الأحد - 19 أيار 2024

إعلان

شمس بشرّي أشرقت حزينة على ضحيتين بإطلاق نار غامض في القرنة السوداء... الجريمة أعادت إلى الواجهة الخلافات المزمنة على ترسيم الحدود مع بقاعصفرين

المصدر: "النهار"
طوني فرنجية
القرنة السوداء.
القرنة السوداء.
A+ A-
أشرقت شمس الاحد الثاني من تموز على بشري الحزينة على إبنيها هيثم ومالك طوق اللذين سقطا بالرصاص في ظروف غامضة في القرنة السوداء، السبت، مما اثار موجة غضب واسعة في مدينة المقدمين، وأدى الى تعاطف شمالي معها وأداً لفتنة نائمة ومنعا لتفاقم الأمور والعودة الى ما لاتحمد عقباه، على صعيد العيش المشترك والتلاقي بين الجوار.

لا حركة في اسواق المدينة، والمصلون توجهوا الى الكنائس صباحا للمشاركة في القداديس، وعادوا الى منازلهم يترقبون وينتظرون، في ظل انتشار واسع للجيش وتسيير دوريات وإقامة حواجز حفاظا على الامن.

البشراويون يطالبون، في مجالسهم ومنتدياتهم، بـ"تحقيق شفاف، وانهاء اعمال المساحة في القرنة السوداء، وترسيم الحدود بين قضاءي بشري والضنية منعا لاستمرار الاشكالات العقارية المتمادية منذ اكثر من ثلاثين سنة، والتي تتجدد كل صيف بين مزارعين من بشري وآخرين من الضنية، "وتنتهي رغم المساعي والمناشدات بتبويس اللحى".

ويحملون الدولة "بكل اجهزتها المعنية التي لم تنه اعمال المساحة رغم علمها بخطورة الوضع، المسؤولية مباشرة في ما آلت اليه الامور، ووصلت اليه اخيرا، لانها لو حسمت امرها لما كان حصل ما حصل".

شائعات كثيرة ترددت عن الحادث وكلها يهدف الى التحريض على الفتنة، في وقت لا يحتاج لبنان الى مزيد من الخضات والفتن، خصوصا بعد المعلومات التي جاءت في تقرير احد الاطباء الشرعيين الذي كشف على جثة هيثم طوق (القتيل الاول)، والتي دحضدت فرضية القناص، وقالت بفرضية القتل عن قرب وعن مسافة لا تزيد عن 200 متر، بسبب دخول الرصاصة من الكتف مرورا بالرئتين والبطن واستقرارها في الفخذ، مما يفتح الباب امام احتمالات عدة وكثيرة بعيدة عن الشائعات التي صدرت وجيّشت بعض الاهالي ضد ابناء بقاعصفرين.

كما ان بيان الجيش الذي تحدث عن منطقة التدريب العسكري في المنطقة وضرورة الابتعاد عنها حرصا على سلامة المواطنين، من شأنه ان يطرح فرضيات عدة.

أياً تكن الجهة التي اطلقت النار يجب الاعلان عنها ومحاسبتها، لان وأد الفتنة يحتاج الى تحقيق عاجل وشفاف يكشف حقيقة ما حصل ويسوق الفاعلين الى السجن، ليكونوا عبرة لغيرهم ممن تسول لهم انفسهم جر البلد الى الاقتتال.

ولا شك في أن الجيش لعب دورا كبيرا في لجم حالات الغضب وردات الفعل وصولا الى الاشتباك مع مجموعة مسلحة من بشري، مما ادى الى مقتل مالك طوق، كما نفذ اجراءت صارمة وانتشر على طول الطريق الذي يربط بين بشري وبقاعصفرين عبر القرنة السوداء.
ما هي خلفيات الحادث ومن المسؤول عنه، ومن يريد جر البلاد الى ما لا تحمد عقباه، من قتل هيثم طوق وكيف قتل وبرصاص من؟ اسئلة تحتاج الى إجابات عاجلة لقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر وما اكثرهم .


عندما تتقاعس الدولة
منذ سنوات تكاد أن تقارب أربعة عقود، تتجدد الاشكالات والتجاوزات مع كل موسم صيف، في ما يتعلق بالمياه في القرنة السوداء، بين شبان من بشري ورعاة ومزارعين من الضنية، وخصوصاً من بقاعصفرين، جراء التعدي على مياه البرك التي تتشكل من ذوبان الثلج، والتي يرى ابناء بشري أنها تغذي المياه الجوفية في منطقتهم، وترفدها عبر البواليع بمزيد من الخير الذي يحول دون الشح في أيلول أو التشرينين، فيما يرى مزارعون ورعاة من الضنية في مياه هذه البرك شريان حياة لمزروعاتهم الصيفية في بقاعصفرين وجرد النجاص، وخزانًا طبيعيا لري قطعانهم التي يرسلونها صيفا الى الجرود، ويستقدمون الجرافات والحفارات للحفر لمد الأنابيب (النباريش)، وجر مياه البرك الى حيث يرغبون، معتبرين ان هذه البرك تقع في نطاق الضنية العقاري، وأن لهم حق الافادة من مياهها. فيما يعتبرها البشراويون في النطاق الجغرافي للبلدة. وسبب التفاوت في النظرتين الجغرافيتين يعود الى كون المساحة في الجرود الشمالية، لم تقفل حتى الساعة، ولا تزال "تقريبية" ولهذا يدّعي كل طرف منهما ما يدعيه.

الخلاف العقاري بين بشري وبقاعصفرين مرّ بمراحل عدة ومختلفة بين مفاوضات حيناً، ومشاحنات أحياناً، وسخونة حيناً آخر، وصولاً إلى التبريد في بعض الأحيان. وهو يصل في كثير من المرات الى اطلاق نار واتهامات متبادلة بخرق قوانين الحماية البيئية، وتحديدًا القرار الرسمي الذي أصدرته وزارة البيئة عام 1998 بتوقيع من الوزير أكرم شهيب، والذي صنف بموجبه جبل المكمل – القرنة السوداء من المواقع الطبيعية الخاضعة لحماية وزارة البيئة، ويمنع القيام بأي منشآت أو نشاطات بشرية عليها. ووصلت الامور في بعض الاحيان الى اطلاق النار على القطعان والرعيان، والى وقف العمل في انشاء بركة لتجميع المياه كان يتولاها المشروع الاخضر ووزارة الزراعة في محلة تلة سمارة في القرنة السوداء، لتذهب مياهها الى بقاعصفرين. واتخذ النزاع على جغرافية القرنة في احيان عدة طابعا دينيا حتى غدا كأنه تطييف لأعلى قمم لبنان 3088 متراً، وخصوصاً بعد حوادث الضنية و"فتح الاسلام" والحديث عن تدريبات لتنظيم "داعش" في المنطقة المحاذية للقرنة من جهة الضنية.
لجنة قضائية عقارية

وتجنّباً لتطور الخلافات، المستمرة فصولا منذ سنوات تشكلت لجنة قضائية عقارية من أجل مسح العقارات وتحديد حدود المشاعات بين بشري وبقاعصفرين، ولكن أحوال الدولة المهترئة في السنوات الأخيرة، والتي أضيف إليها كورونا والانهيار، حالت دون التوصُّل إلى النتيجة المرجوة، واستمرت المشاحنات ولكنها لم تصل إلى حدود القتل.

الكل يعول على الدولة، ولكن الانتظار طال ولم يعد الوقت يسير في مصلحة احد. فالمطلوب الاسراع في انجاز ترسيم جغرافية القرنة حقنا للدماء ومنعا للاشكالات المتجددة كل عام، والا فلتعلن القرنة منطقة امنية او عسكرية او ... تابعة للمؤسسة العسكرية لها وحدها حق التصرف فيها الى حين الفرج .

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم