الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الحريري في 2021... الغياب النهائي؟

المصدر: "النهار"
اسكندر خشاشو
اسكندر خشاشو AlexKhachachou
الرئيس المكلّف سعد الحريري (أرشيف "النهار").
الرئيس المكلّف سعد الحريري (أرشيف "النهار").
A+ A-
تتشابه بداية عام 2021 مع نهايتها بالسؤال عن سعد الحريري، لكن مع فارق جوهري هو ان السؤال كان في بدايتها عن حكومة سعد الحريري، وفي نهايتها عن شخص سعد الحريري.
 
انتظر اللبنانيون انتهاء فترة الاعياد وانقضاء السنة لإعلان حكومة سعد الحريري، التي وُعدوا بها ضمن معايير طالبوا بها والتزمها هو، الّا ان الامور لم تسر كما هو مرسوم لها، وانقضت الاعياد، وبعد 9 اشهر لم يتمكن الحريري من تشكيل الحكومة المنتظرة قبل ان يوقّع استقالته ويمضي.

وخلال هذه الاشهر، مرت المفاوضات الحكومية بمراحل عدة يستحق بعضها ذكره ضمن سوابق السياسة اللبنانية والتعاطي بين الرئاسات، وربما ستُذكر لاحقاً كأحداث فريدة من نوعها، يُستبعد ان تتكرر في العلاقات السياسية اللبنانية.

من أهم هذه الاحداث انه اثناء التفاوض بين الرئاستين الاولى والثالثة حول الاسماء وتقاسم الوزارات لتشكيل الحكومة، ارسل رئيس الجمهورية ميشال عون الى الحريري مع أحد درّاجي قوى الأمن الداخلي نموذجا يتضمن أعمدة وتوزيع الحصص الوزارية على اساس الطوائف، مع تسجيل عبارة "نموذج للتعبئة يسهّل النظر في تشكيل الحكومة من المستحسن تعبئته"، وهو ما اعتبره الحريري سابقة واهانة لموقع رئاسة الحكومة، وقد أكده بتصريح انه احتفظ بالورقة للتاريخ.

أما الحدث الثاني الذي لا يقل غرابة عن الأول من حيث العلاقات، وهو تسريب مقصود من قصر بعبدا عن حديث للرئيس عون مع رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب يصف فيه الحريري بأنه "كذاب"، ما ادى الى توتر العلاقات بين الطرفين مجددا.

الاحداث المشار اليها أعلاه، هي جزء من مسار تخللته عشرات التسريبات والمناكفات واللقاءات والمحاولات، داخليا وعربيا ودوليا، وربما لم تبقَ دولة فاعلة اقليميا ودوليا لم تتدخل في تشكيل الحكومة اللبنانية، ورافقته جولات عربية ودولية للحريري، في ما بدا كأنه استعادة للدور المعروف به رئيس "تيار المستقبل" على مستوى العلاقات الدولية، في حين أن معظم الدول اقفلت ابواب التعامل مع لبنان الرسمي ومع المؤسسات اللبنانية ومن ضمنها رئاسة الجمهورية.

ومع ذلك، أحسن عون ومن خلفه جبران باسيل، الافادة من الخلاف ما بين الحريري والسعودية وعدم رضا المملكة عنه، فعملا على إجهاض كل محاولاته، حتى أعلن عن يأسه في ايلول، تاركاً بعدها الموقع والبلد لادارة اعماله في الامارات العربية المتحدة.

دعم الحريري الرئيس نجيب ميقاتي وسمّاه لترؤس الحكومة التي شُكلت بغطاء فرنسي - ايراني، ومنحها الثقة. الاّ انه في الواقع ان الحكومة الحالية لا تشبه ما اراده الحريري وما عمل عليه طوال اكثر من سنة، ولو انها ضمّت اسمين من الاسماء التي طرحها في تشكيلاته التي قدمها الى بعبدا، فالحريري اراد لحكومته ان تشكَّل بغطاء عربي – دولي، مع اختصاصيين ولا أثلاث معطلة فيها، ولا تشبه حكومة ميقاتي المنزوعة الغطاء العربي، حتى ان صفة الاختصاص فيها مموهة، على شاكلة اعلامي وزيراً للزراعة، وأستاذ جامعي واكبر الوزراء سنا وزيراً للشباب والرياضة، ومن المنصف القول ان لا علاقة للحريري بالحكومة الحالية، وصمته وفريقه عما يحدث ابلغ دليل على ذلك.

ولكن يبقى الحدث الابرز هذا العام الكلام عن خروج الحريري من الحياة السياسية اللبنانية، وهو الأهم ليس على مستوى الحريري الذي اعتاد الدخول الى الحكومات والخروج منها طوال مسيرته السياسية منذ عام 2005، بل لان لهذا الكلام تأثيراته الوطنية التي تتجاوز قضية الحريرية السياسية، الى التأثير على الحياة السياسية اللبنانية عموما، خصوصاً ان زعيم "المستقبل" بنى حريرية جديدة على طريقته، وكان اجرأ زعيم سني برفع شعار "لبنان اولاً"، وازاح نفسه وطائفته عن السياسة السنية التاريخية ذات البُعد العربي والتماهي مع الاقليم.
 
كما كان للحريري دور اساسي على المستوى الوطني والطائفي في مواجهة التيارات الاسلامية الاصولية التي بلغت ذروة نشاطها في العالم العربي ما بين 2011 و2018، وكان لوجوده على رأس الطائفة التأثير الاكبر في منع تمددها الى لبنان كما حصل في سوريا ومصر وليبيا والعراق وغيرها.

وفي العلاقات السياسية، وعلى رغم تسلمه القيادة في عز الاشتباك السياسي مع الطائفة الشيعية، لم تتخذ مواقف الحريري طابع الحدّية، بل ابتعد عن المواجهة، حتى مع باقي الخصوم سلك طريق التسوية، وربما اثرت هذه السياسة على حضوره وشعبيته.

اما في ادارة الدولة فكان الحريري جزءا من المحاصصة السياسية والطائفية والمذهبية في البلاد، والتي سادت منذ اكثر من ثلاثين عاما، من دون اضفاء اي جديد عليها. ووفق ما تقدم فان حضور الحريري وحراكه السياسي والشعبي اصبح متجذرا في ادارة الدولة والحكم والمعارضة، وبالتالي اصبح جزءا لا يتجزأ من لبنان المعاصر، وهذا الامر لا يمكن ان ينتهي بمجرد اعلان الحريري عدم خوض الانتخابات او الاعتكاف عن الحياة السياسية.

وما هو واضح حتى الساعة انه على رغم ابتعاد الحريري عن الساحة لم يستطع احد ان يملأ جزءا من الفراغ السياسي، فهو حاجة للخصوم الذين شكل لهم خطابا سياسيا بُني على مهاجمته، كما حاجة لمن كانوا حلفاءه بحيث انهم لم يجدوا حليفا او شريكا يحل محله.

ومع الحديث عن انهيار شعبي لحق به، كشفت دراسة نشرت اخيرا ان نسبة عالية من الطائفة السنية اعتبرت ان الحريري خذلها. ولكن لدى سؤال عيّنة كبيرة منها عن تسمية رئيس للحكومة، سمّى 70 بالمئة منهم سعد الحريري، وهذا يدل على عاطفة عند هذه الطائفة التي رغم ما تسميه خيبات ما زالت تحتضنه، الامر الذي يثبت غياب بديل من الحريري واستمراريته السياسية.

وفي الخلاصة تنتهي السنة في ظل غموض يكتنف عودة الحريري او عدمها، ولكن المشهد السياسي اللبناني يبقى ناقصاً بغياب الحريري، كما تفتقد الساحة السياسية اللبنانية طرفا اعتبر نفسه دائما "امّ الصبي" في الدولة اللبنانية وقدم التنازلات للحفاظ عليها.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم