الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

المطران عوده: عندما اتفقوا تقاسموا المغانم وعندما اختلفوا أضاعوا البلد... ولا يخجلون

المصدر: النهار
المطران عوده: عندما اتفقوا تقاسموا المغانم  وعندما اختلفوا أضاعوا البلد... ولا يخجلون
المطران عوده: عندما اتفقوا تقاسموا المغانم وعندما اختلفوا أضاعوا البلد... ولا يخجلون
A+ A-
توقف متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، "عند ما شهدناه (أول من) أمس (في عوكر) من تصرف قد لا يكون يليق بالسلطة القضائية التي طالبناها بإبعاد السياسة عن عملها، والانتفاض على الوضع المزري"، مطالباً سائر الأجهزة الرقابية بـ"الافاقة من سباتها العميق، والقيام بواجبها الرقابي بحزم ومسؤولية، لئلا تقضي الفوضى على ما تبقى من إدارات الدولة".
 
وقال في قداس الأحد بكاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت: "وصلنا إلى الأحد الخامس من الصوم الأربعيني المقدس الذي نعيد فيه للقديسة مريم المصرية، النموذج الحي للتوبة الحقيقية، والمحبة الإلهية. عاشت القديسة مريم المصرية في الإسكندرية، بعدما غادرت والديها بعمر الثانية عشرة، واستسلمت لحياة الرذيلة. لم تكن تبتغي الربح المادي، إنما أحبت الخطيئة والانغماس فيها. عشقها للخطيئة، جعلها ترغب في إيقاع شبان جدد في شباكها. لذا، صعدت إلى سفينة كانت تحمل حجاجا ذاهبين إلى أورشليم لتعييد عيد رفع الصليب الكريم المحيي، واستطاعت خلال الرحلة أن تغوي رجالا كثيرين. عندما حل عيد رفع الصليب، حاولت مريم أن تدخل الكنيسة وسط الحشود، فشعرت بقوة تمنعها. حاولت مرات عدة أن تدخل، لكن عبثا، فبدا لها أنها غير مرغوب فيها في بيت الرب. عندئذ، أدركت عظم خطاياها، ووقفت خارجا تبكي بمرارة. وعندما رأت أيقونة والدة الإله، خاطبتها واعدة إياها بأنها حالما تسجد للصليب المحيي ستنبذ إنسانها القديم، وتترك طريق الخطيئة. بعد مخاطبة العذراء في الأيقونة، حاولت الدخول فاستطاعت وسجدت للصليب الكريم، ثم وقفت أمام أيقونة العذراء تشكرها، فسمعت صوتا من السماء يقول: "إذا عبرت الأردن تجدين راحة مجيدة".
 
غادرت مريم أورشليم، باتجاه الأردن. قصدت كنيسة القديس يوحنا المعمدان، حيث تناولت القربان المقدس، ثم انطلقت إلى الصحراء لتقضي بقية حياتها. هناك، حاربت أهواء حياتها السابقة، وعلمها ملاك الكتاب المقدس. (...) مثلما بدأت التهيئة للصوم بالتوبة مع العشار والابن الشاطر، تعود كنيستنا المقدسة لتذكرنا بالتوبة عبر سيرة القديسة مريم المصرية. تحديد آخر أحد من الصوم الكبير المقدس لقديسة تائبة هو تذكير لنا بأن التوبة شرط أساسي للدخول إلى ملكوت الله. غالبا ما يتجاهل المسيحيون صحتهم الروحية. لقد سلم المسيح رسله سلطان حل الخطايا أو ربطها قائلا لهم: من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت (يو 20: 23). إنتقل هذا السلطان إلى الأساقفة والكهنة من خلال سر التوبة والإعتراف الذي، بسبب عدم ممارسة المسيحيين له، دعاه الآباء القديسون الدواء المنسي. الجسد المريض يحتاج دواء ليشفى، وقد لمسنا هذا الأمر مع الوباء الذي غزا العالم. كذلك الروح تمرض، ووباؤها يدعى الخطيئة، أما الدواء الذي وضعه ربنا لشفاء النفوس فيدعى التوبة. الخطيئة هي الجرح، والتوبة هي العلاج. الخطيئة يتبعها الخجل، والتوبة تلزمها الجرأة. لكن الشيطان قد عكس هذا الترتيب، لأنه يعطي جرأة في الخطيئة، وخجلا من التوبة. إذا، فيما تسبب لنا خطايانا الموت، تمنحنا التوبة فرصة الحياة مجددا، أي فرصة البقاء مع الرب الذي هو الطريق والحق والحياة (يو 14: 6). مهما كان شكل خطايانا، أو مهما كثرت وتعددت، علينا ألا نقع في اليأس، لأن ربنا سبق فقال لنا: لم آت لأدعو أبرارا بل خطأة إلى التوبة. 
 
الإنسان الذي يتبع وصايا الرب، حتى ولو عاش في مجتمعات موبوءة بالخطايا، لا يتزعزع بهجمات الشرير، ولا يبتعد عن الدرب القويم. وإذا ضعف، لا ييأس من الخلاص، بل يسارع إلى الإعتراف بتوبة، أي يرجع فورا إلى الرب، حصنه، على حسب قول النبي داود: الله لنا ملجأ وقوة... رب الجنود معنا (مز 46: 1 و7 و11). الله يقيمنا من موت الخطيئة، لذلك نعيد قول كاتب المزامير في خدمة الهجمة: رب الجنود هو ملك المجد (مز 24: 10). فلنتذكر دائما أن من كان مع الله، وكان الله معه، لن يتزعزع لأي سبب، حتى أقسى التجارب، وما أكثرها في هذه الأيام بسبب أناس أحبوا اتباع الشرير وألاعيبه بدل العودة إلى الرب والتوبة إليه".
 
بين الأمس واليوم
وأضاف: "منذ أيام، في 13 نيسان، استذكرنا بداية الحرب التي دامت سنوات وخلفت ضحايا ودمارا وويلات، لكن يبدو أننا لم نتعلم من دروسها القاسية، ولم نعلن توبة صادقة عن كل الخطايا التي اقترفناها بحق وطننا، ولم نأخذ العبر. فما عجزت عنه الحرب أوصلنا إليه زعماء وسياسيون وحكام عاثوا فسادا، وأشبعونا وعودا، وأوصلونا إلى الجحيم. ترى هل التخلص من الأنا صعب إلى هذا الحد؟ هل نبذ المصلحة الخاصة، وإجراء الإصلاحات التي تحولنا إلى دولة عصرية ناجحة صعب؟ هل العمل الدؤوب من أجل إخراج البلد من جو الصراعات والمناكفات والأحقاد وتصفية الحسابات مستحيل؟ يومها كان البعض يريد أن يجعل من لبنان وطنا بديلا، أما اليوم فاللبنانيون يفتشون عن وطن بديل يحميهم ويؤمن لهم حياة كريمة. عند ذاك كان الآخرون يصفون حساباتهم على أرضنا، اليوم السياسيون اللبنانيون يصفون حساباتهم مع إخوتهم اللبنانيين، وفي الحالتين المواطن وحده يدفع الثمن. كنا نعاني التدخلات الأجنبية والاحتلالات، فإذا بنا اليوم نعاني من التبعية للخارج ومن المعارك العبثية والسطو على مقدرات البلد وأموال المواطنين، ومن تقاسم الحصص والمراكز، ومن التغاضي عن إهدار حقوق لبنان واللبنانيين ما دامت حقوق المسؤولين محفوظة. هؤلاء صادروا قرار اللبنانيين وتحكموا بمصائرهم ورهنوا مستقبلهم ومستقبل أولادهم برهاناتهم على الخارج، وكأن الترياق سيأتينا من هذا الخارج. ألم يع اللبنانيون أن الخارج لا يعمل إلا لمصلحته، وأنه يستعملنا مطية يتخلص منها عندما ينتهي دورها؟
 
بالأمس كان الصراع بين الطوائف، أما اليوم فالطوائف تنمو على حساب الوطن، والدويلة على حساب الدولة، ومصلحة بعض الأفراد على حساب المجتمع، ومصلحة الفرد على حساب الجماعة. شهوة السلطة تسيطر على العقول وتكبلها، فينتهج أربابها سياسة انتحارية تودي بلبنان واللبنانيين إلى الهاوية. أصبح بضعة زعماء يحكمون البلد على أشلاء المواطنين، يتحكمون بمصير الناس ويعملون لمصالحهم الخاصة، يستعملون الشعب وقودا لحروبهم وأضاحي، غير آبهين بمصير البلد وبآلام الشعب وكرامته. وهنا سؤال مصيري وجودي يطرح نفسه: هل لبنان هو الهدف والغاية أم المصلحة والحزب والطائفة؟ وهل لبنان وطن نهائي لكل أبنائه أم هو معبر وجسر ووسيلة؟ إن اللبناني الحقيقي، إلى أي طائفة انتمى، يعمل من أجل مصلحة لبنان لا طائفته أو مرجعيته الخارجية. الانتماء الحقيقي الصادق إلى الوطن هو ما سينقذ لبنان واللبنانيين من الهاوية التي دفعهم إليها الطائفيون المفتشون عن مكاسبهم الشخصية عبر التغني بطوائفهم. عوض التفكير بمستقبل الساسة يجب التفكير بمستقبل الوطن الذي يكاد يضيع. عوض الاهتمام بمصير الزعماء ومستقبلهم السياسي يجب الإهتمام بمصير الوطن. عندما كانوا متفقين تقاسموا المغانم وأهملوا البلد، وعندما اختلفوا أضاعوا البلد. مخجل رأي زعماء العالم بزعمائنا. نحن نخجل وهم لا يخجلون بل يتابعون نهجهم التدميري، ويربطون مصيرنا بانتخابات هناك ومحادثات هنالك. وعوض أن ننأى بأنفسنا عن مشاكل محيطنا، نأى العالم بنفسه عنا، وأشاح وجهه عن خطايانا الكثيرة التي كلفتنا ضياع البلد وضياع ماء الوجه، ولا يلزمنا اليوم إلا شيء من الشجاعة للاعتراف بالمسؤولية والانصياع للمحاسبة، وإذا اقتضى الأمر التنحي وترك المجال لمن هم قادرون على الإنقاذ. توبة مريم المصرية أتاحت لها الوصول إلى القداسة، فهل من يفهم؟
 
لا بد من التوقف عند ما شهدناه (السبت) من تصرف قد لا يكون يليق بالسلطة القضائية التي طالبناها بإبعاد السياسة عن عملها، والانتفاض على الوضع المزري. كما نطالب سائر الأجهزة الرقابية بالافاقة من سباتها العميق، والقيام بواجبها الرقابي بحزم ومسؤولية، لئلا تقضي الفوضى على ما تبقى من إدارات الدولة. 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم