
 
إنّ عدم وجود معلومات وبيانات حول القضايا العامّة تمنع الصحافيين من لعب أيّ دور استقصائيّ، والاكتفاء بنقل ما يقوله السياسيّون. ينطبق ذلك على مناقشات القوانين التي تتّسم بطابع السرّية في داخل اللجان النيابيّة. فكيف يمكن للصحافيين متابعة النقاش العام حول أيّ إصلاحات تتمّ مناقشتها في وقت يتطلّب منهم إعلام الرأي العام حول آليّات وتفاصيل صنع السياسات ليتمكّنوا من المساءلة؟
 
 
ونتيجة هذا الواقع، يبقى السؤال الأهمّ: ما هي الإجراءات والتدابير التشريعية المطلوبة لتحصين حقوق الصحافيّين؟ تقدّم بهنام في هذا الإطار مجموعة اقتراحات من شأنها أن تعزّز عمل الصحافيّين وتصون حريّاتهم وأهمّها:
 
‫- إلغاء تجريم القدح والذم والاكتفاء بالمسؤولية المدنيّة.‬
‫- تعزيز مفهوم نقد الأشخاص العامّين قانوناً، ومنع المؤسّسات الحكوميّة والعامة من رفع دعاوى قدح وذم.‬
 
‫- تعديل قوانين الإعلام لتتضمّن موادَّ تتعلّق بحماية الصحافيين وحماية مصادرهم. وتوسيع مفهوم الصحافي ليشمل الصحافيين العاملين في المواقع الإلكترونية والصحافيين المستقلّين الفريلانسرز.‬
 
‫- إلغاء التراخيص المسبقة للمطبوعات، وإيجاد حوافز للمشاريع الإعلامية الناشئة لناحية سهولة التسجيل القانونيّ، وحوافز ضريبية تعزّز تنوّع الإعلام وتعدّديته واستقلاليّته، فضلاً عن تشجيع الابتكار.‬
 
‫- فتح النقاش بين أصحاب المهنة حول أيّ تنظيم للإعلام يمكن أن يحقّق مزيداً من الاستقلالية والتنوّع مع مراعاة المعايير الدولية. ‬
 
‫- التزام لبنان بموجباته الدولية، لاسيّما كونه عضواً في تحالف حرية الإعلام، وقد تمنّع في السنوات الأخيرة عن توقيع بيانات عدّة صادرة عن التحالف. ‬
 
‫- على السلطات القضائية أن تتحرّك لمنع الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضدّ الصحافيين، بالإضافة إلى التحرّك في قضايا الفساد التي يكشفها الصحافيّون.‬
 
‫- على السلطات العامّة تطبيق النشر الحكميّ، وإزالة طابع السرّية عن مناقشة السياسات العامّة، ليتمكّن الصحافيّون من أداء دورهم في تعزيز ثقافة المساءلة.‬
 
لصون حريّة التعبير وحماية عمل الصحافيين والصّحافيّات، تشدّد بهنام على ضرورة بذل النوّاب جهوداً عدّة لإصلاح قوانين الإعلام بما يصون حرية التعبير ويحمي الصحافيين ويعزّز استقلالية الإعلام وديمومته.
كذلك يتطلّب الموضوع جهوداً من المؤسسات الإعلامية للتقيّد بالمعايير المهنيّة وتعزيز حقوق الصحافيين الاجتماعية والاقتصادية والسلطات القضائية والأجهزة الحكوميّة لتوفير مزيد من الحماية.
 
 
17 انتهاكاً خلال 4 أشهر
هذه القراءة الموضوعية للواقع الصحافي في لبنان، يتماشى مع ما يورده المسؤول الإعلامي لمؤسّسة سمير قصير جاد شحرور. إذ يستند إلى الأرقام للحديث عن الانتهاكات المسجّلة، مشيراً إلى أنّ "لبنان تخطّى الـ 800 انتهاك إعلامي وثقافيّ منذ العام 2017 حتى يومنا هذا، ولكن منذ بداية العام 2023 سجّل لبنان حوالى 17 انتهاكاً أثرت على 29 ضحيّة، في حين سجّلت فلسطين حوالى 56 انتهاكاً أثّر على 105 ضحايا. أمّا الأردن فسجّلت 4 انتهاكات أثّرت على 4 ضحايا، كما سجّلت سوريا 4 انتهاكات أثّرت على 5 ضحايا.
 
بالعودة إلى لبنان، يرى شحرور أنّ عدد الانتهاكات المسجلة منذ 4 أشهر حتى اليوم "هو رقم ملفت للنظر، قد يكون العدد أقلّ من السنوات الماضية إلّا أنّ السبب يعود إلى الأزمة السياسية والاقتصادية التي تلهي بعض السياسيين عن التعاطي مع ملفّ الإعلام بشكل قمعيّ.
 
ومع ذلك، لاحظنا في الأسبوعين الماضيين كيفية تعاطي الدولة والسلطة مع بعض المواقع الإخباريّة التي كشفت تحقيقات تتناول الفساد في البلد، واستدعاء جان قصير ولارا بيطار ومصادرة نقابة المحامين لحرية المحامين بقوانين جائرة.
 
ويرى شحرور أنّ "هذه الأحداث الثلاثة التي حصلت في أسبوع واحد يجعلنا نعيد النظر بأنّ الطبقة الحاكمة أعادت ملفّ القمع إلى الطاولة، وأبرزته بشكل أو بآخر.
وإذا أردنا الحديث عن الانتهاكات، يبدو واضحاً أنّه بعد العام 2019 أصبحت دموية أكثر وتُشبه أكثر انتهاكات فلسطين، حيث يستخدم جيش الاحتلال الرصاص المطّاطيّ والحيّ والقنابل المسيّلة، وقد جرى استخدامها في لبنان. كذلك ما زلنا نسمع لغاية اليوم في الإعلام والمؤسسات الحقوقية أنّ هناك انتهاكات وعملية ضرب لصحافيين، ليس فقط من قوى الأمن وإنّما أيضاً من أحزاب وميليشيات.
 
وللأسف أغلب الانتهاكات المسجّلة في هذا العام مرتبطة بدعاوى واستدعاءات وأحكام قضائية، وهذا، وفق شحرور، يظهر "كيف أنّ القضاء والأمن في لبنان مسيّسان، وبالتالي يعملان عند الأحزاب الحاكمة. لأنّهما لو كانا مستقلَّين لكان عليهما تناول أيّ إخبار يقدمه صحافيّ من خلال التحقيقات الاستقصائيّة والتعامل معه على محمل الجدّ. إلّا أنّنا في الحقيقة نجد أنّ النيابة العامة تتحرّك ضدّ الصحافيّ، ولم تتحرّك مرّة واحدة معه.
 
والجدير ذكره أنّ الرقابة تشمل أيضاً الأعمال الثقافية، وبات من الضروريّ نقل صلاحية الرقابة على الأعمال السينمائية والمصورة من الأمن العام إلى وزارة الثقافة من خلال لجنة مختصّة من أصحاب الاختصاص. بالإضافة إلى عدم استئناف أيّ جهة دينية، كما هو الحال اليوم وإلغاء كافة الرقابة المسبقة، وأن يكون لها علاقة بالأمن العام وحصرها فقط في لجنة مختصّة لتحديد الفئة العمرية لمشاهدة هذا العمل كما هي الحال في الخارج.
 
 
وعن التدابير التشريعية المطلوبة اليوم لتحصين حقوق الصحافيين وحرياتهم، يؤكّد شحرور أنّه:
1- يجب عدم التحقيق مع الصحافيين في المخافر وقضاة التحقيق والنيابة العامة وتحويل كلّ هذه الشكاوى والادعاءات إلى المحكمة المختصّة أي محكمة المطبوعات.
 
2- إلغاء مهام الضابطة العدليّة بالتحقيق في جرائم النشر المتعلّقة بالرأي والتعبير والنقد ونشر الموادّ الصحافيّة والإعلامية، وحصر النظر فيها مباشرة بالمحكمة المختصّة بناء على شكوى مباشرة أو ادّعاء من النيابة العامّة (مواقع إلكترونيّة - صحافة مكتوبة - إعلام مرئيّ ومسموع- إذاعة).
 
3- عدم منح المجلس الوطنيّ للإعلام أيّ سلطة على الصحافة المطبوعة أو الالكترونيّة أو وسائل التواصل الاجتماعيّ، حتى تبقى حرّة لتحديد سياساتها ومضامينها الإعلاميّة، وعدم الخضوع لموجبات النشر المنصوص عليها في الإعلام، لأنّه قانون جائر وقديم منذ ما قبل ظهور الإنترنت.
وعليه، يجب إعادة تحديد دور المجلس الوطنيّ للإعلام وتحديد صلاحيّاته، وأن نشهد على انتخابات فيه.
 
4- الأخذ في عين الاعتبار الموادّ التي يقدّمها الصحافيّون والإخبارات والتعامل معها على محمل الجدّ، وأن يكون فيها تدقيق وعدم استخدامها ضدّ الصحافيّ.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم