الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أقلامنا باقية فاطمئنّوا

المصدر: النهار
داود الصايغ
داود الصايغ
Bookmark
أقلامنا باقية فاطمئنّوا
أقلامنا باقية فاطمئنّوا
A+ A-
كان الحبرُ رفيقَ الدم في مسيرة التاريخ. هذا حدثَ في كلّ مكان. الدماء تروي التراب والحبرُ يحوّلها إلى أنينٍ في الزمان. إذ لم يكن الدمُ وحده كافٍ لينقله رسالةً من الراحلين إلى اللاحقين. أنينَ كلّ من استُشهِد، من الكبار إلى الصغار من العظماء إلى الفقراء، ممّن كاد التاريخ أن يغفلهم لولا الكلام. "أنا أضعُ خُططي على أحلام جنودي النائمين" قال نابوليون بونابرت. نستحضر اليوم كلامَ هذا العظيم في المئوية الثانية لوفاته في مثل هذا الشهر، في جزيرةٍ نائية في المحيط بين إفريقيا والبرازيل. كما تقصَّد جان إيف لودريان ربما أن يفعله في زيارته الوداعية الأخيرة إلى لبنان التي صادفت ذكرى المئوية الثانية لنابوليون. لعلّ نابوليون بقيَ في التاريخ من خلال ما قال وما كتب ما يساوي عشرات الانتصارات العسكرية التي دمرت فرنسا وأوروبا وقضت على الملايين وانتهت بالقضاء عليه فماتَ منفياً وهو في الواحدة والخمسين من عمره. إنه بقيَ من خلال القانون المدني الذي لا يزال حتى اليوم يُدرّس في الجامعات بأنه قانون "نابوليون". على أحلام الجنود، أكانوا نائمينَ أم تحت التراب. فالحبر والدم رفيقان منذ البدء. في شهر تشرين الثاني ١٨٦٤، أُبلغَ الرئيس الأميركي ابراهام لينكولن أن سيدةً من ولاية ماساشوستس اسمها ليديا باركر بيكسلي قد فَقدت خمسة من أبنائها في الحرب الدائرة يومذاك بين الشمال والجنوب. فماذا كان لديه سوى أن يكتب لها: "سيدتي العزيزة،"كنت أراجع في ملفات وزارة الحرب تقريراً من القائد العسكري في ماساشوستس يُفيد بأنّك أمٌّ لخمسة ابناءٍ سقطوا جميعهم في ساحة الشرف. إني أتخيّل كم أنّ أيّ كلمة من قِبلي ستكون باطلة وعديمةَ الفائدة لمحاولة صرفِك عن الحزن الذي تسببت لك به هذه الخسارة الرهيبة. ولكني لا أتمالك من أن ألفُتَكِ إلى أن العزاء الذي يمكن أن تجديه هو في عرفان الجمهورية التي قضوا من أجلها. وإني أسأل الله الذي في السماء أن يُخففَ من معاناتكِ ويترك لك فقط الذكرى الحنونة لأعزّاءك الغائبين والفخر بأنك قدّمتِ هذه التضحية الغالية على مذبح الحريّة. بكلّ إخلاصٍ واحترام: ابراهام لينكولن." كان الكلام قليلاً ولكنه دخل في التاريخ. ودخلت معه تلك الثَكلى، فتحوّلت مأساتُها إلى أسطورةٍ نُقشت على إحدى اللوحات واستشهد بها جورج بوش الابن في كلمته بعد ١١ أيلول ٢٠٠١ كما استوحتها السينما في فيلم "إنقاذ الجندي راين". فالكبار عندما يعجزون عن الفعل لا يعود أمامهم سوى الكلام. "ليس لي ما أقدّمه سوى الدماء والدموع والعرق والجهد"...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم